ملف التسفير إلى بؤر التوتر: حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    الرابطة الأولى (الجولة 28): صراع مشتعل على اللقب ومعركة البقاء تشتد    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    نسق إحداث الشركات الأهلية في تونس يرتفع ب140% مقارنة بسنة 2024    أعوان وإطارات المركز الدولي للنهوض بالاشخاص ذوي الاعاقة في اعتصام مفتوح    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    لأول مرة في التاريخ: شاب عربي لرئاسة ريال مدريد الإسباني    تشيلسي يهزم ديورغاردن 4-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    زاراها قيس سعيد...كل ما تريد معرفته عن مطحنة أبة قصور في الكاف    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    رئيس الجمهورية في عيد العمّال: الشغل بمقابل مع العدل والإنصاف    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الأحد: الأمين العام المساعد للأمم المتحدة «شاشي ثارور» ل»الشروق»: الأمم المتحدة مرآة عاكسة لإرادة الدول: فكيفما كان العالم تكون المنظمة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


حوار فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي
نيويورك «الشروق»:
يبدو في مظهره شاب قادم من الهند.. فسمة الحضارة الهندية تبدو جليا على ملامحه.. بمجرد أن يتكلم وفي أي موضوع تبسطه أمامه، تتأكد ان للرجل تجربة وباعا لا في الحقل الأممي فقط، بل في الحضارة له باع، وفي الفكر له باع وفي القانون الدولي له باع أكاديمي هذه المرة.. عندما التقيناه كمجموعة صحفيين عرب، وكان ذلك يوم افتتاح الملتقى الذي دام أسبوعا بمقر الأمم المتحدة، عرف الرجل كيف يتعامل مع الأقلام العربية الحاضرة.. فكان خطابه السياسي عميقا وخطابه الفكري فيه من نيّة الجدل بالفكرة والانصات إلى الرأي والرأي المخالف ما يجعلك تعتقد أو بالأحرى تتأكد أن كوفي عنان، وإذا ما كتب له أن يواصل مسيرته على الأمم المتحدة في ظل صعاب لم يرها الأمناء العامون من قبله، فلأنه يعمل مع مستشارين ومساعدين من طينة السيد «شاشي ثارور» (SHASHI THAROOR) الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد للاتصال والإعلام بالمنتظم الأممي.. بعد أن تحدث عن صلة الأمم المتحدة بالإعلام في العالم، وعن صورة الأمم المتحدة لدى الرأي العام العالمي والعربي بالخصوص، بعد زلزال العراق وتعثر المسارات في قضية فلسطين، كان ل»الشروق» حوار خاص تنفرد بنشره.
استقبلني في مكتبه بعد ثلاثة أيام من أول لقاء لنا معه كصحفيين عرب، وقد كان حليما في تقبّل ما أمكن لي أن أصوغه من أسئلة حول الفعل الأممي في العراق وفي فلسطين.. سألته أيضا عن الأمن الجماعي الذي كان في «أمان» من مخالب الخرق والاعتداءات على القانون.
بعد أن بيّنت لمحدثي وهو المسؤول الأممي الذي لم يأت صدفة إلى هذا الجهاز العالمي، كيف أن الأمم المتحدة كانت في فلسفة طلاّب الحرية والانعتاق هي الملاذ وهي الحاضن لمبدإ الاستقلال، أضحت اليوم، ومن خلال مسار الأحادية القطبية الذي عمّ العلاقات الدولية، يدا تجيّر للاحتلال بل وتنقذه في المساءلة ومن استحقاق منوط بعهدته، مثلما هو الآن شأن الأمم المتحدة في العراق.
