للمستشرقين مداخل شتى في عدائهم للاسلام وإلصاق التهم به... فأحيانا يقفون امام اصل من أصوله واحيانا أمام فرع من فروعه واحيانا يقفون امام الاسلام كله... وهم في كل مدخل من هذه المداخل يدفعهم دافع واحد هو الكيد لهذا الدين العظيم. ومن التهم الزائفة التي تتردد دائما على ألسنة المستشرقين الحاقدين على الاسلام والتي انخدع بها بعض أصحاب الثقافات الهشة من أبناء المسلمين ان الاسلام هو السبب الرئيسي لتأخر المسلمين وتخلفهم حيث استغلوا الضعف المزري الذي يخيم على واقع المسلمين الآن واخذوا يخلطون الاوراق لينفثوا أحقادهم ويشوهوا صورة الاسلام. الداعية والمفكر د. عبد العظيم المطعني الاستاذ بجامعة الأزهر يفند هذه الأكذوبة ويقول: لقد استغل المستشرقون هذا الواقع المؤسف الذي يعيشه المسلمون عسكريا وسياسيا واقتصاديا واخلاقيا واجتماعيا وعلميا وأخذوا يتهمون الاسلام بتهمة زائفة لا يقوم عليها دليل، بل كل الأدلة والبراهين الدينية والتاريخية تدحضها ولو أنصف هؤلاء المستشرقون وكانوا أمناء مع أنفسهم ومع الواقع لقالوا عكس ما قالوه، فسبب تأخر المسلمين المعاصرين هو تركهم العمل بالاسلام وبعدهم عنه. ويذكر د. المطعني عددا من الحقائق التي تؤكد خطأ المستشرقين فيما ذهبوا اليه أبرزها: ان الاسلام لو كان هو السبب في التأخر لصاحب هذا التأخر المسلمين في كل العصور والواقع غير هذا، فطوائف كثيرة من المستشرقين غير هؤلاء الحاقدين يعترفون بعظمة الاسلام وانه منهج حياة ومدنية لا مثيل له في جميع النظم السابقة والمعاصرة. ان المسلمين الاوائل لما كانت صلتهم بالاسلام وثيقة وعملوا بكل توجيهاته وارشاداته، واخلصوا التوجه الى الله حازوا قصب السبق في كل الميادين وصاروا روادا للبشرية في شرق الارض وغربها، ولا ينكر منصف فضل الحضارة الاسلامية على العالم اجمع، وخاصة أوروبا، فقد نهلت من حضارة الاسلام في الاندلس والعراق والشام وبين أيدينا صيغة خطاب من الملك جورج ملك بلاد الغال بعث به الى هشام أمير المؤمنين في الاندلس في القرن الرابع الهجري «العاشر الميلادي» وكان سمع بالنهضة العلمية والازدهار الحضاري للمسلمين، ورجا في هذا الخطاب ان يسمح له هشام بقبول بعثة علمية من بنات فرنسا، وكان من بينهن أميرات متوجات، لتلقي العلم في معاهد الأندلس على ايدي أساتذة عرب ومسلمين... و»كريستوفر كولومبس» مكتشف الامريكيتين يعترف بأن الذي هداه لهذا الكشف قراءته في كتب الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد. طلاّب ويورد د. المطعني شهادة لعالم غربي آخر يعترف فيها بفضل المسلمين على الغربيين في مجال العلم، هذا العالم هو «غريسيب» مدير جامعة برلين ورئيس فرع الطب بها حيث خطب في الطلاب المسلمين المبعوثين الى ألمانيا بمناسبة احتفالهم بالمولد النبوي وقال لهم حرفيا «إيها الطلاب المسلمون الآن قد انعكس الأمر، فنحن الاوروبيين يجب ان نؤدي ما علينا نحوكم، فما هذه العلوم الا امتداد لعلوم آبائكم فلا تنسوا ايها الطلاب تاريخكم وعليكم بالعمل المتواصل لتعيدوا مجدكم التليد، فما دام كتابكم المقدس (يعني القرآن) عنوان نهضتكم لا يزال موجودا بينكم، وتعاليم نبيكم محفوظة عندكم فارجعوا الى الماضي لتؤسسوا المستقبل ففي قرآنكم علم وثقافة ونور ومعرفة وسلام عليكم يا طلابنا اليوم، وان كنا نحن طلابكم بالأمس». المفكر الاسلامي د. محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية المصري يؤكد ان الاسلام بريء من هذه التهمة العشوائية التي يرددها بعض المستشرقين عن جهل وحماقة ويقول: حقائق التاريخ تبين بما لا يدفع مجالا للشك ان الاسلام قد استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوره ان يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزير في شتى مجالات العلوم والفنون وتضم مكتبات العالم آلافا مؤلفة من المخطوطات العربية الاسلامية وكلها تبرهن على مدى ما وصل اليه المسلمون من حضارة عريقة تضاف الى ذلك الآثار الاسلامية المنتشرة في كل العالم الاسلامي، والتي تشهد على عظمة ما وصلت اليه الفنون الاسلامية وحضارة المسلمين في الأندلس، وما تبقي من معالمها حتى يومنا هذا شاهد على ذلك في أوروبا نفسها، وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين وكان ذلك هو الأساس الذي بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة. ويوضح د. زقزوق أن تخلف المسلمين اليوم لا يتحمل الاسلام وزره، لان الاسلام ضد كل أشكال التخلف وعندما تخلف المسلمون عن ادراك المعاني الحقيقية للاسلام تخلفوا في ميدان الحياة، وقد عبر المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي عن ذلك تعبيرا صادقا حين قال: «ان التخلف الذي يعاني منه المسلمون اليوم ليس سببه الاسلام، وإنما هو عقوبة مستحقة من الاسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين» فليست هناك صلة بين الاسلام وتخلف المسلمين. ويضيف: لا يزال الاسلام وسيظل منفتحا على كل تطور حضاري يشتمل على خير الانسان، وعندما يفتش المسلمون عن الأسباب الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا الاسلام من بين هذه الأسباب، فهناك أسباب خارجية ترجع في جانب كبير منها الى مخلفات عهود الاستعمار التي أعاقت البلاد الاسلامية عن الحركة الايجابية، وهذا بدوره بالاضافة الى بعض الاسباب الداخلية أدى أيضا الى نسيان المسلمين للعناصر الايجابية الدافعة لحركة الحياة في الاسلام.