معهد الذكور بسوسة أو معهد أحمد نور الدين مَعلم تربوي عريق كان شاهدا على تخريج «كبار» الساحل من مثقفين وسياسيين ونقابيين... المعهد تأسّس سنة 1926 ولا يزال إلى اليوم منارة للعلم والمعرفة. وسط مدينة سوسة ينتصب معهد أحمد نور الدين المعروف بمعهد الذكور والذي تتلمذ به كبار القوم وخاصتهم من الهادي نويرة إلى محمد مزالي إلى أحمد بن صالح وحمادي الجبالي ورضا قريرة والرئيس السابق زين العابدين بن علي.
دور وطني
معهد سوسة الذي بلغ عمره اليوم 87 سنة قدّم خدمات جليلة لا لمنطقة الساحل فحسب بل لكامل البلاد التونسية، فهو أول معهد ثانوي تأسّس في منطقة الوسط والجنوب التي كانت تضمّ آنذاك ربع سكان تونس، وقد انطلق العمل بالمعهد في السنة الدراسية 1926 1927 بطاقة استيعاب بلغت 309 تلاميذ، فيما يبلغ عدد التلاميذ اليوم بالمعهد 1774 تلميذا. وكانت تسمية المعهد في البداية «collège de sousse» وكان المديرون الذين تعاقبوا على تولي شؤونه فرنسيون إلى حين حلول السنة الدراسية الأولى بعد الاستقلال حيث كان أحمد نور الدين أول مدير تونسي لهذا المعهد منذ سبتمبر 1956 فسُمّي المعهد باسمه في وقت لاحق.
وقد مكّن معهد الذكور بسوسة منذ انبعاثه عددا كبيرا من الشباب من مواصلة تعلّمهم بعد أن كان التعليم الثانوي في متناول فئة قليلة تتوجه إلى المعهد الصادقي أو إلى معهد كارنو بالعاصمة.
وفي خمسينية المعهد كتب الوزير الأسبق والرئيس الشرفي لجمعية قدماء المعهد آنذاك الهادي نويرة أنّ «هذا المعهد كان بمثابة بوتقة انصهرت فيها مجموعة كبرى من القوى الحية ممّا أدّى إلى تجاوز رواسب النزعات الجهوية وظهور جيل جديد من الشباب التونسي يؤمن بقوميته ويفخر بتاريخه ويعتزّ بتراثه ويسعى لتخليص بلاده من براثن الاستعمار الأجنبي والخروج بها من طور التخلف».
وقد ساهم المعهد في تكوين عدد مهم من الإطارات العالية الذين برزوا عندما نالت تونس استقلالها فكانوا في الصفوف الأمامية لتسيير دواليب الدولة وتعويض الإطارات الأجنبية كما كان للأفواج الأولى من خريجي المعهد شرف الإسهام في معركة التحرير الوطني.
حراك تلمذي
وكان معهد الذكور شاهدا على الحراك الشبابي المرتبط بتطورات الأوضاع السياسية في البلاد خصوصا في السنوات التي سبقت الاستقلال، حيث شارك تلاميذ المعهد في المظاهرات الغاضبة التي شهدتها مدينة سوسة احتجاجا على إيقاف الزعيم الحبيب بورقيبة في جانفي 1952.
ويقول أحد قدماء المعهد عبد السلام الميلي عن تلك المظاهرات «دخلنا إلى الساحة السفلى فإذا بالتلاميذ يتهامسون والبعض منهم يتحرك من مجموعة إلى أخرى ووصلتنا كلمة السر «اليوم إضراب»...
فصاح القيمون أن ادخلوا إلى أقسامكم وعزز صفهم القيم العام جيراردي فتململ البعض... وكانت أستاذة الموسيقى أولى من أدخلت تلاميذها إلى القسم وكانوا أجانب فإذا بهم ينشدون النشيد الرسمي الفرنسي فكان ذلك بمثابة صب زيت على لهيب فتأجج واقتحمنا الأقسام نخرج من فيها ونكسر النوافذ والأبواب بأيدينا ومحفظاتنا... وفاق عددنا المائتين وحاول المدير اعتراض سبيلنا غير أننا تجاوزناه»...
المعهد كان فاعلا في حراك الشارع إبّان معركة التحرير ومن بعدها خلال بناء الدولة الحديثة، ولا يزال قدامى تلاميذه يشعرون بالفخر بانتمائهم إلى هذه المنارة العلميّة ومن بينهم مديره الحالي السيد فيصل العميري.