الأسئلة عمياء.. ووحدها الأجوبة لا ترى... هذه خلاصة اللقاء، ونحن نستمع إلى قصة الشاب محمد علي قمر أصيل مدينة المهدية، خرجنا لنرى الشارع محاصرا بفلسفة فقدان البصر، والسؤال عن مجتمع هل حقا أضاع البصيرة؟ سؤال مستفز طرحناه بعد الاطلاع على وضعية هذا الشاب الذي كان منذ عشر سنوات خلت يافعا يعمل في قطاع الحلاقة، وذات يوم اعترضه في الشارع خلاف بسيط بين مجموعة من الشباب فحاول فض النزاع، وعندها انهال عليه أحدهم بوابل من اللكمات على مستوى الوجه وسال الدم من عينيه، ومن الغد وجد أن عينه اليمنى فاقدة للبصر تماما، أما اليسرى فإنها ترى ولا ترى، لتُجرى عليه عملية جراحية على مستوى العين اليسرى التي بقيت على حالها، وتحوّل النزاع إلى المحاكم وازدادت حالة محمد علي سوءا إلى أن فقد البصر تماما، وخاصة بعدما أكد الطبيب الشرعي أن فقدانه للبصر ناجم عن مرض السكري، في حين أكد محمد علي أن ضياع بصره كان نتيجة الاعتداء الذي تسبب له في تمزق بشرايين العين. حكاية محمد علي فيها من العجيب والغريب الكثير، والخاسر الأكبر هو هذا الشاب الذي أضاع ألوان الحياة وتواصلت به السنوات على تلك الحال إلى أن وصل إلى تصفية الكلى، وبعدها بترت ساقه، ولم يعد قادرا على السير، وخرج من «لعبة» الحياة مثقلا بأسئلة لم تجد أجوبة، ومحمّلا بالكثير من الأدوية. محمد علي لم يظفر من هذه الحكاية إلا بمجرد منحة إعاقة لا تتجاوز قيمتها المائة دينار، إنها الأقدار هكذا قال.. مائة دينار لا تغطي مصاريف الأدوية.. هكذا حدثتنا أمه الموجوعة، نظر محمد علي إلى أفق بدا مجهولا، لم يطلب شيئا، بل قال أخاف من الحياة بعد أمي التي تعيلني وترعاني، أما أموال الدنيا فلن تعيد ألوان الدنيا، فهل من لفتة كريمة من لدن السلط الجهوية، ومن أصحاب القلوب الرحيمة علّها تكفكف دموع الشاب محمد علي، وتخفف من آلام والدته ومن وجع أسئلتها الحارقة؟