المتأمل في مواقف حمادي الجبالي رئيس الحكومة والامين العام لحركة النهضة يهتدي الى القول بأنّ الرجل يخوض أعنف معاركه السياسيّة في الخروج العلني عن قواعد الانضباط الذي تربّى عليه في التنظيم. بل إنّه يمكن القول إن الجبالي يخوض آخر معاركه السياسيّة بإعلانه عدم الترشّح في الانتخابات القادمة في الوقت الذي يبدو وكأنه اختار فيه مواجهة حزبه بإعلانه تشكيل حكومة تكنوقراط دون العودة للحزب.
الجبالي ينتفض
لم يتردّد رئيس الحكومة في الإعلان صراحة يوم 26 جانفي الماضي بأنه يعمل وسط أجواء غير ملائمة مؤكدا أنه لن يستمر في مثل هذه الاوضاع وأنه سيتوجه للتأسيسي لعرض تشكيلة سترافقه فيما تبقى من هذه المرحلة.
كما لم يتردّد حمادي الجبالي صباح اغتيال شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد الاربعاء الماضي في استباق التحقيقات والاعلان صراحة بان عملية الاغتيال سياسية وبانه قرر تشكيل حكومة تكنوقراط لمرافقته الى حين تنظيم الانتخابات.
اعلان 6 فيفري 2013 لم يرق ل«إخوان» الجبالي في حركة النهضة فصدرت تصريحات عن قيادات نهضوية على غرار الصادق شورو وحبيب اللوز وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم تؤكد رفض الحركة للتكنوقراط ودعوتهم لحكومة سياسية.
وجاء الرد الرسمي من الحركة بعد اعلان المكتب التنفيذي، على لسان فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى، صباح أمس الاثنين عدم موافقته على مقترح حمادي الجبالي القاضي بتشكيل حكومة تكنوقراط ودعوته لتشكيل حكومة ائتلاف.
حمادي الجبالي حضر اجتماع المكتب التنفيذي الذي حضره أعضاء مجلس الشورى وقدّم مقترحه ودافع عنه بحسب مصادر «الشروق» وفسّر للمجتمعين وجهة نظره القائلة بأن الترويكا لا يمكنها الاستمرار في قيادة ما تبقى من هذه المرحلة فهي عاجزة عن تنفيذ برنامج الحكومة. وكان ردّ «إخوانه» في الاجتماع هو رفض المقترح على اعتبار ان حكومة التكنوقراط ستكون أضعف من الحكومة الحالية. وذكرت مصادرنا أن حمادي الجبالي الامين العام للحركة أوحى للمجتمعين بإمكانية تغيير المعادلة بمعنى إمكانيّة تعديل وجهة نظره.
فهل يتراجع حمّادي الجبالي عن موقفه؟ هذا السيناريو يمكن القول إنه مستبعد لأنّ تغيير الموقف يعني عدم التزام بوعد وهذا سيمسّ بالضرورة من مصداقيّة حمادي الجبالي رئيس الحكومة الذي تابع التونسيون اعلانه تشكيل حكومة تكنوقراط مساء 6 فيفري بنسبة مشاهدة قياسيّة وبالتالي سيكون حمادي في موقف حرج تجاه مدى التزامه بهذا القرار.
الاحتمالات
في حال عدم تعديل موقفه أي تمسّكه بتشكيل حكومة كفاءات وطنيّة بعيدة عن كل التجاذبات السياسيّة يواجه حمادي الجبالي سيناريوهات أخرى عديدة لكن أغلبها يصب في مصلحة الرجل ويخرجه من ثوب رئيس حركة الى ثوب زعيم وطني في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ تونس.
بالرغم من عدم نيّة حمادي الجبالي الرجوع الى المجلس التأسيسي لعرض مقترحه القاضي بتشكيل حكومة جديدة والالتزام بإجراء تعديل وزاري مع الابقاء على وزير واحد مع سلامة موقفه القانوني إلاّ أنّ بعض المحللين يرون في إمكانيّة العودة للتأسيسي أمرا واردا وضروريا على اعتبار ان التحوير الجزئي مثل تعيين الياس الفخفاخ وزيرا للمالية او تعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي تمّ بالتصويت تحت قبّة التأسيسي.
وفي حال عودته للتأسيسي تظلّ كل الاحتمالات واردة: السيناريو الأول:
تشكّل أغلبيّة جديدة داخل التأسيسي إمكانيّة واردة ستضم أطرافا جديدة كما من الممكن أن تضم من ينتمون الى الائتلاف الحالي وقد تنضم كتل أخرى. هذه الأغلبيّة من شأنها دعم مقترح الجبالي وتزكيته بالمصادقة عليه.
السيناريو الثاني:
محافظة الاغلبية على مكانتها ممكنة أيضا وفي مثل هذه الحالة يمكن إسقاط مبادرة حمادي الجبالي.
السيناريو الثالث:
تشكّل أغلبيّة جديدة يمكنها أن تسحب الثقة من رئيس الحكومة حمادي الجبالي ثم انهيارها بسرعة لانسحاب طرف فيها في وقت وجيز. وبالتالي كل السيناريوهات تظل رهينة مواقف نوّاب التأسيسي. وتبقى استقالة الجبالي واردة تماما كما تبقى إمكانية سحب الثقة منه واردة، طبعا في حالة التوجه للتأسيسي، وبالتالي يدعو رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي شخصا آخر من الحزب الأغلبي لتشكيل حكومة جديدة قد تكون حكومة ائتلاف كما يدعو لذلك حزبي النهضة والمؤتمر.
ويشير استاذ القانون الدستوري قيس سعيد الى أن كل الاحتمالات واردة لكن كيف ستنفّذ ومتى هذا من الصعب التكهن به واصفا الوضع الحالي بالمأزق الحقيقي من خلال الاصرار على نفس المواقف.
هل ينقلب الجبالي الى «أردوغان» النهضة؟
سياسيّا، يبدو أنّ حمّادي الجبالي –طبعا إن لم يعدّل من موقفه – على دراية بأنّ التمسّك بتشكيل حكومة تكنوقراط والمضي فيه بالرغم من عدم موافقة الحزب الام، حركة النهضة، يعني الزج بأنصار الرافضين لموقفه في الشوارع للتظاهر دعما للشرعيّة واعتبار موقف أمين عام الحركة انقلابا ابيض على الحزب. وكان حبيب اللوز قد دعا الى «مليونيّة» يوم الجمعة القادم لدعم الشرعيّة.
كما لمّح حمادي الجبالي مرّات عديدة الى أن الجيش الوطني سيحمي الثورة. فهل يتصدّى الجيش للمتظاهرين؟ هذا الامر يعيد للأذهان سيناريو «الجزأرة» كما يُسمَّى بذلك السيناريو الجزائري. أم أنّ هذه الدراية المسبقة وهذه التلميحات ستكرّر السيناريو التركي في تونس؟.
فرجب طيب أردوغان- وبعد محاكمته عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية وحرمانه من الوظائف الحكومية ومنها الترشح للانتخابات بعد اقتباسه لأبيات شعر تركية في خطاب جماهيري تقول «مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا»- أدرك أنه يسير في الطريق الخاطئ فانقلب على أستاذه زعيم حزب الفضيلة نجم الدين أربكان وأسس حزب العدالة والتنمية عام 2001 ودفع عن نفسه شبهة الصلة الايديولوجية بحزب أربكان وتياره الاسلامي الذي أغضب العلمانيين. فهل تفتح مبادرة الجبالي أبواب تونس على السيناريو الجزائري أم السيناريو التركي؟ أم سيكون لتونس سيناريو خاصا بها؟.