* بقلم: محمد الصادق منصور ماجستير: تاريخ وسيط وحديث أستاذ اول رجيشتونس نواصل نشر هذه الدراسة القيّمة حول المسألة العراقية للاستاذ محمد الصادق منصور وفيما يلي الجزء الرابع والاخير. III) أزمة الخليج الثانية وانعكاساته الآنية 1) السياسة الخارجية الأمريكية كقوة متفردة بالنفوذ اذا كانت السياسة الخارجية الأمريكية ومنذ تأسيس هذه الدولة وحتى نهاية فترة الوفاق الدولي تنطلق من المفاهيم الواردة في النظرية الوضعية بشكل عام خاصة مبدأي «القوة والنفوذ» يوضحهما تاريخ هذه الدولة الحافل بالتدخل إما السياسي او العسكري في شؤون دول العالم الاخرى منذ 1789 الى 1969 تسجل هذه الدولة (211) تدخلا. وبإضافة ما حصل بين 1990/1970 قد تتجاوز الحالات 230 حالة إما بشكل مباشر او غير مباشر وعادة ما تقترن بربط علاقات مع فئات محافظة او تقليدية وفي تناقض صارخ مع مبادئ ثورة الاستقلال الأمريكية ومع مقتضيات العصر والخطاب السياسي الاعلامي الرسمي لهذه الدولة. واذا كان ذلك مبررا في السياسة الدولية في فترة الحرب الباردة والوفاق الدولي بحكم الصراع وتقابل الاستراتجيات بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي. ففي فترة التفرد بالقوة وادارة السياسة الدولية رغم قصرها جعلت العلاقات الخارجية الأمريكية وكما تبدو من خلال أزمة الخليج الثانية مزيجا من النظرية الوضعية والمثالية فإلى جانب «القوة والنفوذ» أضيفت «القوة الرادعة، الحلفاء الخارجين والعوامل المثالية الفردية» ففي اجتماع للجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي 20 نوفمبر 1967 وعلى سؤال مما هو واجب الولاياتالمتحدة في الخمسين او المائة سنة القادمة أجاب المؤرخ الأمريكي Henry Steele Commager... إني اعتقد ان واجبنا في المستقبل.. ليس الواجب الذي اضطلعت به بلاد الاغريق او ذلك الذي حملته روما وانما الاثنين معا. بحيث ان نمتلك من القوة العسكرية ما يماثل ما امتلكته روما في عصرها وان نقوم بما قامت به نحو الشعوب الضعيفة والفقيرة. وفي نفس الوقت ان نكون كالاغريق في امتلاك المعارف والقيادة في الابداع العلمي.. اذا ما عملنا ذلك فإن العديد من المشاكل والازمات ستختفي من طريقنا». اي العودة بالسياسة الدولية الى فترات ما قبل التاريخ الحديث تحول مظلم لعلاقات دولية تقوم على ارادة الفرد و الامة الواحدة في زمن تملأ فيه المفردات المؤكدة على حقوق الانسان وعلاقات التآخي والتسامح الحضاري بين الأمم جل كتابات الباحثين في مختلف البلدان مع استثناء مؤسسات البحث الأمريكية «أحد الأدوات الهامة في صياغة القرار السياسي في علاقة هذه القوة بالعالم) التي تصر على التنظير لمفهوم صراع الحضارات التي هي في حقيقتها نوع من إعادة تطوير مفهوم الصراع الديني التي سادت القرون الوسطى من خلال تغليفها (اقتصاديا واجتماعيا) بما عمقته النهضة الشاملة في القرن العشرين من تباينات في مستوى التقدم البشري بين الأمم. وباعتماد مثل هذا التمشي في العلاقات الدولية تبدو أزمة الخليج الثانية أزمة مفتعلة أمريكيا لتشريع هكذا تحول في العلاقات الدولية فيما هي الانعكاسات الآنية لهذه الأزمة؟ 2) انعكاسات الأزمة الآنية : يجمع الباحثون في مختلف مجالات المعارض الانسانية على ان اي عمل ابداعي انساني اذا ما وضع في غير مكانه فنتائجه سلبية بما في ذلك القوة ولا يستطيع اي كان انكار ان الولاياتالمتحدةالأمريكية قوة في مختلف الميادين ومن حقها ان تمثل ما هو عظيم في تصورها من مراحل التاريخ البشري ولكونها اختارت (بلاد الاغريق وروما) وهو اختيار صائب لأنه تماما يجسد ما تفعله فالامبراطورية الرومانية التي حملت في نظامها عناصر متطورة عن عصرها «النظام الجمهوري» الا ان هذا النظام لم يطبق الا في المركز وكان متأثرا بطموحات كونية مما أفقد النظام ككل الوعي بالعناصر «القومية» التي تتكون منها الامبراطورية وهذا ما يعبر عنه الضياع الذي عاشته قبائل وشعوب الامبراطورية التي يعتبر تاريخها هامشيا. فهل يعني ان الحياة مسموح بها للمركز أما الأطراف فعليها ان تكون دائما في الخدمة؟ ثم ان اختلاق الامبراطورية الرومانية الازمات بسبب او دون سبب من اجل التوسع مثالا يحتذى حتى يلعب الاعلام الأمريكي والدبلوماسية الأمريكية والرسميين وخاصة السيد كولن باول لدور السيناتور «كاتو» ويحول مجلس الامن الى «مجلس للسيناتوس الروماني» ليفضي كاتو بخطبه وهي كاذبة عن قرطاج الى تدميرها ويفضي دور السيد كولن باول وتقاريره الكاذبة لمجلس الامن الى تدمير العراق واحتلاله. لقد مثل سقوط قرطاج بداية لسلسلة توسعات رومانية فهل يعني سقوط بغداد بداية لسلسلة من التوسعات الأمريكية في المنطقة؟ كما ان سياسة روما عملت على أسر حنبعل وأسرت يوغرطة وكليوباترا وزنوبيا «ملكة تدمر»... فهل يعني وضع ياسر عرفات تحت الاقامة الجبرية وأسر الأستاذ صدام حسين بداية لمسلسل سيشمل شخصيات أخرى؟ إن ما فعلته روما كان في ظل محدودية انتقال المعلومة وفي ظل مرحلة من وعي البشرية دون المرحلة التي نحن فيها ولا أدل من ان الانعكاس الاول على مثل هذه السياسة بالمنطقة قد أتى من أبناء الشعب العراقي وما تمثله مقاومته من تصاعد يومي. أما الثاني فسيكون قطعا من داخل حلفاء الولاياتالمتحدة الذين سيجدون أنفسهم وتحت طائلة الاملاءات الأمريكية إما مكشوفين أمام شعوبهم او ملزمين بالدفاع عن مصالحهم الوطنية... ولعل التوجهات الأوروبية رغم عموميتها تؤشر عن بداية هذا التحول. أما الثالث فسيكون على المدى البعيد وداخل الولاياتالمتحدة اذ ان تحولا في المدى المنظور يبقى بعيدا انطلاقا من ان الولاياتالمتحدة قوة اقتصادية رغم بوادر تراجعها ومن أن سياستها الخارجية مستقلة عن سياستها الداخلية الا ان تهويل الخوف من الآخر (التركيز على الارهاب واستهداف الولاياتالمتحدة) سيدفع قطعا المواطن الأمريكي الى البحث عن الانفراج. فإلى متى يبقى النظام العربي بعيدا عن مثل هذه التحولات..؟ وماذا عليه ان يفعل حتى يتمكن من صيانة المصالح القومية وتوظيفها لفائدة العرب؟