قلت لمحدثي إذن:
في الأمم المتحدة.. ونحن الآن في رحابها ماديا، والقضايا الساخنة الآن في رحابها معنويا، تطفو فكرة فيها تناقض، على سطح الأحداث: فبعد ان كانت مهمة منظمة الأمم المتحدة الأساسية تصفية الاستعمار ومساعدة الشعوب والدول على نيل استقلالها اضافة إلى مهمتها في نشر مبادئ حقوق الإنسان وثقافة حق الشعوب في تقرير مصيرها، ها أن المنظمة وبكل آلياتها التي سخرت في زمن فات لتخليص الشعوب من الاستعمار، تصبح الآن في آخر عربة للقطار.. بل مطلوب منها أن تبصم على واقع لم تسهم فيه وهو واقع غير شرعي بالأساس. وهنا طبعا أشير إلى استثناء الولايات المتحدة منظمة الأمم المتحدة حين ذهبت (واشنطن) إلى الحرب على العراق واحتلاله، وكيف رجعت واشنطن الآن تستنجد بالمنتظم الأممي؟
لك الحقّ في تعليقك الذي ذكرت، فنحن كل هذا وأكثر. ففي سنة 1945، وكل من ليس له «أب» من بلدان المعمورة ويعاني من ظلم الاستعمار وجد في المنتظم الأممي سندا له.. وكل من ليس له «أم» وقتها تساعده على الاستقلال، يلجأ إلى رحاب الأمم المتحدة.. نعم، الأمم المتحدة ساهمت بقوة في تصفية الاستعمار في العالم.. وقد كانت الارادة الدولية تكبر شيئا فشيئا باتجاه تمكين شعوب عدة في استقلالها. لكن تجدر الإشارة إلى أننا بدأنا منظمة أممية في 1945 بواحد وخمسين دولة، لنصل اليوم إلى 191 دولة عضو في هذه المنظمة.. وهذا الانتقال من رقم إلى رقم، في مدة تتجاوز الخمسين سنة بقليل، دليل آخر على الفعل الأممي الذي ذكرت، وهو المساعد دولا وشعوبا على نيل الاستقلال. لقد مكنت هذه النقلة النوعية عديد الدول من الحرية والديمقراطية وطرد الاحتلال.
إن منظمة الأمم المتحدة تهيء الأرضية لكل طلاب الحق والعدل يستشفون من ميثاق الأمم المتحدة ومن قوانينها مسارهم النضالي نحو الحرية والانعتاق.. لكن نحن أيضا كمنظمة لسنا سوى عنصر فاعل من ضمن «اللاعبين» نتصرف في حدود الوفاق الدولي وفي نطاق الارادة الدولية، أي إرادة الدول الأعضاء. نحن نتصرّف بحرية أكبر كمنظمة في مجالات حقوق الانسان ونعمل باستقلالية كأمانة عامة، لكن هذه الاستقلالية لا تمكننا من العمل خارج نطاق ارادة الدول الأعضاء. وفي هذا المجال نحن صوت شعوب العالم حتى يتمكنوا من تحقيق آمالهم في مجالات عديدة.. وهنا أقصد المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة.
بالنسبة للعراق، وأعرف أنك تقصدين بسؤالك وضع العراق تحت الاحتلال ومسألة الحرب، أقول إننا حزانى ليس للاحتلال فحسب، بل حزنا لاندلاع هذه الحرب (منذ سنة) وكذلك ما سبق الحرب.. لكن في الآن نفسه لا يجب أن ننسى أن احتلال الكويت هو الذي جلب مثل هذه الأحداث.
* لكن التاريخ لا يبدأ من يوم 2 أوت 1990، فهذه مغالطات سياسية، فهل تظنّ ان الولايات المتحدة الأمريكية استهدفت العراق على مراحل وبكلّ هذه الشراسة، من أجل الكويت؟ طبعا هذا غير صحيح، وإلا ما كانت واشنطن اضطرت لتذهب إلى الحرب بدون ترخيص في مجلس الأمن الدولي؟
لا ننسى هنا، بالنسبة للحرب، ان أغلبية البلدان لم تقبل قرار الحرب، وان مجلس الأمن الدولي لم يصدر قرارا للحرب.. لقد انتهى الحوار الذي طال لجلسات عديدة داخل مجلس الأمن إلى عدم اتفاق.. لكن الحرب حدثت فعلا وهذه حقيقة. وبين القرار 1483 والقرار 1510 نجد أن هناك تحولا في الفكرة تجاه العراق.. إذن من الحرب والاحتلال إلى التفكير في استقرار العراق والمنطقة.. في القرار الأممي الأخير نلاحظ حرصا دوليا يترجمه القرار حتى يوضع الماضي على حده والتفكير في مستقبل العراق واستقرار المنطقة برمتها.. وهو عامل يهم الجميع ومصدر وفاق بين الدول، والدليل توفق مجلس الأمن من اتخاذ قرار جديد تجاه العراق.
