جدل كبير وردود افعال عديدة وتفسيرات مختلفة رافقت اعلان تونس مؤخرا اعتزامها اقتراض 2 فاصل 7 مليار دينار من صندوق النقد الدولي، ما دفع بمحافظ البنك المركزي وبوزير المالية وبممثل عن FMI لعقد لقاء اعلامي توضيحا لما وصفوه بسوء فهم وتأويلات خاطئة. طيلة الاسابيع الماضية، لم يكن من حديث لدى الاوساط الاقتصادية في تونس سوى عن «حكاية» قرض ال2.7 مليار دينار الذي اعلنت الحكومة نيتها اقتراضه من صندوق النقد الدولي (FMI). تعدّدت التفسيرات والتأويلات وكان التفسير الاكثر قتامة وسوادا ذلك الذي قال إن الصندوق المذكور فرض على تونس عدة شروط ليمنحها هذا القرض وان الحكومة وافقت على تلك الشروط، ووصف كثيرون هذه الشروط ب «المؤلمة» للتونسيين في الفترة القادمة.
قرض ائتماني وقائي
قال الشاذلي العياري ان هذا القرض داخل في إطار ما يعرف ب «الاستعداد الائتماني الوقائي»، وهو آلية موجودة بصندوق النقد الدولي منذ 1952 وتستعمله الدول ذات الدخل المتوسط لمجابهة صعوبات اقتصادية طارئة قد تعترضها، وهو من جهة اخرى عبارة عن فرصة يعطيها الصندوق للدول التي تمر بهذه الصعوبات حتى تعيد النهوض من جديد. فان لم تحدث هذه الصعوبات أو الازمات لن يقع استعمال ولو مليم واحد منه، حيث يقع وضعه في الخزينة بصفة احتياطية وليس للدولة حرية التصرف فيه، وهو ما يفرضه الصندوق.
سوء فهم
«هذا ما سيحصل بالنسبة لتونس ولن يكون بدعة خاصة بنا، حيث سيكون قرضا ائتمانيا احتياطيا يضعه الصندوق على ذمة تونس لاستعماله في حالات الأزمات الاقتصادية الكبرى التي قد تحدث في 2013 أو في 2014» يقول الشاذلي العياري.. وبالتالي فان الحديث عن آثار سلبية لهذا الاقتراض في غير محله حسب العياري بل بالعكس سيزيد في حجم الثقة في الاقتصاد التونسي على مستوى الاستثمارات الاجنبية والوطنية. وأضاف العياري ان سوء الفهم والتأويل الخاطئ حصل لدى التونسيين ولدى الملاحظين حول هذا القرض.. فهذا القرض لن يكون له أي تأثير على مديونية تونس ولن يُغرق البلاد في الافراط في التداين كما ذكر البعض.
حافة الانهيار
قال الشاذلي العياري ان تداين تونس الخارجي اليوم يبلغ 43 فاصل 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وانه سيقع التحكم فيه في السنوات القادمة. وحتى في صورة استعمال هذا القرض كاملا ستكون نسبة التداين في حدود 48 بالمائة (علما ان معدل التداين في الدول الاوروبية يبلغ 80 بالمائة من الناتج الداخلي مثلا) وبالتالي لن نصل إلى حافة الانهيار كما توقعه الخبراء عند حصولنا على هذا القرض ولن نصل مثلا إلى نسبة 50 بالمائة، وبالتالي لا داعي للتشاؤم على حد قوله لان الارقام الاقتصادية في تونس اليوم ليست بالكارثية.
واكد العياري أن الحكومة الحالية والسلطات المالية عكس ما يقوله كثيرون حريصة كل الحرص على الحفاظ على الدولة من الغرق في الديون وانها تعمل جاهدة على التحكم في التداين من حيث حجم القروض ومن حيث تكلفتها وأيضا من حيث توجيهها نحو الاستثمار والتنمية لا غير.
محل اجماع
من جهته، ذكر أمين ماتي، ممثل FMI ان الحصول على هذا القرض جاء برغبة من الحكومة التونسية وبالتالي فان القول بانه مفروض من FMI لخدمة مصالحه المالية مجانب للصواب. وأضاف ماتي أن القرض محل توافق من كل الاطراف في البلاد حيث تحادثت بعثة الصندوق في شأنه مع الحكومة ومع المجلس التأسيسي (ممثل الشعب) ومع الاحزاب السياسية ومع مكونات المجتمع المدني ومع اتحاد الشغل واتحاد الاعراف وتم توضيح كل التفاصيل والجزئيات حول هذا القرض وفهمها الجميع ولم يمانعوا. فضلا عن ان هذا القرض يأتي كسند وكدعامة للبرنامج الاقتصادي للحكومة الذي قدمته في اوت الماضي للمجلس التاسيسي ووافق عليه لانه دون هذا القرض قد يصعب على الحكومة تنفيذ برنامجها هذا.
في جوهر برنامج الحكومة
قال الياس الفخفاخ وزير المالية ان الحصول على هذا القرض لن يؤدي إلى إعادة تجربة «مخطط الاصلاح هيكلي» (PAS) الذي اقرته الحكومة سنة 1986 وفرضه صندوق الدولي بعد أن بلغت الدولة حالة الافلاس، ويصفه البعض بانه كان تجربة مرة لتونس.من ذلك مثلا ان الصندوق فرض على تونس آنذاك التقليص ب40 بالمائة من حجم الاجور العمومية إلى غير ذلك.. فهذا لن يتكرر اليوم.
واضاف أن البرنامج الاقتصادي للحكومة كان سابقا لطلب الحصول على هذا القرض وبالتالي فان صندوق النقد الدولي لم يتدخل في هذا البرنامج الاصلاحي الاقتصادي، والقرض كان بطلب من تونس ولم يفرضه الصندوق، وكل ما في الامر هو انه سيسهل على الحكومة مهمة تنفيذ برنامجها بما فيه من اصلاحات، اهمها الاصلاح المالي والجبائي والبنكي والنقدي وتحسين مناخ الاعمال والقضاء على البطالة وعلى التفاوت الجهوي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
FMI متفهم.. ولن يغرقنا في الديون قال الياس الفخفاخ ان الوضع المالي اليوم في تونس استثنائي ويدفع بقوة نحو التداين ونحو الاصلاح لذلك لا مفر من هذا القرض الائتماني خاصة لما نعلم ان الطلبات الاضافية على ميزانية الدولة في ارتفاع بسبب زيادة نفقات الاجور العمومية مثلا ب 50 بالمائة مقارنة ب 2010 وارتفاع نفقات الدعم ب 300 بالمائة مقابل استقرار الموارد. وقال ان FMI متفهم جدا لوضع البلاد وانه لا يمكن ان نتصور أنه سيزيد في اغراقنا بما ان مهمته الاساسية هي انقاذ الدول من الانهيار والوقوف إلى جانبها في الازمات وليس العكس.