أتى المناضل الكبير الطاهر لسود في الحلقتين السابقتين على ذكر أهم الأحداث التي مرّت به منذ طفولته إلى حدود إعلان الاستقلال الداخلي في 1 جوان 1955 والذي عقبته الدعوة إلى تسليم السلاح والالتزام بوقف المعارك ضدّ الفرنسيين من قبل الديوان السياسي، وفي هذه الحلقة يورد عم الطاهر تفاصيل الاتصالات التي جرت معه من أجل الحصول على موافقته على مبدإ وقف القتال والاعتراف بوثيقة الاستقلال الداخلي ويروي قصّة العلاقة مع الفدائيين الجزائريين في جبال أوراس... * إعداد : خالد الحدّاد يقول عم الطاهر... عندما كنت في مكثر جاءني البشير بن يحمد الذي لم يتعوّد القدوم إليّ على الإطلاق... جاءني في سيارته الخاصة قلت له : لماذا قدمت؟ قال أتيتُ للاستفسار عن أحوالك؟ قلت له : الآن بعد كلّ هذه المدّة...! فقال لقد جئتك وكلّفني الحزب والمجلس الملّي وسي الحبيب لكي أتصل بك ونتفاهم معاك... قلتُ له : ما هو المطلوب منّي ؟ قال لي : فرنسا ما تخرج كان بالدم لو كان ما تسلمناش الاستقلال الكل بعد فترة... فقلت له : الكيّاس هاهو مقابلني على بعد 2 كلم... انطلق بسيارتك وإلاّ واللّه واللّه لو كان إدّور رأسك جاي يا منتلك...!» فركب سيارته مسرعا وعاد من حيث أتى... واتصلت بالثوار في كامل الجهات.. لا حياة لمن تنادي الناس الكل سلّموا سواء منهم الذين هم في المدن والقرى أو في الجبال... الناس الكل رضخت لفرنسا وللإستقلال الذاتي... في ذلك الوقت لم يكن الجزائريون يرغبون في أن نسلّم أسلحتنا وأرسلوا لي مبعوثا وقالوا لي : هاهم 400 جندي على ذمّتك...» قلت لهم : ارتاحوا ماتدخلوش توّة إنجيكم...» وأشار عم الطاهر إلى أنه بقي معه 70 مقاتلا فقط وأنهم بقوا مع فرقة أولاد غيلان في ماجر شهرين كاملين بعد أن سلّم كل الناس أسلحتهم... أولئك رجال بالفعل... ليست لهم وشاية ولا قوّادة... حتى أنّه في إحدى المرات جاء ابني علي وولد عمي صالح يسألان عنّي فقالوا لهما : لا نعرف واحدا يحمل اسم الطاهر لسود ! اتفاق وتفاهم ويؤكد عم الطاهر أنّه في هذه الفترة ما يزال الزعيم الحبيب بورقيبة في المنفى وهو على تفاهم كامل مع صالح بن يوسف على التسليم وعلى الاستقلال الذاتي (الداخلي)... ويتساءل المتحدث عن سرّ هذا التسليم ويقول في الماضي كنا قد اختلفنا مع الحزب القديم بقيادة الثعالبي حول هذا الموضوع لماذا افترقنا عليهم إذن؟ الآن أصبحنا نحن هم الغرامطة؟» ويُواصل عم الطاهر «قلت للمجموعة التي معي سلّموا فذهبوا لسبيطلة وبقي معي ولد إمحمّد التومي الذي كان يكتب ويسجّل لي كل المسائل والذي مات في حادث. وقلت ل»البشير شلبي» ونسيبي محمّد كريد برّوا سلّموا أنفسكم وأنا باش نمشي للجزائر.. ويقول المتحدث عندما جئت إلى الجزائريين في جبل أوراس طلبوا منّي أن أبقى في الجبل وقالوا لي... أنت من الهيئة العليا... قلت لهم أنا لست قادما لأفتعل مشاكل معكم... أنا