عرفت تونس منذ القرن السادس عشر توافد عدد من الرحالة والمستشرقين الذين كتبوا يومياتهم ومشاهداتهم وقد مثلت هذه الكتب والوثائق مراجع أساسية في فهم تحولات المجتمع التونسي من هذه الرحلات رحلة هنري دونانً «مذكرة عن إيالة تونس» ( 1856 1857) التي حققها وترجمها الدكتور محمد العربي السنوسي. ويذكر الدكتور السنوسي ان اهتمام الغرب بالمغرب العربي تزايد بعد احتلال الجزائر سنة 1830إذ اصبحت الرحلات مقدمة لاكتشاف المناطق المزمع السيطرة عليها واهتمت بعض هذه الرحلات بتلميع صورة الاستعمار عبر التأكيد على ان الهدف الاساسي للاستعمار هو تخليص الشعوب من الفقر والتخلف والأوبئة.
هذه الرحلة جاءت قبل صدور عهد الأمان وقد صدرت هذه المذكرة في طبعة اولى سنة 1857 وفي طبعة ثانية في السنة الموالية ونشرتها الشركة التونسية للتوزيع سنة 1974وصدرت في سويسرا سنة 1996 وقد اعتمد المحقق والمترجم الطبعة الاولى من الرحلة ويقول الدكتور السنوسي مفسرا اسباب ترجمته لهذه الرحلة «ان اهمية هذه المذكرة هي التي دفعتنا الى ترجمتها لانها تحتوي على معلومات تاريخية هامة لمعرفة المسار الذي عاشته البلاد التونسية في منتصف القرن التاسع عشر مع العلم ان هنري دونانً لم يقتصر على تدوين ما شاهده فحسب بل يظهر انه درس العديد من المؤلفات الخاصة بتاريخ البلاد التونسية».
تفاصيل
هذا الكتاب يمثل وثيقة نادرة عن الحياة اليومية في تونس وعن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني الى جانب المعطيات المناخية والجغرافية وحتى الدينية إذ اهتم بعادات المسلمين واليهود والحضور الاوروبي في تونس كما اهتم ببعض المدن والمعالم والمواقع التونسية مثل حلق الوادي وكنيسة القديس لويس واوذنة وغار الملح وغير ذلك من المدن مثل باجة وتستور والكاف وسبيطلة ونفطة وتوزر وقبلي وقراها مثل المنصورة ودوز التي لا يذكرها بالاسم لكنه يشير اليها «ببلد الأيل والغزال والسلوقي وهو نوع من الكلاب الجميلة».
الكتاب ينقسم الى مجموعة من الفصول وهي ملخص تاريخي (تاريخ تونس) مدينة تونس البلاط الحكم وإقامة العدل الجيش والبحرية والضرائب المناخ والمنتجات الصناعية والتجارة مدن ومواقع مختلفة من الإيالة الديانة والآداب السنة الاسلامية الرق حول الأندلسيين والعرب والجبالية او القبائلية عادات وتطيريهود تونس المجتمع والسكان الأوروبيون.
وهنري دونان (1828 1910) زار تونس قادما من الجزائر التي عمل فيها ثلاث سنوات، ويعتبر محقق هذه الرحلة ومترجمها محمد العربي السنوسي كانت على غاية كبيرة من الدقة والنزاهة واذا كان عدد من المؤرخين التونسيين اهتموا بترجمة الرحلات والوثائق العسكرية والانتروبولوجية الفرنسية فان هناك عددا آخر من الرحالة كتبوا بلغات اخرى وخاصة الإيطاليين والاسبان مازالت رحلاتهم لم تترجم.