أمام تنامي ظاهرة التهريب وما أصبحت تخلفه من استياء لدى التونسيين، يتساءل كثيرون هل لهذا الحد عجزت الحكومة عن مكافحة الظاهرة أو على الاقل الحد منها ومن تداعياتها ؟ ما انفك التهريب ينخر الاقتصاد الوطني ويتسبب في نقص عديد المواد من السوق فضلا عن التسبب في التهاب الاسعار. ويقول احد المختصين ان التهريب يُمثّل اليوم في مثل هذه الفترة الحساسة التي تمر بها البلاد – جريمة تضاهي الجرائم الكبرى على غرار الارهاب وتعاطي المخدرات و الاعتداء على النظام العام ومنها الاعتداء على امن الدولة في جانبه المتعلق بالغذاء (الامن الغذائي). ومن المفروض ان تقع مكافحته والضرب على أيادي مرتكبيه بقوة وتخصيص جانب كبير من الامكانيات الامنية والقانونية والعسكرية للتصدي له. وهو ما يدعو إلى التساؤل ، ألا توجد لدى الدولة الامكانيات المادية واللوجيستية والبشرية اللازمة للتصدي للمهربين ؟
التهاب الاسعار
رغم ما أعلنته الحكومة مؤخرا عن اعتزامها الترفيع من نسق مكافحة التهريب وتوجيه الوحدات الامنية والديوانية والعسكرية من حين لآخر «ضربات» موجعة للمهربين، إلا أن ظاهرة التهريب ما انفكت تنمو و تتطور لتشمل مختلف المواد الاستهلاكية للتونسيين بما في ذلك المواد المدعمة من الدولة . . ولا أدل على ذلك من الارتفاع الكبير الذي تشهده هذه الايام أسعار عديد المنتوجات لان منتجيها وجدوا التهريب نحو السوق الليبية افضل من البيع في السوق المحلية على مستوى تحقيق الأرباح ، ومن هذه المواد نذكر مثلا البطاطا التي قفز سعرها هذه الايام إلى دينار و 500 مي والبيض الذي يفوق سعره 700 مي ( الحارة ) وكذلك الدجاج والمياه المعدنية والمشروبات الغازية وأعلاف المواشي إضافة إلى مشتقات الحبوب والزيوت النباتية و مشتقات الحليب ..
ليبيا
أصبح عديد المنتجين والمصنعين يُفضّلون بيع منتوجاتهم للمُهربين نحو ليبيا لانهم يدفعون اكثر مما تدفعه السوق المحلية ، وهذا طبيعي لان اسعار البيع في السوق الليبية أرفع بكثير من اسعار سوقنا المحلية وهو ما يوفر للمهربين أرباحا هامة فلا يجدون حرجا في الشراء من المنتجين بأسعار مرتفعة بدوره. وأصبح معيار تحديد الاسعار لمنتوجاتهم في السوق المحلية هو السعر الذي يشتري به المهرب وليس المقدرة الشرائية للمستهلك المحلي مما تسبب في التهاب اسعار مختلف المواد.
قانون التهريب
يقول المتابعون لهذا الملف أن المهربين وجدوا في هشاشة وليونة القانون التونسي وفي ضعف العقوبات المرصودة لهم ( خطايا – حجز البضاعة ) وفي ضعف منظومة المراقبة على الحدود تشجيعا على التمادي في أنشطتهم . حيث لا يوجد اليوم في تونس نص قانوني واضح خاص بتجريم ظاهرة التهريب ليكون رادعا للمهربين . ومن الاولويات التي يجب ان تنكب عليها الدولة اليوم هو الاسراع بسن قانون متطور وشامل ( على غرار قانون الرهاب ) يأخذ بظاهرة التهريب من مختلف جوانبها على ان يتضمن هذا القانون عقوبات صارمة ورادعة تصل حد السجن والخطايا المالية المرتفعة مع حجز البضاعة وحجز وسيلة النقل التي تحملها نهائيا لفائدة الدولة إضافة إلى عقوبات تكميلية أخرى ..
فرقة مكافحة التهريب
على غرار الفرق المختصة الموجودة اليوم في تونس (مثلا فرقة مكافحة الاجرام وفرقة مكافحة الارهاب وفرقة مكافحة المخدرات وفرقة الاخلاق) يقترح المختصون احداث فرقة امنية مختصة في مكافحة التهريب تكون مجهزة بمختلف الوسائل التقنية والبشرية واللوجيستية المتطورة للتصدي للمهربين. ومن الضروري، وفق أحد المختصين، ان تُمنح للعاملين في هذه الفرقة امتيازات مادية وغيرها لحمايتهم من الاغراءات الممكنة (الرشوة مثلا التي تُعد اليوم أحد أهم أسلحة المهربين) مع تسليط رقابة صارمة عليهم. ويقول أحد المختصين أن احداث فرقة من هذا النوع يمكن ان يكون كافيا لوحده لإدخال الخوف والذعر في صفوف بعض المهربين بصفة مسبقة ما قد يدفعه للانقطاع عن تعاطي هذا النشاط .