أريد أن أكون جنديا..! لم يكن الإخوة الجزائريين يفهمون كيف يمكن ل»الطاهر لسود» أن يكون مقاتلا في الميدان... وبعد نقاش دام شهرين معهم سلّموني عشيرة سوق هراس وكنت قائدا عليها... وذات يوم قدمت سيّارة تونسية وبها واحد فرشيشي وقال لي.. قال لك سي الحبيب عليك بالعودة والاستقلال هانا قد تحصّلنا عليه... وأنا كذلك سأعود كان ذلك في آخر أيّام التفاوض مع الحكومة الفرنسية في حكومة الطاهر بن عمار الذي كان رفقة المنجي سليم على اتصال بالزعيم الحبيب بورقيبة. وأعلمت حينها أنّ فرنسا قد رغبت في التراجع بعد أن ظنّت أن هناك تلاعبا من بورقيبة، قالوا له.. بدأت تلعب بنا من بدأ الثورة؟ قال لهم بورقيبة الطاهر لسود، قالوا له : نحن لم نفعل شيء مادام الطاهر لسود لم يستسلم ويوقف القتال. إذا لم يحدث هذا فالحكاية كلّها فارغة.. قال لهم بورقيبة: الطاهر عندي أمّا لا يمكن أن أقول له سلّم سلاحك... ممكن أن أقول له أوقف القتال إذا أنتم فككتم الحصار عنه» لقاءات ومفاوضات وبعد فترة عدت إلى جبل شمامة وكان معي البعض ممّن لم يرغب في تسليم سلاحه وكان الكلام متناقض من حولي... وكانت محاولات الاتصال بي متواصلة من عدّة أطراف على الرغم من أنّ البشير بن يحمد قال لهم ماعاد يمشي له أحد... راهو يقتل.. ويقول عم الطاهر.. نعم لقد قتلت منهم الكثير تقريبا 4 أو 5 أفراد...» ومنذ ذلك الحين لم يعد أحد يرغب في القدوم إليّ أو الاتصال بي فتدخّل الحبيب بورقيبة وقال : يذهب ابني الحبيب وأوصاه بأن يُرافقه محمّد بوعبيد وأحمد الأعتر (شقيق محمّد الأعتر) وقال له : ولن يفعل لكم الطاهر شيئا!» وقبل قدومهم جاءني ب»زاوية بن عمّار» المبروك عبد الصمد وقال لي سلّم سلاحك... فقلت له : فرنسا لم تقدر على ذلك ولاتقدر لا أنت ولا بورقيبة... وطردته... وبرغم ذلك قدم الجماعة... وبالمصادفة أن كانت قوّة عسكرية قادمة في ذلك اليوم في اتجاه سبيطلة.. فتحادث معهم الحبيب بورقيبة الابن وأقنعهم بالانسحاب لفسح المجال له لكي يتّصل بي ويحدثني... وعند اتصالهم بفرقة أولاد غيلان سألوا عني فتظاهر الأهالي بعدم معرفتي.. إلى أن جاءني أحدهم خفية وقال لي : فلان... وفلان... وفلان يريدون مقابلتك... فقلت له : اتركوهم وقوموا بتفتيشهم جميعا عدا بورقيبة الابن... وكان معهم عزّوز الرباعي وكلفت 5 أفراد لحراستهم. رغب عزّوز في الكلام فمنعته أمّا بورقيبة الابن فقال لي أنا لا أقول لك أيّ شيء... أمّا والدي قال لي انقل ما يقوله لك سي الطاهر... وكان يومها بورقيبة قد بعث لي تلغرافا أكد فيه أنهم ما يعملون إلا لصالح الأمّة... وليس لي أيّ كلام عن التسليم...» العودة ولقاء بن يوسف وبورقيبة وقرّرت الالتحاق بالعاصمة وبطلب من سي الطيب وسي المنجي بقيت في مكان لا يتصل بي فيه أي أحد ويقول عم الطاهر... حينها كان صالح بن يوسف متفاهم مع بورقيبة وعندما سمع أنّني لم أسلّم سلاحي انقلب.. وذات يوم اتصل بي الطيب بن المختار ومحمد بوعبيد وقالا لي غدا ستقابل سي الحبيب في معقل الزعيم. ذهبنا إلى دار الزعيم وفي مدخل المنزل وجدنا محجوب ووسيلة يأكلان اللحم... قال لي بورقيبة أنت تريد الاستقلال التام... قلت له : الحمد للّه أنت لا ترغب فيه.. قال لي : ما هي أحوالك ؟ قلت له : أفضل منك.. ماذا؟ بعدما ضربتني بموسى... ثورة وأنت حليتها؟ قال : فرنسا غدرت بنا؟! قلت له : غدرتك أنت أمّا أنا فلا... قال لي : هناك أناس معك في القيادة وسلّموا سلاحهم.. قلت له : الأزهر الشرايطي ما هواش قايد... وكان الشرايطي حاضرا فقال : نعم سي الحبيب لو كنت قائدا ما كنت أترك سي الطاهر في الجبل... هو الذي ربّاني ووصلت إلى مثل هذا المقام بفضله. وقلت لهم : أنا لست خائنا أنا دستوري.. أمّا أنت قائد وخنتنا.. فسكت بورقيبة قلت له : أنا أرغب في إعانتك إن أردت وإلاّ فالشكارة والبحر وإلا ما هو الجلاّز قريب وذلك ليس غريبا عليكم... سكت بورقيبة مرّة أخرى وقال الأزهر : الذي يقوله سي الطاهر راهوا صحيح!! وأنا نستاهل حتى يقتلني خليتو في الجبل وهربت... قلت لهم : إذا لم تقتلوني فإنني سأعيد المقاومة مرّة أخرى ولن أتعاون في المستقبل مع أيّ تونسي.. وسلم ا لجزائر..!» واشتد الكلام بيننا.. وخاف الجماعة... وكنت أنا حينها أحمل سلاحي (فرد) وقالوا : قد يتقاتلان !! فغضب بورقيبة من حديث الجماعة وقال لهم : سكّروا الباب... وبقيت على انفراد معه في الأخير قال لي : هذه رسالة من بن يوسف ومكتوب في أعلى القائمة القابسي العروسي الشكّال... وقال : هؤلاء أناس كوّنهم صالح باش يقتلوني.. قلت له : سي الحبيب ألا تعرف العروسي؟ أليس هو الذي ذهب معنا إلى جربة عند قدومك إلى قابس رفقة علي بن مفتاح.. أهذا معقول صالح يقول لهم اذهبوا اقتلوا الحبيب؟ سكت بورقيبة ثم قال : وأنت سي الطاهر ماهم قالوا لي باش تقتل ولدي!! كلها أقاويل وانتهى اللقاء تحمّلني الأزهر وخرجنا مع سي الطيب. جمال أطرد صالح!! وبعد فترة جاء صالح بن يوسف وقابلته : قال لي كلاما غير معقول على الحبيب والمنجي فقلت له : «الكلكم خائبين سي صالح تعمل مزية لا تقول لي شيئا على أحوالكم... أنتم كلّكم زعماء أنت كاتب عام وبورقيبة لا أنكره لو كان تتعاركوا أمامي نحسم فيكم الاثنين... حدثني على روحي وآنا نحبّ انعاونك.. وكانت صوفية زوجته تسمع فقالت يا سي صالح إلّي يقولو سي الطاهر طبّقه... وقلت لصالح : أتركوني أذهب إلى حالي وإلا قودوا عليّ، فرنسا أصبحت عندكم اليوم باهية!! تحدثنا طويلا ولم نتفق على شيء وكانت صوفية تبكي وكان صالح غاضبا في تلك الفترة... إذ ذهب إلى مصر والتقى الزعيم جمال عبد الناصر وطلب منه العون لكي يعيد بناء الثورة لكن جمال قال لهُ : هذا مستحيل.. ياصالح أخطاك تقعد رايض وإلاّ روّح وبرّه موت في بعض المطاريح.. أمّا أن أعطيكم السلاح