*حوار: فاطمة بن عبد الله الكراي نيويورك الشروق: كأنه والد الجميع... رغم أن سنه لا يوحي بأنه أكبر من هذا السفير العربي أو ذاك داخل المنتظم الأممي... مرهف الحسّ... مهموم بالقضايا العربية... مرهف في لبنانيته وفي عروبته لا يتوانى في التحرك تجاه هذا السفير الغربي او ذاك الافريقي او نظير له آسيوي، يشرح القضايا العربية، ويكشف النقاب عن سرّ «تعطل» القضية الفلسطينية في نيل شعب استقلاله كما شعوب الدنيا... على خط النار وزملاؤه العرب، يعيش ويقبض على الجمر باتجاه البحث عن شرفاء يملأون العالم، لكن مهمة «التنقيب» عنهم تبدو صعبة في «نيويورك» وفي الأممالمتحدة بالذات... مازال الرجل مؤمنا بالفعل العربي المشترك، ومازال على يقين ان الشرفاء لم ينقرضوا من هذا العالم رغم تغير وجه العلاقات بين الدول، ورغم تبدّل من تبدّل وتراجع من تراجع... شديد الحركية في رحاب الاممالمتحدة من زمن فات وليس الآن حين أصبح سفيرا للجامعة العربية بالأممالمتحدة... ابتسامته فيها من المرارة والغضب المستور ما يجعله في غير حاجة الى غضب ظرفي زائل... فالأفضل بالنسبة له ان يكون الهاجس ساكنا فيه، وأن يظهر جزء من الهاجس القومي على محيّاه، أفضل من أن يراوح وقتا بوقت، وردهة بردهة... هكذا هو د. يحيى المحمصاني، لا يشكو كثيرا ولكنه يعمل كثيرا... هو رجل عمليّ، النشاط ديدنه، والعمل عى معرفة «الناس» في الأممالمتحدة سبيله... قارئ ومتابع جيّد وهو أيضا محاور جيد «للآخر» ولأهل بيته... لا يغيب عنه ملف في المنتظم الأممي، ولا يبخل في اسداء نصيحة العارف ونصيحة المجرب لكل من يريد ان يقف على أسرار وخبايا العمل الأممي في نيويورك... هو من ذاك الجيل الذي آمن وعمل من أجل ان يحافظ العرب على حلفائهم، وتجده بكل صفات العارف يعزف عن الكلام «الرنان» ويميل الى ما ينفع الناس... كان فاعلا في الماضي، لما كان يمثّل وطنه الصغير في قرارات مصيرية ومشرفة للأمة وللعرب، حين كان يتعاون مع المجموعات المماثلة لنا مثل افريقيا والميز العنصري وآسيا وسبل التنمية والجنوب ومبدإ عدم الانحياز... له صيت بين الغربيين من مسؤولين بالأممالمتحدة الى سفراء، لانه محاور مقنع وصاحب أسلوب براغماتي مؤسس على المبدئية... «الشروق» تستضيف الدكتور «يحيى المحمصاني» في «حديث الأحد» ليكشف لنا جزءا من الفعل العربي داخل الأممالمتحدة... فقد تحدث عن فلسطين وعن العراق، بوصفهما «حديث الساعة» في الأممالمتحدة، لكن البداية كانت اجابة عن سؤال حول هذا التحرك الحثيث الذي تقوم به اسرائيل وحلفاؤها، لاستصدار قرار حول معاقبة كل من يعادي السامية وفي عرف هؤلاء كل من ينقد اسرائيل على جرائمها الاستعمارية ويطلب من الاممالمتحدة والمجتمع الدولي التحرك لجبر اسرائيل للايفاء باستحقاقات لديها تجاه اتفاقيات جنيف الرابعة، هو بالضرورة معاد للسامية... * قلت لمحدثي: ما قصّة هذا القرار الذي تسعى اسرائيل لاستصداره بخصوص ما يسمى معاداة السامية... هل أصبحت الاممالمتحدة اليوم وبعد ان انشئت دولة اسرائيل، مرتعا لاهواء هذا الكيان الاستعماري؟ نحن هنا نتعامل ضمن مؤسسة حكومات وليس مع رأي عام دولي، يمكن ان يقول كلمته في انتخابات... رغم هذا، ولما بدأ الحديث عن طرح اسرائيل حول معاداة السامية، وقفنا كمجموعات عربية واسلامية وعدم انحياز، لنضح شرطا لتمرير هذا القرار، بأن يكون موازيا له قرار أممي اسمه «إسلامو فوبيا» أي «Anti Islamisme» انطلاقا من هذه المظاهر التي بدأنا نلمسها بعد الحادي عشر من سبتمبر عندما سحب سفير ايرلندا مشروع القرار والآن نحن نعلم انهم يحاولون مرة أخرى مع الدانمارك... الرئيس الموالي... نحن ننطلق من النقطة التي انتهينا بها عند القرار الذي سحب من ايرلندا، وقد عملت الدول العربية والاسلامية ومجموعة عدم الانحياز هنا في الأممالمتحدة، وكوّنت جميعها