خرجت من البيت ككل يوم وذهبت إلى مقر عملها بمركز حرس المرور ثم انتقلت مع زملائها للعمل على الطريق الرئيسة.كان هذا هو المسلك الأخير لمروى البريني قبل أن تدوسها سيارة «مجنونة»بقيادة سائق متهور. لقد خرجت ماشية على قدميها وعادت محمولة على الأكتاف لتخلف الحزن والأسى ليس في عائلتها وعند زملائها فقط بل لدى كل سكان المنطقة بأسرها. خبر الحادث انتشر مساء أول أمس الجمعة بسرعة كسريان النار في الهشيم ولا حديث في المقاهي وفي المحلات التجارية والطرقات وبين العائلات إلا عن الحادث الأليم الذي قصف عمر فتاة في ريعان الشباب مازالت تخطو خطواتها الأولى نحو الحياة.لم نفكر كثيرا واتجهنا نحو منزل الفقيدة الذي يقع في حي الطيب المهيري.كان كل من يعترض طريقنا يعلمنا بالحادث ويروي لنا المأساة ويتأسف من الأعماق.من بعيد لمحنا أعدادا كبيرة من المعزين كانوا قد أقبلوا من كل مكان حال سماعهم بالخبر المشؤوم.ونحن نقترب أكثر من الحاضرين بدأنا نسمع بكاء يدمي القلوب وترتج له كل أطراف السامعين.
إنه بكاء الفراق الأخير ولا أحد في تلك اللحظات كان يستطيع أن يتحكم في نفسه فالدموع تسيل دون استئذان وتبكي حرقة على الفتاة.بقينا مدة لا بأس بها ولم يكن بالإمكان التحاور مع أي أحد من أفراد العائلة لأن الوضع كان مأساة بأتم معنى الكلمة.تركنا هذه الأجواء التي تسودها الكآبة والأسى وضربنا موعدا للقاء في صبيحة اليوم التالي.منذ صباح يوم أمس السبت كنا في الموعد وحين حلولنا بالبيت وجدنا نفس الأجواء بكاء مرير،علامات حزن الحضور ظاهر للعيان،حرقة ولوعة ...المعزون يأتون أفواجا والعائلة تتقبل التعازي بقلب لم يعد يحتمل أكثر فوالدها كان قد توفي منذ أشهر بعد وفاة عمها السنة الفارطة وها هي تلتحق بهما .استأذنا الحديث مع الأم المكلومة التي تحدثت إلينا بصعوبة:إنها فلذة كبدي لقد ذهبت دون رجعة،لقد خرجت ضاحكة كعادتها ،إنها الابتسامة الأخيرة...تصمت وتحدق في الباب وكأنها تنتظر قدومها بين الحين والآخر.أما أختها أميمة وبعيون دامعة وبحرقة كبيرة قالت:الفاجعة كبيرة والمصاب جلل كانت مروى بمثابة الأب الحنون كانت أملنا ...رحمها الله.تحدثنا إلى بعض زملائها الذين كان حضورهم كبيرا يوم وفاتها ويوم دفنها لقد جاؤوا لوداعها الوداع الأخير وكلهم مازالوا مصدومين بما حدث فأي عون معرض لمثل هذه الحوادث وقد يأتي عليه الدور هو أيضا فهم يسهرون على راحة المواطنين ويؤمنون سلامتهم أينما كانوا وفي أي وقت ولكن من يحمي هؤلاء؟.الله يرحمها،إنا لله وإنا إليه راجعون ،مسكينة لم تفرح...كانت هذه الكلمات تعاد من الجميع بكل حسرة.كل الذين التقيناهم أكدوا على ضرورة تشديد العقاب على المخالفين والحزم في تطبيق القوانين لأنه إذا ما تواصل هذا التسيب فمن المؤكد أن كوارث أخرى في الطريق.الفقيدة مروى كانت تعيل عائلتها وتسهر على راحتها فهي عائلها الوحيد بعد وفاة والدها «لقد كانت ابنة بارة»هكذا قال أحد أقاربها بصوت ضعيف يكاد لا يسمع ويخفي داخله غيظا شديدا على سائق السيارة الذي أضر بعائلة بأكملها وأخطأ في حق أعوان الأمن عموما.
الفاجعة كبيرة ولا شك أن عائلة مروى ستأخذ حقها ولكن ما فقد لن يعود وسيبقى الجرح عميقا لن يبرؤ بسهولة وتلك هي الحياة فرح وحزن.ودعنا مروى إلى مثواها الأخير حيث كانت الجنازة بحضور عدد كبير من إطارات وأعوان الأمن يتقدمهم آمر الحرس الوطني وبعض ممثلي الأحزاب والمئات من المواطنين وإنا لله وإنا إليه راجعون.