دويلعة, قرية كغيرها من القرى المسيحية السورية التي اختارت النأي بالنفس عن المشهد السوري المثقل بالسلاح والقتال والدماء.. هي الاستثناء في الفسيفسائية السورية المضطربة, هنا الهدوء والتعايش الاجتماعي... إلى حين... هنا لا يزال الصليب واقفا ولا تزال الكنائس منتصبة ولا تزال معها المقابر تحفظ أسماء الأجداد والأحفاد والآباء ولا يزال الرهبان والمطارنة والقساوسة يؤدون الصلاة ويعمدون الأطفال وينشدون أنشدوة الخلاص المسيحي.
هنا في قرية الدويلعة, المتاخمة لباب تومة والمجاورة لدمشق العتيقة, يجمع كل زائريها أنها استثناء نموذجي في المشهد السوري حيث أنها لم تستجلب مفاصل التجاذب الطائفي المنسحب على كافة قرى التماس المسيحي الإسلامي في بلاد الشام, ولم تستقطب أيضا خطاب الطائفية المقيت ولا حديث التكفير الهالك المتهالك. بقيت قرية الدويلعة على سجيتها, فلا نزوح من أرض الأجداد ولا هروب من تراب الوطن حتى وإن كان تأثرها الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي بالأزمة السورية تأثرا واضحا وجليا.
لا يزال ناقوس الصلاة يدق في الدويلعة, ولا تزال معه الدعوات تقرأ والأذكار تتلى والتسابيح ترتل والأناجيل تجود...
منذ دخولك إلى قرية الدويلعة وعيناك تفتش وتحاول عبثا رصد حاجز عسكري أو مظهر مسلح أو رتل دوشكا متمركز داخل أحيائها.. عبثا تواصل المحاولة وعبثا أيضا تسعى إلى تتبع ترسبات أزمة السلاح والقتال في سوريا داخل أحياء القرية التي نجحت إلى حد اللحظة في تحييد نفسها عن كافة أطراف الأزمة السورية.
حالة الهدوء الميدانية والاستثنائية التي تنعم بها قرية القويلعة وسياسة النأي بالنفس غير المعلنة التي تعتمدها القرية لا تحول دون صخب سياسي بين أبناء القرية حول الأزمة السورية وحول استحقاقات اللحظة وإزاء الموقف الذي يتبناه معظم المسيحيين في سوريا والذي تعتبره المعارضة السورية المسلحة تأييدا للنظام السوري ووقوفا في وجه ثورتها ... أو هكذا تسميها على الأقل. نقاش قوامه ثلاثة أطراف رئيسية , طرف مؤيد للنظام ولايرى في الحراك الاحتجاجي سوى مطالب اجتماعية محقة قفزت فوقها القوى الإقليمية والدولية مما يعني أن على المسيحيين أن يدكوا حجم المخطط الذي يستهدف الدولة التي لم تكن في يوم طائفية, وطرف ثان يرى أن الانتفاضة كانت سلمية في بدايتها أي في شهورها الأولى قبل أن تسيطر عليها القوى الإسلامية المتطرفة التي لا تؤمن بحقوق الأقليات ولا حتى بحق وجود الآخر, وطرف ثالث يعتبر أن البديل مهما كان سيئا فهو أقل سوءا من الموجود ولا يجب على المسيحيين أن يكونوا جزءا من نظام هو زائل لا محالة... أو هكذا يرى أصحاب هذا الطرح الثالث.
بين هذه المقاربات الثلاث تتصاعد الأصوات وتعلو نبرة الحوار وقبل أن يعود الحوار إلى نقطته الأولى يسلم الكل وبلا استثناء أنه لولا أحداث مارس 2011 لما استطاعوا أن يتحدثوا بهذا السقف العالي ولما تمكنوا من تحويل حديث السياسة إلى حديث مقاه وبيوت... بلا محرمات ولا خطوط حمراء ولا مؤاخذات..
أخبار المسيحيين في المحافظات المشتعلة مثل حمص وحلب وحماه وأنباء تعرضهم أو تعرض الكنائس ودور العبادة إلى الحرق والنهب من طرف بعض أطراف المعارضة المسلحة تجعلهم على فوهة بركان سياسي ملتهب, فلا المعارضة بشقيها السياسي والميداني نجحت في بلورة بديل سياسي مدني قادر على تأمين حقوق الأقليات وضمان استقرارهم وحقوقهم صلب دولة مدنية ولا الحالة السياسية والعسكرية الراهنة قادرة على ضمان بقاء المسيحيين في حالة النأي بالنفس... التي أمنت للقرى المسيحية قدرا من الهدوء والاستقرار يصعب وجودها في مكان آخر من التراب السوري عامة وفي العاصمة الشامية تحديدا.
يخشى المسيحيون السيناريو الفلسطيني الذي فشل في ضمان ديمومة واستمرار حالة النأي بالنفس عن المشهد السوري فانخرطت بذلك المخيمات في حالة الاحتراب وتحول الفلسطينيون إلى نازحين ومشردين من مخيمات اللجوء ...
صحيح أن الحالة المسيحية مختلفة عن الحالة الفلسطينية لعدة اعتبارات يطول شرحها وتفصيلها ولكن توريط الجسد المسيحي في أتون الأزمة السياسية السورية من خلال سلوك سياسي أو ميداني غير مدروس قد يكون غير مستبعد في ظل الاحتقان السياسي القائم في بلاد الشام.
يقول الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي في حديث ل«الشروق» إن مشكلة الثورة السورية حسب تعبيره أنها تطيفت وتسلحت وبالتالي فهي فقدت ركنين أساسيين من أركانها, الأول فقدت أجزاء كبيرة من المتمسكين بالخط السلمي للحراك وفقدت أيضا كل رافض او متحفظ على الطائفية السياسية والدينية التي تعني بناء وطن أعرج لا يشارك كل أبنائه في نحت حاضره ومستقبله.
يقترب الاحتراب من بوابات قرية القويلعة التي لم تشهد كثيرا من المظاهرات الاحتجاجية خلال الفترة الأولى من بداية الحراك الاحتجاجي ومع اقتراب جلجلة رصاصه وأزيز نيران مدفعيته يوضع أكثر من سؤال ويوضع أكثر من استفسار ويوضع أكثر من سيناريو لقرية القويلعة ما بعد سياسة النأي بالنفس...
المسيحيون في سوريا
مسيحيو سوريا أو المسيحيون السوريون هم المواطنون السوريون الذين يحملون الجنسية السورية ويتبعون الدين المسيحي، يشكلون 10% من مجموع السكان حسب غالبية التقديرات. في حين تقول المصادر الرسمية ان نسبة المسيحيين في سوريا تناهز 8% . تختلف الكثافة المسيحيّة حسب المناطق السوريّة فبينما تصل إلى 20% في منطقة الجزيرة الفراتية و10% في حلب والمنطقة الساحليّة 15%، تنخفض إلى 5% في كل من دمشق ومنطقة سهل الغاب في حماة.
الطائفة التعداد روم أرثوذكس 545250 نسمة أرمن أرثوذكس 342123 نسمة روم كاثوليك 180372 نسمة سريان أرثوذكس 166029 نسمة سريان كاثوليك 62148 نسمة أرمن كاثوليك 61911 نسمة موارنة 57873 نسمة بروتستانت 37605 أشوريون 35280 نسمة لاتين 21237 نسمة كلدان كاثوليك 17169 نسمة المجموع 1526997
الحلقة المقبلة حوار شامل مع المناضل السياسي السوري والخبير الاقتصادي د. عارف دليلة