رغم كونه من أكثر الاصابات شيوعا إلا أن «عرق النسا» (Nerf sciatique) لا يزال محاطا بالكثير من الغموض لدى الكثيرين، حتى ان البعض لا يؤمن بجدوى العلاج الطبي ويعتقد بأنه لا يمكن التخلص من الآلام إلا عن طريق العلاج التقليدي والطرق المعروفة في مثل هذه الحالة. فما حقيقة هذا المرض الذي يحوّل حياة المصاب به إلى جحيم لا يطاق بسبب الآلام المرافقة له، كيف يحدث وما هو العلاج الأمثل، وهل من سبيل للوقاية من حدوث الاصابة أو معاودة ظهورها مرة أخرى. أسئلة حملتها «الشروق» إلى عيادة الدكتور حاتم السنوسي الأخصائي في أمراض المفاصل والعظام، وأمين مال الجمعية التونسية لأمراض المفاصل. في البداية يوضح الدكتور السنوسي ان «عرق النسا» ليس مرضا بحد ذاته ولكنه أحد الأعراض لأمراض وإصابات أخرى. ويشدّد على أن وجود آلام في الساق لا يعني دائما وجود إصابة في «عرق النسا». ويضيف ان هذه الاصابة تعبر عن نفسها في غالب الأحيان من خلال آلام تبدأ من أسفل الظهر إلى الفخذ ثم الساق لتصل إلى القدم وحتى الاصبع الكبير. أسباب مختلفة وعن أسباب حدوث الاصابة يقول الدكتور السنوسي أنها تنتج في أغلب الأحيان عن انزلاق القرص الغضروفي (الديسك) في العمود الفقري، نتيجة تمزق الألياف الرابطة بين الفقرات وهو ما يؤدي في النهاية إلى خروج النواة من القرص لتشكل عنصر ضغط على «عرق النسا» وهو عصب يخرج من جانب الفقرة، وينتج عن ذلك آلام بدرجات مختلفة وقد يصل الأمر إلى حدوث التهاب في محيط الفقرة. ويحدث كذلك الانزلاق حسب هذا الاخصائي نتيجة ارتفاع الضغط على القرص بسبب تكرار وضعيات معينة مثل الانحناء وحمل الأشياء الثقيلة، وطريقة الجلوس الخاطئة. وقبل التطرق إلى طريقة العلاج يوضح الدكتور السنوسي أن وجود آلام مشابهة لأعراض عرق النسا يمكن أن تنتج عنه إصابات أخرى في المفاصل كمفصل أعلى الفخذ أو الركبة، وربما إصابة في العظم، وأحيانا بسبب تعفن جرثومي أو ورم سرطاني، ضيق في الشرايين، أو مرض الجهاز العصبي. لكل ذلك يعمد الطبيب أثناء تشخيص المرض إلى طريقة الغاء الاحتمال تلو الآخر (élémination) ليصل إلى تحديد السبب. ويشير في هذا الصدد إلى أنه في 90 من الحالات تكون الاصابة ناتجة عن الانزلاق الغضروفي. التشخيص والعلاج وبعد التأكد من الاصابة فإن أول ما يعمل لأجله الطبيب هو تخفيف الضغط على القرص، حيث ينصح المصاب بتجنب الانحناء وكثرة الجلوس والوقوف مع ضرورة المشي لفترات محدودة 20 دقيقة كافية، لذلك مشيرا إلى الخطإ الذي كان سائدا في السنوات الماضية عندما كان الطبيب يأمر المريض بالنوم لمدة عشرة أيام كاملة على جسم صلب لوح مثلا دون أدنى نشاط، وعلى عكس ذلك فإن الأطباء اليوم ينصحون بالنوم على فراش عادي ومريح، وعدم النوم على الأرض لأن ذلك يصعّب على المريض عملية الوقوف، إلى جانب ذلك يصف الطبيب لمريضه مضادات الالتهاب، وأدوية تزيد من مرونة العضلات وتمنع التشنج بالاضافة إلى مسكنات الألم. وفي هذا السياق يذكر الدكتور حاتم السنوسي أن الأطباء في الدول الأوروبية يصفون عقار المورفين لتسكين الألم لكن الأطباء لدينا في تونس لا يستسهلون الأمر نظرا للاجراءات المشددة المتعلقة بوصف هذا الدواء. ويؤكد هذا الأخصائي أنه في 70 من الحالات يشفى المريض بعد عشرة أيام من أخذ العلاج والراحة، لكن في بعض الحالات تتواصل الاصابة والآلام المصاحبة لها، وهنا يتم طرح احتمال العملية الجراحية، التي تعد الطريق الأسرع للتخلص من الآلام، ومع ذلك يوضح الدكتور السنوسي إن العملية رغم جدواها في إزالة الآلام فإنها لا تحول دون عودة المرض مرة أخرى، وبذلك لا يختلف الأمر بين من تناول العلاج أو خضع للعملية بعد مرور سنوات لذلك غالبا ما ينصح الطبيب مريضه بالتحلي بالصبر أثناء فترة العلاج لأن الشفاء قد لا يحدث في الوقت المحدد. سبل الوقاية في الأخير يتحدث الدكتور حاتم السنوسي عن عامل الوقاية من الاصابة بالمرض أو معاودة ظهوره، ويكون ذلك بإزالة المسببات، مثل تقليل الضغط على العمود الفقري بتجنب رفع الأشياء الثقيلة، واعتماد طريقة سليمة عندما يتطلب الأمر ذلك، كانفراج الساقين والنزول دون انحناء بثني الركبتين وتقريب الجسم المراد حمله إلى الجسم ثم الوقوف باعتدال، كما ينبغي أن تكون طريقة الجلوس صحيحة وذلك بأن يكون مستوى الركبتين أعلى بقليل من مستوى الفخذ، مع ضرورة أن تكون القدمان ضاغطة على سطح الأرض، أما بخصوص الكرسي فينبغي أن يكون منقشعا ظهره إلى الوراء قليلا بنحو عشرة درجات مع الاتكاء عليه ووضع المرفقين على سطح المكتب أو الطاولة والهدف من ذلك هو تخفيف الضغط عن القرص. ويتم تخفيف الضغط على القرص أيضا من خلال تقوية عضلات البطن بواسطة الرياضة. وفي حالة وجود اعوجاج بالعمود الفقري وهو من الأسباب التي تسهل الاصابة بعرق النسا. يعمل الطبيب على تقويم ذلك الاعوجاج عن طريق العلاج الطبيعي. وبخصوص نجاعة الطب التقليدي يقول الدكتور السنوسي انه ليس ضد هذه الطريقة رغم ان نتائجها ليست مضمونة نظرا لغياب التشخيض الدقيق ويؤكد ان الجانب النفسي له دور كبير في التخلص من الآلام.