نفت أمس اللجنة المستقلة للتحقيق في أحداث الرش بولاية سليانة خلال الأشهر الماضية أن يكون الشهيد شكري بلعيد هو من يقف وراء الانتهاكات الحاصلة مؤكدة أنها رواية صادرة فقط عن وزير الداخلية السابق علي العريض ووالي الجهة السابق وذلك خلال ندوة صحفية عقدت بأحد نزل العاصمة. وكشفت التحقيقات والأبحاث التي قامت بها اللجنة عن وجود معطيات خطيرة من شأنها توريط الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية الى جانب الجهات السياسية من ذلك استعمال قنابل مسيلة للدموع منتهية الصلوحية منذ أكثر من عشرين سنة وقد تم استعمالها في أماكن مغلقة أدت الى اجهاض سيدتين. كما رصدت اللجنة تجاوزات وانتهاكات تعرض لها أهالي وسليانة وتتمثل في اقدام بعض أعوان الأمن على دهس مواطنين بواسطة سيارات الى جانب اصابتهم بالرش على مستوى الظهر وهو ما يدل على أن أعوان الأمن تعمدوا رشهم خاصة أنهم ليسوا في وضعية دفاع عن النفس اضافة الى اصابة بعض الأشخاص على بعد مسافة طويلة.
الأجهزة الأمنية مورطة
وقد عقدت الندوة الصحفية بحضور عدد من النقابيين والمصابين الذين مازالت جراحهم لم تندمل بعد. وفي هذا السياق أكد مسعود الرمضاني ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن اللجنة تولت سماع جميع الأطراف منهم المصابون والأهالي والأمنيون ووالي الجهة السابق وقد استخلصت جملة من المعطيات منها المتعلقة بالجانب الأمني وقد بينت التحقيقات وجود استعمال مكثف وغير مبرر للرش وللعنف وهذا ناتج عن غياب الخبرة في صفوف رجال الأمن وعدم قدرتهم على التواصل والتحاور مع المحتجين.
وبخصوص الجانب السياسي فان التحقيقات أثبتت غيابا تاما لأي عمليات تنسيق وتواصل بين ممثل السلطة في الولاية (الوالي) مع مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية القادرة على امتصاص الاحتقان. وقد أكد ممثل رابطة الدفاع عن حقوق الانسان أن الاتحاد العام التونسي للشغل وجه ثماني مراسلات الى الوالي السابق قصد عقد لقاء معه للتحاور حول الأوضاع الاجتماعية للجهة الا أن الوالي أجاب أنه بالفعل تلقى مراسلات لكنه حولها الى المعتمد الأول لولاية سليانة وهو ما اعتبره بعض النقابيين والناشطين الحقوقيين دليلا على التنصل من المسؤولية.
أما الجانب الاجتماعي والاقتصادي فقد أكدت اللجنة صلب تقريرها أن ولاية سليانة تعاني من التهميش والتفقير والبطالة وعدم الاستماع الى مشاغل الجهة من قبل الجهات المعنية الشيء الذي أدى الى احتقان الأجواء.
وزارة الداخلية على الخط
وبخصوص التتبعات الجزائية اكد الاستاذ شرف الدين القليل عضو باللجنة المذكورة على أن السلطات القضائية هي التي ستتولى تحديد المسؤولية الجنائية للأفراد والمؤسسات الأمنية مؤكدا أنها فتحت أبحاثا قضائية بالمحكمة الابتدائية الدائمة بولاية الكاف وهي أبحاث غير شاملة.
وكشف الأستاذ القليل على أن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تم استعمالها في أحداث سليانة هي عبوات تم استعمالها في أحداث تالة والقصرين خلال فترة 14 جانفي 2011 مشيرا الى أن هناك رواية قدمها بعض الأمنيين مفادها أن قنابل الغاز المسيل للدموع قد انتهت وهو الأمر الذي جعلهم يستعملون الرصاص.
وذكر الأستاذ القليل انه خلال فترة أحداث سليانة عرفت تعزيزات أمنية مكثفة قدمت من بعض ولايات الجمهورية مؤكدا أن اللجنة قد استمعت الى المسؤولين عن منطقتي الأمن والحرس بالولاية وتبين أنهم لم يكونوا بحوزتهم بنادق وهو ما يعني أن قرار اصابة المتظاهرين بالرش قد صدر عن الإدارة المركزية وليس الجهوية. إذا ما فتحت وزارة الداخلية بحثا اداريا بخصوص الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة في تلك الفترة فقد أكدت اللجنة أن ذلك لم يتم وقد لاحظ في هذا السياق الأستاذ شرف الدين القليل أن هناك وثائق رسمية بحوزته تدل على أن المتفقد العام للأمن الوطني قد وجه مكتوبا الى المدير العام للأمن الوطني يتضمن ملاحظات مفادها أن هناك استعمالا مفرطا للقوة مشيرا الى أن المدير العام للأمن الوطني هو من يأذن بفتح الأبحاث. وأكدت اللجنة صلب تقريرها أن بعض أعوان الأمن أصيبوا بواسطة حجارة وآلات حادة وقد تعهدت المحكمة الابتدائية العسكرية بالكاف بتتبع الجناة.
وأكدت اللجنة أنه خلال الأيام القليلة القادمة سترفع شكاية أخرى الى وكالة الجمهورية بناء على المعطيات الموثقة بالتقرير وذلك قصد تتبع الجهات المعنية وكل من سيكشف عنه البحث. وقد قدمت اللجنة تقريرها الى رئاسة المجلس الوطني التأسيسي ورئاسة الجمهورية وقد تعهد الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بمتابعة وضعية المصابين من خلال توفير العناية الصحية لهم وتوفير مواطن شغل.
توصيات
ومن التوصيات التي قدمتها اللجنة هي تفعيل مطلب اصلاح المنظومة الأمنية بشكل عام واصلاح مختلف أجهزة الأمن الداخلي بشكل خاص وتدعيم الحق النقابي للأمنيين ورفع كافة أشكال التضييق والهرسلة التي تحول دون دفاعهم الجدي عن مصالح زملائهم المادية والمعنوية ووضع مدونة سلوك أمني تساهم في صياغتها مختلف الأطراف وتعيين مسؤولين جهويين مستقلين عن الأحزاب السياسية قادرين على تأمين حوار حقيقي مع كل مكونات المجتمع المدني دون استثناء.