لم يستقر القرار اليوم في تونس حول ملف رابطات حماية الثورة.. تصريحات المسؤولين في السلطة حول الموضوع بدت متناقضة وضبابية فيما تتمسك المعارضة وشق كبير من الشعب بضرورة حل هذه الرابطات قبل الانتخابات. لا يختلف كثيرون اليوم في تونس، بمن في ذلك عدد من المنتمين لحركة النهضة ولحكومة الترويكا (المحسوبة عليهما رابطات حماية الثورة)، أن الحديث عن الرابطات يرتبط دوما بالعنف. ويستدلون على كلامهم بعديد الأحداث منها إفساد نشاطات الأحزاب المعارضة في مختلف أنحاء البلاد (مثلا نداء تونس والحزب الجمهوري والجبهة الشعبية..) والمشاركة في أحداث عنف مشهورة على غرار حادثة ساحة محمد علي بالعاصمة يوم 5 ديسمبر 2012 وحادثة مقتل لطفي نقض بتطاوين وحادثة 9 أفريل 2012 بشارع بورقيبة وغيرها.
انتخابات
«لا نجاح للانتخابات ما دامت رابطات حماية الثورة قائمة».. هكذا يجمع اليوم الشق المطالب بحل رابطات حماية الثورة مثل المعارضة وكذلك عدد من المسؤولين في الحكم وفي أحزاب الترويكا. ومرد موقفهم هذا هو أن الانتخابات، في أي بلد من العالم، تحتاج إلى الهدوء والاستقرار، خاصة خلال فترة الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع. في حين أن العنف يفسدها ويعطل سيرها الطبيعي وقد يفشلها تماما ويجعلها محل تشكيك داخليا وخارجيا (من قبل دول العالم والمنظمات الأممية). وبما أن العنف السياسي بات مرتبطا اليوم بالرابطات فإن حلها، أو في أقصى الحالات تطبيق القانون بصرامة عليها (منعها من النشاط خلال الانتخابات مثلا)، هو الحل الأمثل إن كانت الحكومة ترغب فعلا في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وبلا ضغوطات على الأحزاب وعلى المواطنين من أي كان. أما إذا تواصل في رأيهم نشاط الرابطات، فإن ذلك لا يمكن أن يؤدي سوى لتهميش الانتخابات واعتبارها فاسدة في نظر الرأي العام الدولي والداخلي.
تضارب
تبدو مواقف المسؤولين في الحكم والمنتمين للأحزاب الحاكمة (الترويكا) حول رابطات حماية الثورة متضاربة وهو ما يؤكد أن منطق المصالح الشخصية والحزبية هو الغالب على المواقف من هذه الرابطات. فمن جهة يصرح كثير منهم (بمن فيهم رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي والحالي علي العريض) أنه لا مجال لممارسة العنف السياسي ولا بد من تطبيق القانون على الجميع ومن المحافظة على هيبة الدولة، في إشارة ضمنية إلى عنف رابطات حماية الثورة. ومن جهة أخرى، يصرح وزراء وقياديون في أحزاب الترويكا أنه لا مجال لحل هذه الرابطات. وهذا التضارب «الرسمي» في المواقف لن يزيد الوضعية إلا تعقيدا ويزيد من حالة الاحتقان السياسي في صفوف المعارضة ومن حالة التشكيك في صفوف المواطنين.
ويرى كثيرون أنه على السلطة الحاكمة أن توضح موقفها بشكل نهائي وصريح وحاسم من رابطات حماية الثورة وان تكف عن التصريحات المتضاربة والضبابية التي لم تعد تنطلي على التونسيين لأنه لم يعد هناك مجال في تونس اليوم للتلاعب بمشاعر الناس خاصة في المسائل التي تهم المستقبل السياسي في البلاد.
مسؤولية جماعية
في إطار الاستماتة في الدفاع عن رابطات حماية الثورة ، يقول المدافعون إن ملف حل الرابطة الوطنية لحماية الثورة يجب أن يُنظر إليه حالة بحالة، باعتبار أن الرابطة تتفرع إلى فروع جهوية، وأن الحل يجب أن يستهدف الفرع الذي يخالف القانون أو يمارس العنف (على غرار ما حصل مثلا بالنسبة لفرع الرابطة بمرناق الذي جمدت نشاطه محكمة تونس مؤخرا بحكم استعجالي بناء على طلب من الكاتب العام للحكومة). غير أن هذا الحل في رأي كثيرين هش ولا يعالج المشكل لأن الفرع الذي يقع حله سيتكون من جديد بوجوه أخرى. لذلك يرون أن الحل يجب أن يستهدف الرابطة الوطنية برمتها لأنها هي المسؤولة قانونيا وتتحمل مسؤولية العنف وخرق القانون الذي تمارسه الفروع التابعة لها.