فلا... نعطيكم سلاح باش تبيعوه ب10 آلاف فرنك!!! وأطرده... ويقول بن يوسف بعد أن فكّر طويلا... سي جمال قال لي واحد فقط لو يأتيني نعطيه المعونة والسلاح... قلنا له من هو قال : الطاهر لسود..!! ويواصل عم الطاهر بقيت 5 أيام مع صالح وأنا أُحادثه ونتخاصم وكان كل همّه أن تنجح خطته في أن أوافق أنا على الذهاب إلى مصر.. كان يرغب في أن أذهب لكي آتي له بالأسلحة وأصبح خادما تحته... وهو يصبح عامل عليّ مزيّة... نموت ولا يقودني هو!! لم تعد لي ثقة في أي واحد منهم على الإطلاق وآخر الكلام قال لي صالح : أنت رأسك كاسح يا سي الطاهر فقلت له: تعال كسّره...!!» وقالت صوفية عيب عليك يا سي صالح كيفاش تقول هذا... وأذكر عندها أنّ صالح عندما قال لي في الختام : لو كان تمشي راك تنقذ الثورة في شمال افريقيا...» توقفت قليلا وقلت له : نمشي... ففرح كثيرا.. وكانت صوفية تقول له أخطى الراجل!! وأعطاني صالح سيارة وصلت بها المرّة الأولى إلى جماعة التوازين (الشنادلة) في بنقردان ورجعت وكان معي البشير شلبي... والتقيت صالح فقال لي... نقوم بجولة أخرى فقلت له : فك علينا يا سي صالح من الأمانة العامة راهو الشعب يتقاتل في بعضه... أخطانا...»! قال لي : نكوّن الأمانة العامة لكي تأتي معنا كل الناس... هو ناوي نيّة وأنا ناوي نيّة.. ما نتفاهموش... أنا لا أريد أن يتقاتل الناس في بعضهم، خليهم مختلفين هذا دستوري وهذا مع صالح بن يوسف... وذلك مع ا لحبيب بورقيبة... لماذا؟ لنترك الجميع حسب أفكارهم... ويقول سي الطاهر.. صالح كان عنده نية... فهمته... قلت له: دبّر راسك. وشرعنا في الاجتماعات ووصلنا حتى إلى ابس وإلى ورغمة التي عبرت عن انضمامها إلينا.. حينها استشعرت فرنسا بالخطر وقالت : لنهجم على الطاهر في دار صالح ونقتلوه وقتها تموت الناس الكلّ..» الهروب إلى ليبيا ويواصل عم الطاهر : وذات يوم كنا في اجتماع فإذا بالقوات الفرنسية تهاجمنا... وتقريبا توفي شخص أو اثنين يومها ولم يتمكن من فضّ المشكلة كان سي المنجي سليم وزير الداخلية وقتها قال لهم: «شنوّة الراجل في داره وأنتم هاجمين عليه» وعندها قرّرت المغادرة في اتجاه ليبيا ولم أعلم أحدا بذلك إلا رفيقي البشير شلبي الذي أخبرته أن لايقول لأيّ كان وبالرغم ذلك حوصرت الدار وخاف صالح وقال : الطاهر لازم يخرج ويهرب وجيء بسيارة صاحبها كان قوّادا لفرنسا ولايمكن أن يتم إيقاف هذه السيارة برغم مرورنا بعدّة نقاط مراقبة... وذهبنا إلى السواسي.. وحوصرنا كذلك لكن بفضل «عجاج» ورياح قوية تمكنا من المغادرة ليلا وهربنا في اتجاه الجنوب مرورا بسوق بئر علي بن خليفة وبمنزل شاكر وعقارب وبوشدي والمهاذبة ثم مطماطة ووذرف فالحزم ثم الزركين (جماعة القديرات) فسيدي مخلوف ثم وادي الجاس بين جرجيسومدنين حتى وصلنا بين البحر وبنقردان ونزلنا عند الشنادلة... كل ذلك كان مشيا على الأرجل فوجدنا