الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب الدكتور علي عقلة عرسان من الأسماء المعروفة والتي لها آراؤها علي المستوى القومي. التقيناه خلال زيارته الأخيرة للقاهرةحيث تحدث بصراحة شديدة عن أحوال المثقف والكاتب العربي سواء على المستوى القومي أو الوطني، وفي هذا الاطار حذر من وجود اختراقات في بعض المراكز الثقافية والاعلامية العربية الموثرة في الرأي العام مشيرا «الى أن هناك بالفعل عمليات من أجهزة معادية لشراء شخصيات ومثقفين وترسيخ مفاهيم الارهاب الذي أصبح يطلق على المقاومة وتدعيم صورة «رُعاة البقر» على أنهم صناع سلام وحرية وحقوق انسان وديمقراطية. حول أحوال المثقف والكاتب العربي والتحديات التي واجهها ووضعيته الحالية يدور هذا الحوار مع الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب. كيف تنظر من خلال موقعكم الى مستقبل الثقافة العربية في ظلّ المتغيرات الحالية التي تشهدها المنطقة؟ أقول : انني قلق ولكن مطمئن الى مستقبل الثقافة العربية، أما القلق فيرجع الى أن ما نواجهه حاليا جدّ خطير ولا نتصدّى له بالشكل اللازم والملائم، كما أن هناك اختراقات تصل الى التكوين السياسي ومراكز اعلامية وثقافية مؤثرة في الرأي العام العربي، وأما الاطمئنان فذلك لأنه من الثابت أن الشخصية الثقافية العربية لا يمكن اجتثاثها عبر أزمات كثيرة واجهتها الأمة منذ المغول على يد «هولاكو» وحتى الآن. * وهل لدى ثقافتنا القدرة على مواجهة ما تتعرض له من أخطار واختراقات؟ يمكنني القول أن لدينا مثقفون يمكن الاعتماد عليهم والاعتداد بهم اذا وضعنا تحت أيديهم الامكانات اللازمة ووفرنا لهم المناخ المناسب لعملهم في كل المجالات، وهم كفيلون بتحقيق نقلة نوعية في كل المجالات سواء في اطار العمل الثقافي وتطويره أو في تحقيق طفرة ثقافية منشودة بحيث تكون الثقافة لديها القدرة على التغيير في الداخل والتأثير في الخارج، ويتطلب ذلك بالطبع ازالة المعوقات من أمامها خاصة أن هناك عمليات استقطاب لطاقات ثقافية من أجهزة معادية يتمّ توظيفها ضد الأمة وضد ثقافتها. * ماذا تقصد بهذه الأجهزة المعادية؟ أبسطها وأبرزها تلك المراكز البحثية أو الشخصيات التي ربطت نفسها بالكيان الصهيوني وأخذت لها دورا للدفاع عنه، وتوجد فيها تيارات تحاول الغاء وجود الأمة العربية والثقافة العربية بأكملها من خلال الأحكام والمعطيات والنتائج السلبية التي تطلقها على الأمة العربية وثقافتها، ويمكن كذلك رصد مخطط أمريكي يتم من خلاله توظيف إعلامي لتحقيق هذه الغاية والعمل على انقاذ العرب ثقتهم بأنفسهم بحيث ينتهي الأمر بعملية غسيل مخ وإيجاد فراغ في الفكر تحل محله الثقافة البديلة، وأرى أن ذلك يمثل محور الخطر في المخطط، ولاحظ معي تلك الشخصيات التي تحاول الدعوة الى التطبيع مع اسرائيل. * وكيف ترون الصورة التي يمكن بها مقاومة مثل هذا المخطط أو هذه الأجهزة المعادية على حدّ قولكم؟ يجب أولا أن يتحرّر المثقف العربي من التبعية السياسية للحاكم وأيضا للتبعية الثقافية المركزية في نفس الوقت، وأن يرتفع بنفسه على أن يكون مجرد بضاعة من سوق الكلام بحيث يتم تكوين جبهة ثقافية على أساس ثابت وأصيل لردع أي أخطار أو منع أي اختراقات، والمواجهة في الأساس هي الوعي بثقافتنا وكذلك بما يحيق بها من أخطار ومخططات وذلك لأن الاختراق الجاري حاليا والضعف التي عليه الثقافة العربية لا يرجع الى الثقافة في جوهرها ولكن الى منطق القوة السائد حاليا الذي يطمس الحقائق، وهو أمر يتغير كثيرا اذا امتلكنا القوة في كافة المجالات وعلى رأسها القوة العسكرية. * وهل يمثل ذلك نوعا من الغزو الفكري.. ولماذا رغم التحذيرات المتتالية حقق تلك النجاحات.. وكيف يتم مواجهته سواء من خلال المثقف العربي.. أو من خلال الاتحادات العربية ومنها اتحاد الكتاب العرب؟ لم يعد الغزو مجرد مشروع ولكن أصبح واقعا «معاشا» يتجه نحونا على أرض الواقع بعد أن أصبحت دفاعاتنا ضعيفة وذلك لغياب القوة كما قلت سابقا وكذلك الاختراقات المالية من خلال شراء أجهزة وشخصيات ومثقفين وهو أمر رصدت له الولاياتالمتحدةالأمريكية مخصّصات محدّدة، وزاد من تأثير ذلك أن المثقفين ليسوا على قلب رجل واحد ومشروع واحد، ويستدعي ذلك الوضع وتلك التحديات اقامة حوار مفتوح بين جميع التيارات. وفي ما يتعلق باتحاد الكتاب العرب فالأرضية الثقافية موحدة والاتفاق موجود فيما يتعلق بالغزو الفكري والمشروع الأمريكي الصهيوني، ولكن يجب ملاحظة أن الاتحاد العام يعالج موضوع الاتحادات الوطنية التي تتولى بدورها التعامل مع المثقفين، ويقوم بعضها بعزل من يخرج عن النظام الأساسي ويتعامل مع العدو أو يدعو لمخططه، ويمكن التأكيد على انضباط الاطار العام رغم أن الامكانيات ضعيفة ولا تجعلها قادرة على تحقيق النقلة النوعية المطلوبة. ويجب على الكتاب والمثقفين أن يلتفوا حول ميثاقهم والجبهة الثقافية التي تجعلهم قادرين على العمل الثقافي المشترك وأن يأخذوا حقوقهم من أموال الشعب لخدمة قضاياه. * دعنا ننتقل الى العمل المشترك الذي يقدمه اتحاد الكتاب العرب والمتمثل في خطته للترجمة.. ما هي فلسفة هذه الخطة.. وهل ترون أن الترجمة قد تكون بابا.. لمزيد من التبعية الفكرية؟ المشروع الذي بدأنا فيه للترجمة ضخم وقد يكون أكبر من قدراتنا ولكنه يسير قدما ولا بدّ أن يتمّ الاستمرار فيه وأرجو أن تتبناه الجامعة العربية والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، وقد يكون ما يقال عن امكانية أن تكون الترجمة بابا للتبعية ولكن يجب ملاحظة أن ذلك كان له تأثيره المحدود من خلال الأجيال السابقة من المثقفين أمثال الدكتور طه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم ومن الضروري بصفة عامة التعامل مع الترجمة والتفاعل مع الفكر والآخرين على أساس من القوة في معرفة ثقافتنا دون احساس بالدونية. * تردد هذه الأيام تعبير «ثقافة المقاربة» وزاد مع غزو العراق كيف تنظرون الى هذا المفهوم وهل يضيف جديدا لنا وما هو موقف الاتحاد من المثقفين والكتاب في العراق؟ بلا شكّ فإن محاولات الاختراق واضحة و»العولمة» تستطيع أن تقرأها من خلال «الأمركة» والسؤال : هل استسلمنا أم مازلنا نقاوم، ومن هنا أرى أن ثقافة المقاومة شيء موجود وتحتاج الى تعزيز ودعم للدفاع عن المقاومة بمعناها الشامل ضد الاحتلال ومن أجل الثبات على المبدإ والقتال من أجل تصحيح المفاهيم التي يتم الترويج لها على أساس أن مقاومتنا «ارهاب» في حين يقوم «رعاة البقر» أنفسهم على أنهم صناع سلام وحرية وديمقراطية وحقوق إنسان. وبصفة عامة اذا كان هناك من أبناء العراق من حاول قتل العراق قبل الاحتلال إلا أن الشعب العراقي جذر كبير في الثقافة العربية ولن يتحول الى رافض لتاريخه وحضارته، وسنقف بجواره حتى تمر فترة الغيوم وسنمدّ أيدينا لكل زملائنا من الكتاب في العراق لدعم مواقفهم ودعم المقاومة ضد الاحتلال في جميع صوره وأشكاله.