شهدت العاصمة التونسية أمس تعزيزات أمنية كبيرة منذ الصباح وتضاعفت تقريبا قبل صلاة الجمعة كما تكثفت قوات الأمن بالقرب من مقر السفارة الفرنسية والمقرات الأجنبية... مما يدل على أن أزمة مالي ألقت بظلالها على تونس خاصة بعد الكشف عن مخزن لسلاح بمدنين مؤخرا كما زاد من مخاوف التونسيين ما حدث في الجزائر من عمليات اختطاف لرهائن وقتلهم مع المختطفين. «الشروق» تحدثت إلى مصادر من وزارة الداخلية وإلى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي وإلى الشيخ عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية عن السيناريوهات المحتملة في تونس وانعكاس أحداث مالي على وضعنا الأمني.
تهريب الأسلحة
في البداية وضح المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن ما يجري في مالي يعني تونس بشكل مباشر وذلك من عدة زوايا أولها أن شمال مالي على مقربة من حدود تونس الجنوبية وكل تعزيز لنفوذ القاعدة هناك يشكل تهديدا مباشرا لأمننا الوطني والاستراتيجي أما الزاوية الموالية فتتمثل في اكتشاف تهريب الأسلحة وخزنها في تونس وقد أثبتت التحقيقات أن هذه الوقائع لها علاقة مباشرة بما يجري في مالي ذلك أن جزءا من هذه الأسلحة يتم تهريبها عن طريق تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي وذلك في إطار قيامه بمحاولة لتعزيز قوة المقاتلين المتشددين في مالي.
أما الرواية الثالثة التي تجعل لما يحدث في مالي علاقة مباشرة بتونس فتتمثل في خوف الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا على رعاياها في تونس وبالتالي فمن الطبيعي أن تعزز الأجهزة الأمنية التونسية نشاطها وحضورها في الفترة الأخيرة والأيام القادمة وذلك لحماية أمن التونسيين وكذلك لمنع أي محاولة استهداف للأجانب في تونس خاصة منها المواقع الاستراتيجية للدولة الغربية خاصة فرنسا كالسفارات.
سألنا مصدرنا عن تفسيره لتغير موقف تونس من معارض للتدخل الفرنسي في مالي إلى مؤيد له فأجاب بأن الموقف التونسي تغير في فترة وجيزة ويعود ذلك إلى دقة الملف المالي وانعكاساته على تونس ولعل ما دفع بالديبلوماسية التونسية في البداية لأن تكون ضد هذا التدخل الفرنسي إلى الرغبة في عدم اظهار تونس في مقدمة الأطراف المعادية للمجموعات المسلحة لتفادي انتقامها لكن الموقف تغيّر لأن الأطراف الاقليمية والدولية استغربت وتساءلت عما إذا كانت تونس جزءا من التحالف الاقليمي والدولي الذي بدأ يتشكل للحيلولة دون إقامة دولة موالية لتنظيم القاعدة ونتيجة لهذه الاعتراضات تم القيام بمراجعة سريعة للموقف التونسي للإنسجام مع الاستراتيجيات الدولية والاقليمية.
سيناريوهات
لكن ماهي السيناريوهات المتوقعة في تونس نتيجة ما يجري في مالي؟ عن هذا السؤال أجاب مصدرنا أن السيناريو الأكثر احتمالا يتمثل في توسع المعارك في مالي وتورط القوات الدولية في مقدمتها فرنسا في حرب استنزاف ستلجأ إليها هذه الجماعات المتشددة أو ما يعرف بحرب المدن مما قد ينجر عنه وقوع عمليات اختطاف أجانب في دول الجوار منها تونس لا قدر الله على غرار ما وقع في الجزائر فهذه الاحتمالات غير بعيدة عن تفكير هذه الجماعات.
المعالجة الأمنية
لكن هل أن المعالجة الأمنية كافية في تونس للتصدي لهذه الاحتمالات إن وقعت لا قدر الله؟ عن هذا السؤال يجيب الأستاذ الجورشي بأن الأجهزة الأمنية في تونس رغم أنها لم تخض تجارب قديمة في المجال لكنها تتمتع بالقدرة على معالجة هذه التطورات وأضاف المصدر أن المعالجة الأمنية لا بد من دعمها من القوى السياسية والمدنية في تونس التي عليها أن تأخذ هذه المخاطر بجدية وإعادة ترتيب البيت السياسي والاجتماعي الداخلي في أقرب وقت حتى لا تفاجئنا الأحداث.
تكتم الداخلية
من جهة أخرى اتصلنا بمصادر من وزارة الداخلية لمعرفة ما إذا كانت التعزيزات الأمنية أمس سببها تهديدات أو تحذيرات لكن مصادرنا تكتمت عن التفاصيل موضحة أن التعزيزات الأمنية تم نشرها احتياطيا في عدة مواقع وسيكون التواجد الأمني مكثفا خلال الفترة القادمة.
ترشيد الجماعات الاسلامية
وخلال حديثنا الى الشيخ عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية عبر عن ألمه لما يراه في مالي من عنف بعض الجماعات الاسلامية المتشددة ومن ألمه للتدخل الأجنبي ويأمل أن يتم التدخل لترشيد الجماعات الاسلامية لكنه في ما يخص تونس لا يرى أن هناك مخاوف من تأثير هذه الأزمة على تونس ذلك أن وجود الأسلحة تبقى حالات شاذة يمكن السيطرة عليها كما أن تونس نقطة عبور وليست أرض جهاد وأوضح مصدرنا أن الجماعات الاسلامية المتشددة لا بد من محاورتها وثنيها عن العنف بالعلم والعقل فالأرض المغتصبة فقط هي أرض جهاد ويعني فلسطين في حين أن باقي دول الاسلام مفتوح فيها الحوار والعقل والعلم.