* لكن مرة أخرى، نلمس أن هناك قوة معينة في العالم تضع المشهد برمته قيد تصرفها وخياراتها، فعندما تريد الحرب تنجز الحرب وعندما تريد التخلّص من آثارها يكون لها ذلك. لكأن مجلس الأمن أضحى هو وكل الأمم المتحدة في خدمتها؟
الذي أراه من خلال هذا التدرج من قرار إلى آخر حول العراق، هو ان الدول المعنية في مجلس الأمن لم تعد تحتمل عدم الاتفاق في ما بينها، حتى لا ينقسم المجتمع الدولي. وإذا انقسم مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي فإننا لا نربح شيئا. إذن لا يمكن أن ننظر إلا للمستقبل.. لذلك توجب اقامة حوار بين الذين حاربوا في العراق والذين رفضوا الحرب عليه. وهذا فيه مصلحة للعالم وللأمم المتحدة من خلال هذا المنظار نحن نرى الوضع من منظار ان الحلفاء يرون أنهم ربحوا الحرب وبالنسبة لنا نعمل على أن يربح الشعب الشعراقي.
* بمناسبة تقديمك لطيّ صفحة الماضي القريب، أي صفحة الحرب، لماذا لا ننادي بنسيان قبل الأمس أولا، مثل مسألة الكويت، فهل نسينا غزو الكويت حتى تطلبوا أن ننسى حرب الأمس (العام الفارط) على العراق وتدميره وإدخاله تحت طائلة الاحتلال؟
أفهمك.. وأفهم مشاغلك، لكن نحن مجبرون على الوعي بالحقيقة الجغرافية السياسية... نحن اعتقدنا أنه أفضل أن ننظر إلى المستقبل لذلك من الأفضل أن ننسى.
* أليست هذه سياسة مغامرة، هذه التي دفعت بالعالم دفعا نحو الحرب على العراق، والآن تدفع بالعالم من جديد ليصلح ما افسده الاحتلال والحرب... فالامريكيون حضّروا للحرب لكنهم لم يخططوا لما بعد الحرب، فلماذا تتولى المجموعة الدولية ممثلة في الامم المتحدة حل مشاكل واخطاء وسوء تقدير السياسة الامريكية؟
اخلاقيا ليس هناك خيارات سوى الوقوف الى جانب الشعب العراقي في هذا الظرف، وحتى اذا انتقدنا الاحتلال وطريقته في التعاطي مع الواقع فليس هناك ما يضمن ان الشعب العراقي سيستفيد... العراق الآن بحاجة الى خطوات ملموسة من اجل ان يحصل على سلطته التي مفترض ان تُسلّم اليه في 30 جوان القادم.
نحن كأمم متحدة، تعرفين ما نالنا في العراق، يوم 19 اوت الماضي، حين ذهب لنا ضحية التفجيرات عشرات الموظفين الاممين وعلى رأسهم السفير «ديميلو»... موظفونا لم يكونوا هنا لمساعدة الاحتلال، بل الشعب العراقي ورغم ذلك استهدفوا وتحوّلوا الى ضحايا.. هذه الايام ايضا (عاشوراء) قتل 150 شخصا، نعلم جميعا ان بينهم العديدين يرفضون الاحتلال.
اذن نتساءل: لماذا يقتلون هؤلاء وأولئك؟ لأنهم يواصلون السعي الى طموحات سياسية بوسائل دموية حتى يحدثوا حالة الانهيار التام في العراق...
بالنسبة لنا يجب الانتهاء من الاحتلال حتى لا نترك للذين يقتلون الفرصة من جديد... لا يجب ان نترك لهم المبرّر.
