قلّل ملاحظون وخبراء في الشأن السياسي والإداري من فرضيات نجاح حكومة التكنوقراط التي يعتزم حمادي الجبالي إحداثها في تغيير وجه البلاد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي خلال ما بقي من المرحلة الانتقالية. وذكروا أن السبب في ذلك يعود إلى «احتلال» المفاصل الهامة في الإدارة من قبل مسؤولين وإطارات عليا وسامية محسوبة على حركة النهضة ومتهمة بالموالاة التامة لها. وطيلة العام المنقضي وجه ملاحظون وحقوقيون وسياسيون من شق المعارضة اتهامات عديدة لحكومة الترويكا وخاصة لحركة النهضة بالإقدام على «موجة من التعيينات المشبوهة» صلب المفاصل الأساسية للإدارة وقالوا أن هذه الموجة تواصلت إلى حدود الأسابيع الأخيرة وهدفت بالخصوص إلى تعيين موالين للأحزاب الحاكمة خاصة لحزب النهضة في وظائف وخطط حساسة وهامة .
وقدم هؤلاء كدليل قوائم التعيينات العديدة والمتنوعة التي يقع نشرها على أعمدة الرائد الرسمي للجمهورية التونسية حيث لا يكاد يخلو أي عدد منه (يصدر مرتين في الأسبوع) من قائمة مطولة لعديد التسميات والتعيينات بمختلف الوزارات ، إما عبر أوامر من رئيس الحكومة أو عبر قرارات من الوزراء أو عبر قرارات جمهورية يصدرها رئيس الدولة. ورغم أن المبادئ العامة للعمل الإداري المعمول بها في شتى دول العالم تؤكد أن العاملين في الإدارة يجب أن يكونوا محايدين في عملهم، إلا أن ذلك يبدو غير مضمون اليوم بالنسبة لجانب كبير من الإدارة التونسية، في ظل ما اتهمت به الحكومة الحالية والحزب الحاكم من إصرار على «تحزيب وتسييس» الإدارة طيلة العام الماضي ، على حد قولهم .
وبالتالي فانه من الصعب في رأيهم الحديث عن أي دور لوزراء تكنوقراط في تغيير وجه الأداء الحكومي والإداري خلال الفترة القادمة. وفي السياق ذاته، يرى كثيرون أن الوزير يبقى في حالات كثيرة محدود المهام و ليست له سلطة حقيقية في اتخاذ القرار وفي توجيه العمل الإداري المباشر مقارنة بالمسؤولين الإداريين الذين يباشرون العمل اليومي والميداني ويشرفون على اتخاذ القرارات المصيرية وعلى تنفيذها وفق ما يسمح لهم به القانون.
وفي ظل هذه الوضعية الصعبة يبقى السؤال المطروح هو المتعلق بالكيفية التي سيقع من خلالها التواصل بين وزراء مستقلين وتكنوقراط من جهة وبين مسؤولين إداريين قد يحكمهم «التحزب» في عملهم؟ والخوف كل الخوف أن ينتج عن ذلك خلل في عمل بعض الإدارات يتضرر منه المواطن والمصلحة العامة للبلاد إذا ما أصر كل طرف منهما على التمسك بموقف أو بقرار.