دلت أدلة الكتاب والسنة من الآيات والأخبار على تحريم الرياء وذم فاعله قال تعالى : {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون) (الماعون : ) ويقول الله عز وجل : {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف ). وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» وقال صلى الله عليه وسلم : «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : «الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : (اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء). رأى أبو أمامه الباهلي رجلا في المسجد يبكي في سجوده فقال : أنت أنت لو كان هذا في بيتك. بيان حقيقة الرياء وجوامع ما يراىء له الرياء مشتق من الرؤية، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بارائهم خصال الخير، والمراد به كثير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس وهي : للبدن والزي والقول والعمل ولاتباع والأشياء الخارجة. فأما الرياء في الدين بالبدن فباظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة. وأما الرياء بالهيئة والزي فمثل تشعيث الشعر، وإطراق الرأس في المشي، والهدوء في الحركة وابقاء أثر السجود على الوجه كل ذلك يراءى به. وأما الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لاظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس. وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلي بطول القيام وطول السجود والركوع واطراق الرأس وترك الالتفات. وأما المراءاة بالاصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما من العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا . بيان المراءي لأجله ان للمرائي مقصودا لا محالة وانما يرائي لادراك حال أو جاه أو غرض من الأغراض، وله درجات أحدها أن يكون مقصوده التمكن من معصيته كالذي يرائي بعبادته ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالامانة فيولى منصبا أو يسلم إليه تفرقة مال ليستأثر بما قدر عليه منه وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى. لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما الى معصيته ثانيها أن يكون غرضه نيل حظ من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح كالذي يظهر العلم والعبادة ليرغب في تزوجيه أو اعطائه : فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول. الثالث : أن لا يقصد نيل حظ وادراك مال أو نكاح ولكنه يظهر عبادته خوفا من أن ينظر اليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة العامة. بيان الرياء الخفي الرياء جلي وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجرد إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه، ومن الرباء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في اخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس على اخفاء فواحشهم، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة باخلاصهم اذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة. دواء الرياء وطريق معالجة القلب منه عرفت أن الرياء محبط للأعمال، وسبب للمقت عند الكبير المتعال، وأنه من كبائر المهلكات، وما هذا وصفه فجدير التشمير عن ساعد الجد في ازالته وعلاجه، وها هنا مقامان أحدهما : قطع عروقه وأصوله وهي حب لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع فيما أيدي الناس، فهذه الثلاثة هي التي تحرك المرائي الى الرياء وعلاجه أن يعلم مضرة الرياء وما يفوته صلاح قلبه وما يحرك عليه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله تعالى، وما يتعرض له من العقاب والمقت الشديد والخزي الظاهر. فهمها تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين الهم في الدنيا بما يفوته في الآخر وبما يحيط عليه من ثواب الأعمال فإنه يسهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيذ ولكنه إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه... المقام الثاني : دفع العارض منه أثناء العبادة وذلك لا بد أيضا من تعلمه فإنه من جاهد نفسه بقطع مغارس الرياء وقطع واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فقد لا يتركه الشيطان في أثناء العبادة بل يعارضه بخطرات الرياء فإذا خطر له معرفة اطلاع الخلق دفع ذلك بأن قال لنفسه مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأي فائدة في علم غيره، فإذا هاجت الرغبة الى لذة الحمد ذكر ما رسخ في قلبه آفة الرياء وتعرضه للمقت الإلهي والخسران الأخري. بيان الخطإ في ترك الطاعات خوفا من الرياء من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين. قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الاخلاص والعمل.