* الآن انتقل الى سؤال قانوني لمسؤول سام في الامم المتحدة: نحن نعلم جميعا ان نظام الامن الجماعي تعرّض الى ضربة خطيرة قد تكون قاصمة هذه المرة بمناسبة هذه الحرب التي شنّت على العراق بتعلات واهية، وقد بدأ الخرق لهذا النظام منذ الحرب الاولى على العراق، على اعتبار ان الحرب الاولى لم يكن قائدها مكلفا من مجلس الأمن، فهل تشعرون بهذا الامر وهل انتم على بيّنة من هذا الخطر الذي يؤسس لمرحلة جديدة بلا ضوابط ولا مرجعية؟
نعم هناك ازمة وهناك اسف ايضا. لقد تحدث الامين العام السيد كوفي عنان في سبتمبر الفارط حول المسائل الجوهرية فقال: ان بعض الدول تفكّر وتعتقد انها تستطيع ان تذهب الى الحرب بدون مجلس الأمن والأمم المتحدة، لكن الواقع يقول غير ذلك. فالذي ذهب الى الحرب بلا امم محدة رجع يطلب حضور الامم المتحدة لفترة ما بعد الحرب. فهذه سابقة وهي الفوضى ولكن لا يجب ان نتركهم هكذا بلا جواب... يجب ان نحمي نظام الامن الجماعي، ولا نترك الارضية والمشهد لأى طرف يجرّب فيه آراءه وخياراته... طبعا اذا كانت هناك اطراف لا تريد ان تعمل معنا، فهل يمكن ان نجبرهم على احترام الميثاق؟
لذلك وبعد شهرين شكّل الأمين العام مجموعة من الحكماء مؤلفة من 16 شخصية برئاسة وزير اول اسبق «لتايلاندا» وذلك من اجل ان ندرس مشهد مجلس الامن الدولي منذ 45 سنة (نظام الأمن الجماعي) والأمين العام ينتظر ونحن معه، تقرير اللجنة ليقدّم الى الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها العادية القادمة، حتى اذا ما تحدثنا عن ازمة فإننا نعتقد ان هناك وسائل وارضية للحل.
* الولايات المتحدة الامريكية التي ادارت ظهرها الى الامم المتحدة تراها الآن تلتفت اليها بقوة، تستحث الامانة العامة والمبعوثين الامميين حتى يخرجوها من ورطة العراق، أليست هذه سابقة، تؤسس لها واشنطن، وهي تعتمد على منطق: اذا كنت قويا بما فيه الكفاية يمكن ان تفعل ما تشاء بإرادة العالم التي تختزلها الامم المتحدة؟ وهذا امر خطير.
هذا ليس سؤالا مكتملا... وليس له جواب نهائي... كل ما يمكن ان نفهمه سنراه من هنا الى اشهر قادمة... لا يجب ان نستبق الأحداث، نحن نرى الامور بشكل واضح... لكن واشنطن فهمت انه حتى اذا ربحت الحرب بمفردها لا يمكن ان تبني السلام بمفردها.
ان بناء السلام هو عملية تتطلب اطرافا اخرى في العراق رأينا مشكلة كيف يتم نقل السلطة والآن نحن بين ايدي القوى المختلفة في العراق..
السيستاني قال بضرورة اجراء انتخابات والامريكيون تفطنوا عندما وصلوا الى مأزق ان الامم المتحدة وحدها قادرة على المساعدة. السيستاني الذي رفض «بريمر» قابل «ديميلو» و»الابراهيمي» مؤخرا لقد استقبل السيستاني الابراهيمي كأخ وايضا كمبعوث للامين العام كوفي عنان.
لم يكن الأمريكيون قادرين على تجاهل الوزن الذي عليه الأمم المتحدة.
أقول نحن نمثّل الكرسي الديبلوماسي، ووفق ذلك نحن نتحكّم أين نضع الكرسي ومن الذي يجلس عليه.. هذا هو الثمن.. حتى وإن كنت أكبر قوّة في العالم، فإنك تحتاج إلى الأمم المتحدة ولا يمكنك الاستغناء عنها. هناك وجهة نظر على طرفي نقيض هنا في ما يخص الأمم المتحدة وعلاقتها بالقوة الأكبر في العالم، فإذا كانت الأمم المتحدة مستقلة فإنها تستطيع أن تعكس فعليا إرادة الدول والمجتمع الدولي برمته، أما إذا كانت منظمة الأمم المتحدة غير مستقلة فإنها لن تصلح لتحقيق أمنيات القوّة الأعظم.
* هذه الأيام طفت على سطح الأحداث الأممية، مسألة التنصّت على مكالمات الأمين العام للأمم المتحدة قبيل الحرب على العراق، وقد فجرت هذه الحقيقة وزيرة سابقة في حكومة بلير.. وقامت بهذه المسألة الاستخبارية الخطيرة على مهمة الأمانة العامة، الاستخبارات البريطانية، فهل يكفي أن يصرّح الأمين العام أو أحد أعضائه بأن المسألة إذا صحت، فإن الشعور بالأسف أو بخيبة الأمل هو الذي يحدوكم؟
نعم هناك شيء من الخيبة إذا كان الأمر حقيقة.. إذا صحّ الأمر وتأكدت تلك المعلومات الواردة في التصريح الذي باحت به الوزيرة المعنية، فإننا نشعر بالخيبة الشديدة.
