تأليف آرتور بيللقران ترجمة محمد العربي السنوسي ح(40) مباشرة، قمت بحملة لإعداد التصوير الضروري لمشروع سيمون سيتروك، وتوفير الظروف المساهمة في تأليه الفكرة وجميلة البطلة. وقع إعلام خالي بوبكر، وشوشان، وقاسم، وشرباجي وبقية أصدقاء الشقاوة الواحد تلو الآخر بأنّ حدثا جللا سيحصل يوم الخميس عشر من شهر ماي في ساحة باب سويقة، عند الصباح. قلت لهم ذلك بمثابة السرّ، دون توضيح شيء عن الحدث؛ كنت كأني مدفوع بقوّة خفية. ونشروا هم بدورهم الخبر بطريقتهم دون أن يعرفوا حقيقة غرضي. تلك هي براءة الناس البسطاء في المدينة العتيقة. يتقبّلون أغرب الأخبار؛ فالأغلبية من الأميين، وغياب التعليم والفكر النقدي يجعل من أنفسهم كثيري الثقة. أمّا البلدي، الحضري البورجوازي، فإنّ لامبالاته الواضحة تخفي عالما غريبا من الأحلام، والعواطف، والتصوّف المكبوت من قبل الوسط الاجتماعي؛ فيصير خياله أحيانا خلاقا، ويصير عندئذ هذا الشخص ذي الملامح الهادئة والمنتفخ، قادرا على أعمال خلاقة. أردت أن أستعمل كلّ هذه الاعتبارات الأخلاقية والروحية للوصول إلى غايتي وأن أحاول، باتفاق مع سيمون سيتروك، أن أحقق الصورة العميقة والحقيقية لطيف تونس. لم تكن مهمّتي بالجسارة التي نتصورها، إذ أحسست بعد من هنا وهناك، صدفة، ومن خلال محادثاتي وجولاتي، بأصداء خفية فعلا للحدث الذي توقعته. كنت على يقين من النجاح، شريطة أن أدفع بالظروف. ولكن، ذات صباح وصلتني هذه الورقة : «عزيزي راقابوش، خبر سيئ. لم تمنح الإدارة الرخصة لتصوير الجزء من الفيلم المتوقع تصويره في ساحة باب سويقة، في الخامس عشر من شهر ماي المقبل. إميليا بيلور يائسة. أقدم لملاقاتنا. مع صداقتنا. سيمون سيتروك». إثر وقع المفاجأة والغضب، أخذت أفكّر في هذا الحادث العكسي اللعين لمعرفة أسبابه ولمحاولة معالجته. اعتقدت بأنني وجدت كلمة السرّ. أعلمت سيمون، الذي حدّد لي موعدا عند جميلة في المساء. كانت صديقتي الجميلة في انتظاري بقاعة الاستقبال رفقة سيمون. كانت هنالك مسحة من اليأس نستشفها على وجهيهما. راقابوش، يجب البحث عن شيء آخر، بما أننا أمام عائق لمشروعنا. ماذا نفعل يا صديقي؟ تساءلت جميلة وهي ترمقني بعينيها الحزينتين. وغامر سيمون بالقول : لو نغيّر المشهد ومكان التصوير، ربّما نستطيع بذلك تخطّي الصعوبة. ما قولك راقابوش؟ سألت : أريد أن أعرف شيئا. من هم الأشخاص الذين هم على علم بمشروعنا؟ أخي آنج، مموّل العملية، صرّح سيمون، أكيد أنه تحدّث عنه إلى معاونيه وكفى. فقلت : لابدّ أنه تحدّث عنه إلى شخص معيّن. لمن؟ تساءل في نفس الوقت كلّ من جميلة وسيمون. إلى شخص يدعى ميخائيل قيلاز، الذي أسرع لوضع الشرطة علما بمشروعنا وبأن يبيّن لها مخاطر ذلك من الناحية السياسية. ميخائيل قيلاز، صاح صديقيّ متعجّبين. هل يُعقل؟ إنه الرجل الثقة لانج سيتروك. فقلت : هذه الثقة في غير محلها. ورويت لصديقيّ الاثنين كيف أنّ هذا الشخص اللعين هو معرفة منذ عشر سنوات وإني أعلم على الأقلّ مرتين بأنه لصّ ومجرم. وإلى هذا، يضيف الآن لذلك دور المخبر للشرطة. فقال سيمون : سأكلم بالهاتف أخي لمعرفة إن تحدّث عن مشروعنا إلى ميخائيل قيلاز هذا. وأخذ السماعة. آلو، آنج، هنا سيمون. إني مع إيميليا وراقابوش. معلومة من فضلك. هل حدّثت ميخاييل قيلاز عن التصوير الذي كنا سنقوم به في باب سويقة للفيلم؟ نعم... آه! ووعدك بأنه سيكون كتوما... طيّب، سأحادثك عن هذه المسألة فيما بعد. صاحت جميلة في الحين باندفاع الأنثى : ليس هنالك من شكّ، إنه ميخائيل قيلاز الذي أوشى بنا. أريد من آنج أن يتخلص بسرعة من هذا الوغد الحقير. وأذعن سيمون : اتضح لي أنّ هذه الخيانة أكيدة. التفتت جميلة نحوي وقالت : إذن راقابوش، ماذا سنفعل؟ لا عليك! عزيزتي، سنقوم بالأمور وكأنّ شيئا لم يكن : سنصوّر المشهد الأخير، يوم الخامس عشر من شهر ماي في ساحة باب سويقة. كيف، بما أنهم يرفضون لنا الترخيص. يجب تجاوز ذلك... أنت سيمون، لديك بطاقة صحافي ومصوّر محترف. إنك متواجد هناك بآلة التصوير للقيام بمهمّة حرفية... وأنت، إيميليا، وكأنما بمحض الصدف، أوقف الناس سيارتك... سأتكفل أنا بالباقي. ولكن البقية، لاحظت إيميليا، مانحة لي جزاء بنظرة رقيقة جدّا. إنك تخاطر بالسجن، يا صديقي. من لا يخاطر بشيء لا يحصل على شيء. ولأوّل مرّة سوف لا يكون تمثيل اصطناعي نراه على الشاشة.