«الأحرار لا يخافون من الحرية ...المستعبدون وحدهم هم الذين يخافون منها»«...كلمات أدونيس تختزل هذه اللحظة الحزينة والمرعبة في تاريخ تونس فالذين قتلوا شكري بلعيد لا يمكن أن يكونوا إلا مستعبدين لايديولوجيا أو فكرة قاتلة لا تحمل مشروعا حضاريا أو تقبل بالاخر وبالتالي لا يمكن ان تتواجد في سياق المرحلة السياسية الراهنة . دعونا نذكر الجميع بأن الحرب الدموية في الجزائر ولدت من رحم الأزمة السياسية ودعونا نذكر كذلك بتلك الحقيقة البديهية التي تقول أن الشعوب تنتهي في الأخير إلى كنس قتلة أبنائها طال الزمان أو قصر وبالتالي من قتل شكري بلعيد أيا كان لونه أو إنتماؤه سوف يحاسبه ضمير الشعب قبل العدالة القانونية والالهية وسوف ينتهي إلى مزبلة التاريخ.
الذين قتلوا شكري بلعيد أو إغتالوه ليسوا سوى اداة لإيديولوجيا مخاتلة تفعل عكس ما تقول وتضمر عكس ما تبدي ولهذا تنطبق عليهم مقولة الاستعباد كما في عبارة أدونيس فهم الوسيلة وليسوا العقل المدبر وهم الالة وليس الفكرة ...هم نقيض الحرية وهم خطر على أنفسهم و على جزء من جماعتهم ..عيبه (أي هذا الجزء) في نظرهم أنه يحمل روح أبي ذر الغفاري في انحيازه لفقراء الامة وفي حلمه وتسامحه.
بهذا المعنى تماهى شكري بلعيد مع هؤلاء الغفاريين عندما وقف قبل الثورة إلى جانب السلفيين المظلومين و المعتقلين في قضايا الإرهاب في مواجهة محاكم بن علي وعندما حارب التهميش والتفقير والاستبداد ولعل بعض وزراء الترويكا الحاكمة يتذكرون جانبا من مآثر هذا الرجل في سنوات الجمر عندما كانت ساحات الكليات تجمعهم من الحقوق مرورا بكلية العلوم والساحة الحمراء في 9 أفريل .
ساحات الجامعات وحدت بين شكري بلعيد والعجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني وعبد اللطيف المكي وأجيال من المناضلين الإسلاميين واليساريين الذين لم تفرق بينهم «الماتراك» وسجون الديكتاتورية وجمعهم الحلم بالحرية وبينما قاد بلعيد ورفاقه المعركة حتى النهاية كان الاخرون يقطفون ثمار هذه اللحظة التاريخية. إن اغتيال شكري بلعيد هو طعنة لرفاق الساحات من اليمين واليسار ...طعنة لمن سكت عندما كان شكري بلعيد يخون ويكفر ويتهم بإثارة الفوضى والأزمات من قفصة إلى سليانة وعندما كان بعض الأيمة يهدرون دمه علنا أمام نظر وسمع الداخلية.
مهما قلنا عن فداحة المصاب وشناعة الجريمة التي حدثت فإن المؤكد أننا أمام مرحلة شديدة الخطورة في تاريخ بلدنا ستتكشف ملامحها تدريجيا على مر الايام ودعونا نذكر أصحاب القرار بأن الذي قتل شكري بلعيد ليس فقط الرصاصات الإجرامية التي أطلقت عليه بل أيضا ديمقراطيتهم التي تستند إلى منطق الاستحواذ وتكريس هيمنة الجماعة على حساب مصلحة الامة ...الذي قتل شكري بلعيد هو ذلك البيان الغريب الذي إعتبر قتلة لطفي نقض مناضلين من الرعيل الأول. تونس في مفترق الطرق .....لا تعيدوها رجاء إلى غياهب الخوف والديكتاتورية.