عبد الحميد محفوظي أو كما يحلو للبعض مناداته بشهرته «كاش». جاوز الخمس والثمانين من العمر ومازالت علامات الشباب بادية على ملامحه. بيع الجرائد مهنته التي يعيل منها اسرته ولكنها بالنسبة اليه اكثر من مهنة. يقابل عبد الحميد محفوظي، الجميع بالدعابة والنكتة ويمازحهم على طريقته تراه في كل مكان يحمل بيده الجرائد وقد نظمها مرتبة حسب الأولوية في الطلب ترتيبا لا يعلمه إلا هو بفضل خبرته.
تسمع نداءه من بعيد وهو يسعى بين الناس يتفرس في الوجوه بحنكة يعرف فيها زبائنه. يسارع باكرا كل صباح إلى محطة البلدة ينتظر وصول أعداد الجرائد وما إن يتلقاها حتى يسارع بتقسيمها وتوزيعها على سيارات النقل الريفي لتصل قراء ينتظرونها في مواعيدها. حدثنا عن بداياته قائلا: كان ذلك سنة 1964 حينما بادرت بجلب الجرائد من مدينة القيروان قصد ترويجها وشيئا فشيئا لاقت محاولتي النجاح واشتهرت بين الناس ومن النوادر التي عرفت بها آنذاك حين كنت أنادي بأسماء أربع صحف يومية في جملة واحدة وهي «عمل أكسيدون صبح لا باس» في إشارة إلى الجرائد اليومية المعروفة آنذاك ب«العمل» و«»لكسيون» و«الصباح» و«لابريس». وبعد فترة وجيزة تعاقد مع شركات توزيع للجرائد وصار يوزع الصحف بشكل رسمي في كامل المنطقة على مدى نصف قرن تقريبا اكتسب من خلالها محبة الناس وسمعة طيبة بالإضافة إلى وضع مادي جعله ينفق على عائلته بكد يميه وأشرك أبناءه في هذه التجربة التي استفادوا منها أيضا. ويقول «مازالت أقدم لهذه المهنة وللصحافة بصفة عامة من خلال ترويج الصحيفة الورقية التي مازالت رغم تنوع مسالك الخبر تحظى باهتمام كبير من طرف القراء وإني أرى بعد هذا الشوط الكبير من الحياة أني قد قدمت ما في استطاعتي لهذه المهنة وأنا أعتبر نفسي عميدا لباعة الجرائد في تونس وأتمنى أن أحتفل بمرور خمسين سنة على العمل في هذه المهنة وأنا في صحة جيدة».