وصف محمد صالح بن عيسى ، الخبير في القانون الإداري والكاتب العام الأسبق للحكومة ، مسألة تحييد وزارات السيادة ب«الضحك على الذقون» ما لم تتوفر فيها عديد الشروط الاخرى . «لا معنى لتحييد وزارات السيادة ما دام رئيس الحكومة سيكون تابعا للحزب الحاكم وما لم توجد قناعة لدى حزب الاغلبية بإبعاد هذه الوزرات ( الداخلية والخارجية والعدل ) بصورة فعلية عن التجاذبات السياسية وما لم تكن الإدارة محايدة . ذلك ما ذكره أستاذ القانون الإداري والكاتب العام الاسبق للحكومة محمد صالح بن عيسى في تصريح ل«الشروق» . ويجري منذ أيام جدل كبير بين الفاعلين السياسيين حول مسألة تحييد وزارات السيادة .
بلا فائدة
أفاد محمد صالح بن عيسى أن الوزير يبقى في كل الحالات خاضعا لسلطة رئيس الحكومة ولا يمكنه أن يخالفه الرأي أبدا. وبما أن حزب الأغلبية اليوم في تونس مصرا على أن رئيس الحكومة يجب أن يكون تابعا له ، فانه لا يمكن أن نتصور وزير العدل أو الداخلية أو الخارجية ، مهما كانت درجة حياديته واستقلاليته ، « يلوي العصا» في يد رئيسه ( أي رئيس الحكومة ). حيث ستكون السياسة المتبعة على مستوى كامل الحكومة واحدة وهي سياسة الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة .
الداخلية على وجه الخصوص تجدرالإشارة إلى أن عديد الملاحظين علقوا يوم امس على تعيين علي العريض رئيسا للحكومة بالقول أن ذلك يندرج في إطار سعي الحزب الحاكم ( النهضة ) لمواصلة السيطرة على وزارة الداخلية . فمهما كان الشخص الذي سيقع تعيينه على رأس وزارة الداخلية فانه لن يخرج عن طاعة رئيس حكومته علي العريض .
يذكر ان عديد الملاحظين يرون أن وزارة الداخلية هي بمثابة الخط الاحمر بالنسبة لحركة النهضة ومن المستحيل أن تسلم قيادتها إلى طرف آخر خارج عن سيطرتها ، وذلك لأسباب عديدة .
شرط الوزير
حسب الاستاذ بن عيسى ، ستصبح مسألة تحييد وزارات السيادة الثلاثة بمثابة « الضحك على الذقون» إذا ما كان تعيين الوزير المحايد مسألة صورية وشكلية فقط في حين يكون عمله متناغما مع توجهات حزب الأغلبية .
و قال بن عيسى إنه لتجاوز هذه الأزمة ، وبما أنه من الصعب أن نتصور اليوم في تونس رئيس حكومة محايد ومستقل ، فان الحل يكمن في أن يشترط الوزير «المحايد» قبل تعيينه أن يمارس مهامه بكل حيادية واستقلالية بشكل فعلي . أما إذا قبل من اليوم الأول بأن تعيينه صوري وبأنه مطالب بالرضوخ لتعليمات رئيسه ( رئيس الحكومة الذي لن يكون محايدا ) فان التحييد والاستقلالية تصبح غير ذات معنى في هذه الحالة .
من فوق ..ومن تحت
على صعيد آخر حذر محمد صالح بن عيسى من اشكال ثان على غاية من الاهمية وهو المتعلق ب«موجة» التعيينات والتسميات المشبوهة التي تمت طوال العام الماضي صلب المفاصل الهامة والأساسية بالإدارة وشملت وزارات العدل والداخلية والخارجية . فإذا صح أن هذه التسميات والتعيينات قد تمت فعلا على أساس المحاصصة الحزبية ، فان الوزير الذي سيقع تعيينه ( الوزير المحايد والمستقل ) سيجد صعوبات كبرى في إدارة شؤون وزارته بكل حيادية إذا ما كان مئات المسؤولين والموظفين الإداريين العاملين معه غير محايدين . حيث ستصبح حياديته واستقلاليته في الميزان وقد تكون غير ذات معنى ويصبح بمثابة الوزير العاجز عن فعل أي شيء . ففي هذه الوضعية سيكون « محاصرا « من فوق ( من رئيس الحكومة ) ومن تحت ( من الإداريين العاملين معه ) ولن يقدر على فعل شيء.
الخضوع أو الاستقالة
حسب بن عيسى فان هذه الوضعية ستحيلنا إلى فرضيتين : إما أن الوزير( المحايد ) سيقبل بالأمر الواقع ويخضع لإملاءات رئيسه في العمل ( رئيس الحكومة ) المنبثقة عن انتمائه الحزبي، ويفقد بالتالي مصداقيته لدى الشعب ويفقد صورة الحياد والاستقلالية التي حملها عنه الناس . أو أن يرفض الوضعية ويرفض الاملاءات عندئذ قد يضطر للانسحاب ولتقديم استقالته ، لندخل بعد ذلك في دوامة الفراغات السياسية التي لن تزيد الوضع إلا سوءا وستزيد في إضاعة الوقت وفي طول الفترة الانتقالية وفي عدم نجاح الحكومة في مهامها .
خدمة الوطن والشعب
ويبقى الحل الأمثل بالنسبة للسيد محمد صالح بن عيسى هو أن تكون لدى حزب الاغلبية ( النهضة ) ومن ورائه رئيس الحكومة قناعة راسخة بمسألة تحييد وزارات السيادة بشكل فعلي وليس بصفة صورية وشكلية فحسب . فمثلا عليهما العمل على ضمان تحييد واستقلالية العمل الامني وعمل الولايات والبلديات والمعتمديات بالنسبة لوزارة الداخلية وعمل القضاء بالنسبة وزارة العدل وعمل البعثات الديبلوماسية بالنسبة لوزارة الخارجية . فإذا لم تكن لدى حزب الأغلبية ولدى رئيس الحكومة هذه القناعات إضافة إلى القناعة بضرورة خدمة المصلحة العليا للوطن ومصلحة الشعب بعيدا عن كل مظاهر التجاذبات السياسية والمحاصصة الحزبية والاغراض الشخصية الضيقة ، فلا فائدة ترجى من إيهام الشعب والفاعلين السياسيين بتحييد وزارات السيادة .