كتلة هائلة قوية تصدّت لمشروع القرار وستعمل الآن في نفس النقطة من أجل منع زجّ موضوع اللاسامية في الاطار السياسي، فنحن نعمل على أساس أولا نحن ساميون، ولا نرى كيف تدّعي جهة أنها هي التي تمثل السامية في الكون دون غيرها، وثانيا نحن نعمل على بلوغ هدف أساسي من طرح هذا الموضوع، وهو التصدي الى مثل هذه المحاولات الاسرائيلية التي تهدف الى طمس القضية الفلسطينية... لقد رأينا كمجموعة عربية وكذلك اسلامية وعدم انحياز، انه من غير المقبول ان ندع اسرائيل تدّعي مثل هذه الادعاءات التي تحوّل أي نقد أو مساءلة عن ممارساتها الاستعمارية والقمعية في الاراضي المحتلة، الى تهمة بمعاداة السامية... ان اسرائيل تحاول ان تعمل بجميع السبل من أجل تعقيد الأوضاع، والتفصي من مسؤولياتها كسلطة احتلال، وتتخذ غطاء اللاسامية لتحجب عن العالم والرأي العام العالمي انتهاكاتها للقانون الدولي. * عندما ننظر الى المشهد الأممي اليوم من حيث علاقات الدول الأعضاء ببعضها البعض وعلاقاتها مع الشرعية ونقص الميثاق والقرارات الأممية، نجد ان كلمة «رحم الله زمانا»... يمكن ان تنطبق بشدة على زمن دولي فائت اسمه الثنائية القطبية. وبما أنكم على ما يبدو تعملون كمجموعة عربية على خط النار، نار الأحادية القطبية ونار العجز الأممي، الذي سببته هذه الاحادية فهل انتم متفطنون الى هذه التداعيات السلبية على القضايا العربية، وكيف تدرؤون أخطارا وتكشفون اخرى هنا من هذا المنتدى الأممي؟ نعم، كمجموعة عربية متفطنون لهذا الأمر بكل جوانبه، ونعمل بجهد لتطبيق القرارات الأممية الخاصة بفلسطين، لان تلك القرارات هي وحدها التي بقيت يتيمة ولم تطبق من اسرائيل... لكن المشكل الذي نعاني منه هو نفسه الذي نعاني منه في الحياة الدولية العامة خارج هذا المبنى، وهو هذا الاطار العالمي الجديد... اسرائيل محمية وعندها مناعة في مجلس الأمن الآن وتحميها دولة عظمى. فهذه الحماية التي لا تخفى على أحد، والتي تتمتع بها اسرائيل، هي وحدها التي تمكنها من ابطال اي قرار أممي ضدّ اسرائيل يحاسبها على أفعالها داخل الاراضي المحتلةالفلسطينية والعربية... ان اسرائيل لا تنفّذ القرارات الأممية... واسرائيل متيقنة ان لا قرار في القضية الفلسطينية اتخذ او سيتخذ مستقبلا وفق الفصل السابع كما الشأن بالنسبة للعراق، لماذا؟ لأن لاسرائيل «فيتو» يحميها قبل اتخاذ أي قرار، هذه معضلة نعاني منها داخل الاممالمتحدة، لذلك نحن نلجأ الى الجمعية العامة للامم المتحدة أين يكون الاعضاء ال191 سواسية ولكل عضو صوت فقط، فبسبب عقم مجلس الامن الدولي نلجأ للجمعية العامة لاصدار قرار ضد العدوان الاسرائيلي المتواصل... ففي الجمعية العامة مثلا، أمكن لنا ادراج قرار ادانة صوّتت لفائدته الأغلبية، حول جدار الفصل العنصري... هذا الأمر ما كان ليتم في مجلس الامن الدولي... * في المسألة العراقية، وجدتم أنفسكم كجامعة في نفس البوتقة التي وجدت فيها نفسها الاممالمتحدة، حرب على العراق خارج اطار الأممالمتحدة ثم تعامل من جديد مع القضية العراقية من نافذة انقاذ ما يمكن انقاذه وبقطع النظر عن سؤال مركزي هنا يمكن ان يُزفّ الى مسؤول أممي حول تكريس سياسة الامر الواقع المعتمدة على اللاشرعية فاني أسألك كسفير للجامعة العربية بالأممالمتحدة، عن الدور الذي هو مطلوب منكم كعرب لعبه تجاه العراق؟ نحن نعمل كجامعة عربية ضمن إطار العمل العربي المشترك وانطلاقا منه، نعمل وفق مقررات القمة العربية ومقررات مجلس الجامعة العربية (وزراء الخارجية) ونحن هنا نعمل على تنفيذ تلك القرارات... فقد كانت هناك قرارات واضحة عندما تكلمنا عن الحرب على العراق... ولم نختلف في أنّها حرب خارج نطاق الأممالمتحدة... الآن وفي هذه المرحلة الجديدة، نتمنى للشعب العراقي ان يحصل على سيادته ليبقى العراق عربيا فاعلا في اطار جامعة الدول العربية... نحن الآن نتطلع الى موعد 30 جوان القادم، اليوم الذي يتسلم فيه الشعب سيادة وسلطة بلده... ونحن هنا نثمّن الاتفاق الذي تم في مجلس الحكم من أجل دستور مؤقت وتمكين الشعب العراقي من انتخابات تؤدي الى حكومة شرعية، ان الجامعة العربية مهتمة جدّا بالشأن العراقي فقد بعثت الأمانة العامة وفدا أمكن له مقابلة نحو 600 شخصية عراقية في العراق. * الملاحظون متفقون، سواء كانوا عربا أو أجانب، ان سرّ اللعبة الكبرى التي تحاك للمنطقة برمتها تبدأ بالسيطرة على العراق... وبالخوف أحيانا وبالخنوع الطوعي احيانا اخرى، يمكن ان يأتي العرب تباعا... فهل لديكم كعرب هنا موقف مبلور من التصورات التي بدأت تتقاذفها العواصمالغربية يمينا ويسارا للمنطقة العربية؟ موقفنا واضح وضوح الشمس، المبادرات والمشاريع التي تأتي من الخارج بدون استشارته (الطرف العربي) لا يمكن ان تثمر، لكن أضيف أن تطور العمل العربي المشترك ينبع من داخل الوطن العربي، وفق معطياته التي بها يعيش والتحديات التي يمر بها الوطن العربي ذاتيا، آخذين بعين الاعتبار تاريخ الأمة وحضارتها... اذ لا يمكن لاي نظام يفرض من الخارج ان يستمر... فسيكون الفشل حليفه... نحن نعلم وأصحاب المشاريع التي أشرت لها يعلمون ان الديمقراطية لم تسكن اوروبا بعملية «ضغط على الزّر» بل هي نتيجة تفاعلات داخلية، كما الشأن في الولاياتالمتحدةالامريكية فالديمقراطية لم تترعرع الا بالمراكمة في التجربة والتنظير والحلول الداخلية... نحن بلا شك مع تطور النظام العربي بشكل يتلاءم مع محيط العالم العربي وعاداته وتقاليده، لذلك نجد ان مشروعا مثل «الشرق الاوسط الكبير» لا يمكن ان يثمر اذا لم يكن نابعا من المجتمع العربي نفسه ويكون وفقا لحاجاته ومتطلباته. * الاعلام هو وسيلة خطيرة ومصيرية في هذا البلد الذي تقبع فيه الاممالمتحدة، كمجموعة عربية مكونة من سفراء الدول وكممثلية ديبلوماسية لمؤسسة الجامعة العربية أين اعلامكم من اين يبدأ وباتجاه من يسير هذا ان وجد لديكم اعلام او خطة اعلامية في هذا المشهد المعقد بالمشاريع والمشاريع المضادة وبالحقائق والحقائق المضادة؟ طبعا نحن مهمتنا الأساسية هنا هي العمل الديبلوماسي واعلامنا يتم ويمر عبر أجهزة اعلام المنتظم الأممي، اعلامنا موجه الى الدول الغربية وبقية الدول الاعضاء في الأممالمتحدة وأمريكا وآسيا وافريقيا، نحن نوجه اعلامنا الى الذين لا يماهوننا في المواقف لاعتناق وقبول عدالة قضيتنا... لكني أقول أيضا ان جزءا من هذه المسؤولية هو ملقى على اعلامنا العربي، حتى يفصل الحق عن الباطل في كل ما يشاع ويروّج حول قضايانا المصيرية وأوّلها قضية فلسطين... * في مسألة الضغوطات... وأنتم كمجموعة عربية تعيشون هنا على خط تماس الفعل الأممي «الجديد» والارادة الدولية «الجديدة» هل تمارس عليكم ضغوطات... وممن تأتيكم هذه الضغوطات وكيف تتعاملون معها، ان وجدت بالطبع، ونحن على يقين تقريبا أنها موجودة؟ (يبتسم د. المحمصاني) ثم يردّ: الضغوطات في العمل الديبلوماسي هي جزء من الواقع والعمل هنا... فهنا تتم محاولات الثني على التصويت على قرار او محاولات الدفع الى التصويت عليه... لكن الضغوطات بالمعنى المتعارف عليه في العلاقات بين الدول فلا أعتقد انها تأتينا مباشرة... فنحن هنا لسنا مصدر قرار، بل عواصمنا هي التي تصدر التعليمات حول هذا الموقف أو ذاك... وأنا قلت لك منذ البداية في جواب فائت، اننا نمثل مؤسسة العمل العربي المشترك ونطبق قرارات القمة العربية (كمؤسسة) وقرارات مجلس وزراء الجامعة العربية، نحن طبعا في مهمتنا، نتشاور مع العواصم دائما والمواقف هنا تنقل الى العواصم العربية والى الجامعة العربية... وأهل البيت هم أدرى بشؤونه في النهاية. نحن هنا نعرف ونقدّر الأمور... نعرف ما يمكن الحصول عليه وما لا يمكن...