احدث اللقاء بين السيدين علي العريض والباجي قائد السبسي رجة قوية في الساحة السياسية من خلال بعض التصريحات وكذلك من خلال الازمات التي بدأت تشهدها احزاب اليسار. اللقاء بين الرجلين حسب ما تسرب من أنباء كان وديا، ورغم ان السيد علي العريض أعلم ضيفه أنه جاء في اطار التشاور مع جميع الاحزاب والفعاليات المؤثرة في الساحة الوطنية فإن السيد الباجي قايد السبسي عبر عن ابتهاجه الكبير به لكونه يقطع حسب اعتقاده مع سياسة الاقصاء التي يتعرض اليها منذ تأسيس حزب نداء تونس وقد ابدى استعداده لمد يد المساعدة للحكومة المقبلة وقدم نصائح ثمينة تجنب البلاد والفريق الحكومي مخاطر كثيرة حسب رأيه وأكد على أهمية التواصل بما يزرع الثقة بين الطرفين.
وفي سياق مواز لهذا اللقاء كانت الجلسة التي عقدها العريض مع السيد كمال مرجان اكثر تفاعلا فقد عبر مرجان عن دعمه اللامشروط للحكومة القادمة واكد ثقة حزبه في كفاءة رئيس الحكومة المقبل واستعداده لبذل كل الجهود الممكنة لمساعدته على انجاح المرحلة القادمة رغم انه غير معني بالمشاركة المباشرة ويكتفي بالدعم الخارجي . هذا الموقف الذي اتجه اليه السيد العريض يبدو ثمرة نقاش داخلي اجرته قيادات حركة النهضة في مراحل سابقة خلال عمليات تقييم تقوم بها بشكل دوري ورغم اختلاف وجهات النظر حول الموقف من نداء تونس فإن هناك اقرارا بأهمية هذا التيار وقدرته على التعبئة اضافة الى ان فيه كثيرا من العقلاء والشرفاء الذين يمكن الالتقاء معهم ، وقد ترسخت القناعة عند البعض الى ان ما يحول بين التواصل الايجابي وجود بعض الوجوه المحسوبة على الحقبة السابقة ممن اسهموا في الوضع القاتم بالبلاد وخاصة المجموعة التي تنعتها حركة النهضة - باليسار الاستئصالي - الذين استعملوا بن علي لمحاربتهم خلال بداية التسعينات .
وزاد في قناعة حركة النهضة بضرورة الالتقاء مع الشرفاء من العائلة الدستورية بعض النصائح التي تقدم بها عدد من الاصدقاء في الداخل والخارج ممن يتابعون الوضع عن كثب والذين أكدوا على ان المسار الانتقالي رغم تحقيقه مكاسب كثيرة في وقت قياسي تتهدده بعض المخاطر بسبب عناد بعض الاطراف وعدم جديتها وهو ما بات يتطلب القيام بمراجعات جذرية .
هل أضاعت أحزاب اليسار الفرصة
ولعل ما زاد في حسم التوجهات الجديدة المكابرة الشديدة التي وجدها السيد علي العريض من الاحزاب اليسارية ، فبعد ان كانت تطالب بالمشاركة في الحكومة وتتهم الترويكا بانها استحوذت على كل المواقع في اطار سياسة المحاصصة اذ بها تمتنع عن المشاركة حين عرض عليها الامر ثم تعللت بضرورة تحييد وزارات السيادة اعتقادا منها ان ذلك شرط تعجيزي ولن توافق عليه حركة النهضة ابدا ولكنها صدمت حين وافقت على التخلي عنها .
عدد من الاحزاب مازالت تحت تأثير الاحداث المتسارعة وبلغ ببعضها ان شكك في صحة ما يسمع وظل يماطل ويحاول ان يفهم ويظن ان هناك مؤامرة دبرت بليل ويتصور وجود سيناريوات كبيرة وخطيرة . لذلك بادرت مجموعة من الاحزاب لفرض المقترح بصفة احترازية حتى تتبين لها القضية ولكن هل يسمح الوقت بالانتظار؟. كل الدلائل تشير الى اقتراب الحسم في هذه المسالة خاصة ان بعض قيادات حركة النهضة اصبحت تجاهر بعدم اعتراضها على الحوار مع نداء تونس مثلما اشار الى ذلك الشيخ عبد الفتاح مورو بكل وضوح والسيد سمير ديلو والسيد لطفي زيتون بل والشيخ راشد نفسه الذي رغم تصريحه بالتمسك بقانون تحصين الثورة فقد ربطه بالمرور عبر القضاء وبتمرير قانون العدالة الانتقالية قبله وفي ذلك اشارة مبطنة الى امكان ايجاد مخارج مناسبة حسب ما تقتضيه المرحلة.