رغم رفع تونس لشعار الحرية الا خلال الثورة، إلا أن الواقع اليوم متهم بانتهاك الحريات، وسعي للجم جماحها الثائر بتعلات مختلفة ونبهت جهات حقوقية واعلامية مختلفة في تونس من تهديد الحريات في البلاد. ومحاولة قمعها والتراجع خطوات الى الوراء وارساء دكتاتورية جديدة. واعتبر عدد من الأصوات ان اغتيال الشهيد شكري بلعيد كان محاولة من بعض الأطراف لإسكات الأصوات الحرة و«التخويف» والارهاب من ابداء الرأي والاختلاف في فترة ما بعد الثورة.
وكانت أصوات مناضلة من أجل الحرية مثل السيدة سهام بن سدرين وأم زياد قد اعتبرتا ان خروج الشعب التونسي في جنازة شكري بلعيد هو شكل من أشكال التصدي لمن يحاول اغتيال الحرية، واسكات ما يناضل من أجله التونسيون.
كانت منظمة العفو الدولية قد نبهت منذ أشهر الى تراجع الحريات في تونس سنة بعد اجراء أول انتخابات حرة ونزيهة. واعتبرت المنظمة ان الاصلاحات التي قامت بها الحكومة غير كافية، وان هناك مخاطر تهدد بتراجع الحريات وحقوق الانسان التي تعتبر أهم مكسب من مكاسب الثورة التونسية كما لاحظت المنظمة تراجعا في حرية التعبير والصحافة والابداع الفني.
من جهة أخرى، ربطت أطراف حقوقية وخبراء بين تصاعد العنف وتهديد الحريات لاسيما من مجموعة من السلفيين ومن لاحظوا خطورة الوضع ونبّهوا من التطرف يمينا او يسارا وتهديده للحرية.
وتمت ملاحظة تصاعد العنف المسلط على الاعلاميين والمبدعين والسياسيين والأمنيين. وتساءلت أطراف حقوقية حول أسباب عدم سن اي قانون يدعم الحريات ويحافظ عليها في تونس الى اليوم.
حرية وأمن
تحدّث الأستاذ عبد الستار بن موسى (رئيس رابطة حقوق الانسان) عن ان الحريات مهددة في تونس بسبب العنف. ودعا الى مؤتمر وطني لمقاومة العنف. وأضاف بأنه صحيح ان أكبر مكسب للثورة هو حرية التعبير رغم ما وقع ادراجه بالتصنيفات العالمية فهي تبقى مكسبا. لكنه بيّن في المقابل ان الاشكال يبقى دائما في عدم تنفيذ المراسيم في مجال الاعلام وعدم وجود هيئة تعديلية للإعلام السمعي البصري. ولاحظ الاتجاه الى قوانين أخرى والضغط على الاعلام والاعلاميين.
وأكد السيد عبد الستار بن موسى على أهمية توفير الأمن كضامن للحريات في البلاد. وأشار الى ضرورة تطبيق القانون، وأنه لابد أن يكون تطبيق القانون وفرضه بيد الدولة وحدها لا أي فرد آخر او مؤسسة أخرى... فالعنف الشرعي هو بيد السلطة التنفيذية وحدها والتي يجب أن تعمل حسب القانون.
شبح العنف
لاحظ رئيس رابطة حقوق الانسان ان الحريات تتقلص في مناخ يسوده العنف وتكثر فيه الاعتصامات مع وجود جماعات تنادي بالعنف والاغتيالات. وقال: «بكل تأكيد الحريات تتقلص في مناخ يسوده العنف».
وأضاف أن ما يحدث يستدعي القيام بتنظيم مؤتمر وطني من أجل مناهضة العنف والقيام بميثاق وطني يناهض العنف فلا يمكن للحرية أن تنمو وتفرض وجودها إلا في مناخ يرفض الحث على الكراهية والعنف وإلغاء وقمع صوت الآخر.
من جهة أخرى قال السيد عبد الستار بن موسى ان الثورة قد جلبت الحرية لكن الحرية في حاجة الى مناخ سليم توفره الشرعية الانتخابية بعد الثورة، وانه من المهم الوصول الي شرعية توافقية خلال المرحلة القادمة وانه على المرحلة القادمة أن تحدّ من تراجع الحريات.
مسودة الدستور
حول ما يصدر من اتهامات لمحاولة تكريس مسودة الدستور لثغرات تضمن تحكم السلطة التنفيذية، قال السيد عبد الستار بن موسى إن مسودة الدستور حاليا لا تضمن الحريات وحقوق الانسان وإن هذه المسودة سترجعنا الى السلطة التنفيذية التي تتحكّم في الحريات.
وتخوف من فتح بعض الفصول الباب للاجتهادات وهو ما سيفتح المجال أمام إمكانية استغلال ذلك والعودة الى ما كنّا عليه. ولاحظ أننا في مرحلة انتقالية وأن هناك قانون الأحزاب وغيره، لكن الاشكال هو في عدم تنفيذ هذه القوانين والقوانين الموجودة عموما والضامنة للحرية. وأكد على ضرورة تطبيق مجموعة من القوانين الكونية التي هي أساسية مع ضرورة تفعيل القوانين الضامنة للحريات في تونس.
أما في ما يتعلق بسعي بعض الجماعات الى كبح الحريات السياسية أو الخاصة من خلال التشهير واستعمال الحياة الخاصة، فنادى السيد عبد الستار بن موسى بضرورة تفعيل قانون حماية المعطيات الشخصية.
من جهة أخرى، لاحظ مركز تونس لحماية الصحافة تكرّر الاعتداءات على الصحفيين ومحاولات تضييق حرية الرأي والتعبير. ولاحظ أيضا كثرة القضايا والتهم والاستدعاءات بعد الثورة. وحذّر مركز تونس لحرية الصحافة من مغبة استعمال القضاء لتصفية الحسابات مع الصحفيين خاصة بعد استعجال استدعاء الصحفي زياد الهاني للتحقيق، وتمّت ملاحظة وجود خرق للترتيبات القانونية في ذلك كما تمّ تداول لائحة بصحفيين وحقوقيين مهدّدين بالاغتيال.