هناك اجماع على أن خطوات التحوير الوزاري كانت بطيئة ولكن هل ساهم جدل التفاوض والتنازل والاشتراط في صنع ثقافة سياسية جديدة تقطع مع ما كان سائدا؟. انطلقت المفاوضات بشأن التحوير الوزاري منذ فترة ومازال التونسيون في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات وبقطع النظر عن مدى قدرته على التخفيض من حدة التوتر وارضاء المواطنين فانه صنع ثقافه سياسية جديدة من حيث التفاوض وتقييم أداء الوزراء وغيرها والتي لم نتعود عليها في السابق.
وبين خالد الكريشي (القيادي في حركة الشعب)أن الأزمة الجارية داخل التحالف الحاكم أثبتت أننا في تونس لم نتوصل بعد الى بناء طبقة سياسية جديدة وطنية تحترم مؤسسات الدولة، فمفاوضات التحوير طغت عليها المصالح الايديولوجية والشخصية والكل تعامل معه على أساس مصالح انتخابية وحزبية ولم يتم تغليب المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة.
واعتبر أنه بقطع النظر عن أهمية التحوير في القطع مع التعيينات السابقة والتأسيس لثقافة سياسية جديدة فان ما يلاحظ أنه بقي أسير المحاصصة الحزبية التي في حضورها غياب السياسة وغياب لرجال الدولة.
تقاليد جديدة رغم الفشل
كما أن التحوير الوزاري فيه اقرار بفشل الترويكا وهو فشل مرده الارتكاز على شرعية الصندوق في حين يفترض أننا في مرحلة ثورية وبالتالي يتعين الارتكاز أيضا على الشرعية الثورية.
من جهته كشف عصام الشابي (القيادي في الحزب الجمهوري) على أهمية طريقة التفاوض والمشاورات في ارساء تقاليد سياسية جديدة والتي هي استحقاق أتت به الثورة التونسية وليس منة وتابع «للأسف طريقة تعاطي الترويكا مع التحوير مست من مكانة السلطة التنفيذية وهيبة الدولة وأصبحنا نلاحظ عملية استجداء لدخول أطراف سياسية مع احترامي لها لا تتمتع بأي وزن والائتلاف الحاكم بدا مثل الغريق الذي يتشبث بقشة للنجاة.
وأكد على أن حركة النهضة لو حرصت على توخي أسلوب مؤسساتي مع الأحزاب وتفاوضت عبر قنوات رسمية ووفق مقتضيات الحوار لأمكن ايجاد حل لكن سلكت طرقا أخرى وخبطت خبط عشواء مما زاد من اضعاف السلطة التنفيذية وهيبة الدولة.
الأستاذ قيس سعيد أفاد أن التحوير الوزاري يمكن أن يصنع بعض التقاليد الجديدة لكن لن يكون له أي تأثير ايجابي وأكد: «ربما تتمكن هذه المشاورات من ارساء ممارسات جديدة لدى القيادات السياسية المعنية في مستوى السلطة والمعارضة وسوف يسجلها التاريخ لكن في المقابل آثارها سلبية في هذه المرحلة بالذات في مستوى ادارة الدولة وفي مستوى الانطباع الحاصل لدى عموم المواطنين.
ففي مستوى ادارة الدولة فان حالة الترقب والانتظار تنعكس سلبا على من يتولى وزارة وهو لا يعلم متى يغادرها,ويترتب أيضا في مستوى الادارات المعنية ترقب ينعكس بالضرورة على الأداء.
أما على صعيد الانطباع الحاصل لدى المواطنين فان السلطة لم تعد تعبر عن انتظاراتهم ولا تعكس ارادتهم بقدر ما تمثل بالنسبة اليهم دائرة يتنافس داخلها البعض, ولا شك أن طول هذه المشاورات وما حصل من انطباع سيكون له التأثير الكبير على نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة».
إطالة اكثر من اللزوم
وأشار الأستاذ قيس سعيد الى أن التحوير الوزاري يذكره بمفاوضات الوضع النهائي في فلسطين التي بدأت منذ أكثر من عقدين ولم تنته والمشاورات حول التحوير في تونس بدأت ولم تنته، وتساءل: «ماذا سيتغير لو تم تغيير وزير بآخر؟ هل أن الأطراف التي تتفاوض اليوم لها برامج مختلفة أم أن الأمر لا يعدو الا مجرد استعداد للأنتخابات القادمة؟». واجابة عن سؤال هل أن التحوير الوزاري كان غطاء لتفعيل الحوار الوطني؟ أكد الاستاذ سعيد ان قضية الحوار الوطني متداولة بشدة داخل المجلس التأسيسي وخارجه وفي مختلف وسائل الاعلام وكل الأطراف تدعو إليه ولكن يجب أن ينبني على ترك التوازنات التي أفرزتها الانتخابات جانبا والتوافق حول خارطة طريق واضحة المعالم ووضع برنامج يعيد الأمل إلى التونسيين.»
تعثر ولكن
اتسمت المفاوضات حول التحوير الوزاري بالتعثر وعدم قدرة الترويكا وخاصة حركة النهضة في اقناع الأحزاب المعارضة في الانضمام اليها ولقد رفض التحالف الديمقراطي والجمهوري والمسار وغيرها مطلب توسيع التحالف.
كما أن المشاورات التي قامت بها الترويكا أدت في بعض الأحيان الى زعزعة استقرار بعض الاحزاب وقد دفع الجمهوري والتحالف الديمقراطي فاتورته بتقديم فتحي التوزري (القيادي في الجمهوري)ومحمد القوماني(القيادي في التحالف) استقالتهما. لكن رغم ذلك التعثر وتلك التبعات الحزبية فتؤكد المؤشرات اننا حيال ممارسة سياسية جديدة فيها الكثير من التفاوض والنقاشات والتقارب بين الاحزاب مما قد يفضي لاحقا الى اعادة الحوار الوطني الى مساره التوافقي بما يضمن حسن إدارة ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية الثانية ويؤهل البلاد لخوض تجربة ديمقراطية ناجحة في المستقبل أي في غضون المواعيد السياسية والانتخابية المنتظرة.