فالكلام صدر عن وزيرة، ووفق مسؤوليتها التي تتحمل، فنحن مجبرون على أخذ تصريحها بعين الاعتبار.. فالمسألة هنا تطرح أيضا من زاوية، ان كل الذين يتخاطبون مع الأمين العام عبر الهاتف، من رؤساء دول وحكومات ومسؤولين في العالم، أن يكونوا متحرجين من عملية التنصت هذه. فالتنصت على مكالمات الأمين العام يعني أن ما يقوله الأمين العام لمخاطبه، يوجد كله لدى طرف ثالث غيرهما، وفي نفس اللحظة.. وبطرق غير شرعية.
بالنسبة للأمين العام المكالمات هي وسيلة عمل أكيدة وضرورية ولا يجب أن تخضع، بأي حال من الأحوال، إلى مثل هذه الممارسات.
* لكن هل حاولتم معرفة حقيقة الأمر والدوافع من الحكومة البريطانية حول تلك الممارسة؟
ليس هناك حكومة واحدة في الدنيا تعترف بممارسات جهاز استخبارات أو تتحدث عنه. لأن القاعدة تقول: «إذا قبلنا مرة، مهما يكن الموضوع الذي قبلناه في هذا الصدد، فإن المستقبل كله يكون مبنيا على الشكوك والشكوك المضادة.. لذا فالطريق الوحيد هو الصمت، باعتقادي، بحيث لن يفنّدوا ولن يؤكدوا الخبر.
* لكن سياسيا، هل دخلتم في حوار ثنائي مع بريطانيا بعيدا عن عيون الصحافة؟
البريطانيون على علم بموقفنا ونحن لدينا نظام حماية أمني.. الآن سوف ندعّم هذا النظام الأمني ووسائل حماية أمننا لكن لسنا على ثقة أن الآخرين لا يعرفون. هذه تكنولوجيا متطورة جدا، ما يمكن أن نفعله هنا من الداخل أمر ممكن، لكن من الخارج (أي عندما تأتي المكالمات من الخارج) ليس بإمكاننا التدخل أو الحماية.
* تعودنا أن ننظر إلى الأمم المتحدة أيضا، كحاضنة للأخلاق والمبادئ العامة التي راكمتها جل الحضارات الانسانية التي أتت أفعالا ترسخت عبر التاريخ، فكيف يمكننا باعتقادك، النظر إلى هذا المنتظم الأمي في ظل هذه الهزات العنيفة التي مسّت الشرعية والقانون وميثاق الأمم المتحدة؟
ما أقوله هو ان الأمم المتحدة هي فعلا مرآة عاكسة لإرادة الدول وستبقى كذلك مرآة عاكسة لتطلعات الشعوب.. نحن ننتظر بصدق، تقرير مجلس الحكماء الذي تحدثت عنه آنفا، سوف يقدمون تقريرا فيه جرد وكشف لواقع الأمم المتحدة طوال 58 سنة. هذا الأمر سوف يوفر لنا أفكارا جيدة ومهمة.. فهم (الحكماء) يعرفون ماذا يجب أن يفعل وما لا يجب فعله.. لقد كانت لأعضاء هيئة الحكماء التي عينها الأمين العام مسؤوليات وطنية ودولية ونحن ننتظر منهم «المشورة» والمقترحات والتوصيات.
ودّعت محدثي، وقد كان مبتسما، وكأنه أراد أن يسأل هل كانت أجوبته مقنعة، لكنه عدل على ما يبدو، وأطلق أمنية، أن يكون توفق في الاجابة على أسئلتي.
تركت السيد شاشي في مكتبه المطل على نهر «هدسون» الملاصق لمبنى الأمم المتحدة، وقد رأيت في تقاسيم وجهه الدهشة وأنا أسأله عن دراسته، فقال: درست في الهند ثم في الولايات المتحدة الأمريكية اختصاص قانون دولي.
لكن الرجل كاتب لثمانية كتب، ومؤلف لثلاث قصص أدبية بالفرنسية حول الهند وحياة أهل الهند إثنان منها لها طابع هزلي والثالث قصة أدبية جدية.. أب لولدين توأمين عمرهما 19 سنة، يدرسان في الجامعة بنيويورك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.