الترحيب والتهليل وأكرمنا كل من مررنا به.. وفي بنقردان هاجمتنا القوات الفرنسية ممّا اضطرنا إلى ارتداء ملابس نسائية والبقاء مع الناس إلى حين انصرافها... وقرّرت المواصلة في اتجاه ليبيا خوفا من أن يلحق الضرر بأهالي بنقردان ورافقني 8 منهم بأسلحتهم إلى مسافة 2 كلم من الحدود وطلبت منهم العودة وجاءتنا سيارة من ليبيا قال سائقها لنا أكثر من أسبوع ونحن نبحث عنكم... ركبنا السيارة وذهبنا إلى منطقة تسمى مزرعة مكتب المغرب العربي وكان أول متكلّف بها هو عبد العزيز شوشان. ترتيبات... ولقاء مع جمال وجاء وفد مصري يضمّ 2 جنرالات 2 كومندات و1 يطنا و1 أجودان للتباحث معي في مكتب المغرب العربي وجاء عبد العزيز ومعه الملحق العسكري وتحادثنا على الثورة وعلى الخطط الحربية وبعدما أكملنا الحديث أحد الضباط سحب كرطابلة فيها 18 مليونا وقال لي : فلوس بعثها لك الرئيس؟!» فسبيتهم جميعا وقلت له : أنا قادم من أجل السلاح وليس من أجل الفلوس لو رغبت في الفلوس فهي موجودة في كل مكان! غضب الملحق العسكري وقال : مصر تبعث فلوس وأنت تسب فيها وفي رئيسها... وحدثت بيني وبينه معركة... وقالوا لي : أقبل الفلوس.. وإلا الرئىس سيغضب... قلت لهم : طيب هاتوا الفلوس نحرقوها وتكمل المشكلة.. جمعوا فلوسهم وقالوا لي غدا يأتيك الردّ.. وبعث جمال للقنصل وقال له : ركّب الطاهر في أول طائرة.. فقد تعجّب بعد أن أعادوا له الفلوس وقصّوا عليه الحكاية... وعند الوصول إلى مصر التقانا المصري فتحي الذيب.. وسكنا في إحدى العمارات أنا والبشير كل واحد في غرفة... وبقينا أكثر من 15 يوما إلى أن جاءنا الفتحي وقال : اليوم ستقومون بجولة.. ركبنا السيارة وذهبنا بعيدا في الصحراء وتوقفنا إلى جانب حجارة كبيرة أزاحها الفتحي ونزلنا تحت الأرض ومشينا كثيرا... إلى أن وجدنا حركة ونشاطا وعملا دؤوبا عالم آخر تحت الأرض.. أسلحة وطائرات حوالي 3 آلاف ألماني وألمانية يعملون في هذا المكان.. وقمت بحصّة رماية لأكثر من 25 خرطوشة أصابت كلّها الهدف... وهو ما أثار تعجّب مرافقينا... وآوضح الفتحي لنا : أنّ من يدخل هنا لا يعرف نفسه من أين يخرج ولا متى يخرج.. وبعد ذلك بقينا يومين وقالوا لنا ذات يوم أننا سنلتقي الزعيم عبد الناصر من الغد... ذهبنا للقاء الموعود وفي صالة شاسعة وجدنا الجزائريين بن خدّة وبن بلّة والمغربيين أحمد ومحمّد لكن لم يبق بعد ذلك إلاّ أنا والبشير وأحمد بن بلّة ووضعونا في مكتب. وجاء عبد الناصر وسلّم عليناوجلس إلى جانبي وسألني كيف تخاصمت مع الجماعة في ليبيا؟ قلت له : أنا قادم من أجل السلاح.. فمسك عبد الناصر بمصحف ووضع عليه يديه وأقسم قائلا : كل عربي وكل مسلم يُكافح العدو نحن على استعداد لكي نعينه وخاصّة شمال إفريقيا. وبعد حديث طويل قال : لازم تكونوا لجنة فيها 5 أعضاء : رئيس وكاتب عام وأمين مال و2 أعضاء لكي تقبل الفلوس وتأخذ السلاح وتحمله.. قلنا له : طيب... وقال بن بلّة.. ها هو سي الطاهر خونا وهو الذي بدأ بالثورة وهو الذي سيتصرّف في شمال إفريقيا فرفضت أنا ذلك وتخاصمت مع عبد الناصر وقال : كيفاش الجماعة تختارك وعندهم فيك الثقة وأنت تقول لا.. وأعاد عليّ الأمر ثانية فرفضت وغضب جمال كثيرا... فوقفت وقلت... نحن أبناء شمال إفريقيا أبناء العروبة والإسلام جئناك وأنت رئسينا ونحن في بلادنا ولا نعتبر أنفسنا غرباء... لكن أنا لا أتحدّث عن الرئاسة ولكني أتحدث عن السلاح... لو أنّكم ستضعون السلاح في تونس التي هي على أبواب الاستقلال فإن الأمر غير معقول أريد أن يذهب كل السلاح إلى الجزائر ولو رغبنا فيه فهو قريب منّا... والتفت جمال وقال : هذا أمر صحيح... وخاطب بن بلّة.. تعاونه.. فقال بن بلّة لا فقال جمال : الكلام الذي قاله سي الطاهر هو الصحيح... الطاهر هو رئيس القيادة الثورية لتحرير شمال إفريقيا والسلاح الكل في الجزائر ولو رغب في السلاح يأخذ منه آش لازمه... وعلى هامش اللقاء قال لي جمال لماذا لا تقبل الفلوس؟؟ وقال لي في عمري ما ثمّاش واحد نمدّ له الفلوس ويقول لا فقلت له : الفلوس ما عندي ما نعمل بها... وخاطبنا عبد الناصر بعد 15 يوما تقبّلوا آسلحتكم على الحدود بين مصر وليبيا. القطيعة والرجوع النهائي وعدنا إلى ليبيا وجاءني صالح بن يوسف وقال لي : لماذا لا تدخل عبد العزيز شوشان في اللجنة قلت له لا وأنت تعرف لماذا؟ قال لي موش صحيح وتخاصمنا فتدخلت صوفية زوجته لتقول سي صالح أنا نوصّي فيك ما تتعاركشي مع سي الطاهر لو كان تسيّب فيه راك تخسر.. وكان حينها برفقته زوجته واثنين من أولاده وكان يسكن في نزل بطرابلس وتحت حراسة مشدّدة.. آخر الأمر قلت له : لماذا نتعارك؟ وانفضّ مجلسي معه. وجاءني مقاتلون من ورغمة (30 فردا) وقال أحدهم لبن يوسف نحن لا نعرفك لا أنت ولا بورقيبة نحن كنا «قوميّة» والطاهر لسود هو الذي أعادنا أبطالا ندافع عن بلادنا.. نحن لم نعرفك إلا لما أتيتنا معه هو؟ وقلت لبن يوسف لو تتضرّر أنا نتحمّل المسؤولية قال لي : لا أنت محت (ملت) مع بورقيبة وأذكر أن زوجته صوفية قالت له حينها.. واللّه هذه هي آخر نرة فيك والذي قال عليه سي الطاهر صار... قلتُ له تدخل تونس ولا يكلّمك أحدا... لكن أن تطمع أن أكون معك ضد بورقيبة فلن يكون ذلك على الإطلاق وها أنا سأعود إلى تونس ولو كان بورقيبة أراد قتلي فليفعل ذلك.. وأنا الآن لاأعلم بالضبط ماذا سيفعل؟ وأكدت عليه ذلك وقلت له كذلك.. لو كان تحبني نقتل بورقيبة باش تولي أنت رئِيس الحزب فلا يا سي صالح... ويقول عم الطاهر وتوجّهت بخطابي للمقاتلين من يريد العودة إلى تونس فليعد.. والذي لا يرغب في ذلك ويريد مواصلة المقاومة فعليه الالتحاق بالجزائر وأريد أن يتجه كل السلاح إلى الجزائر... وعن عودته إلى تونس يذكر عم الطاهر أن بورقيبة قال للجان الرعايا اذهبوا إلى الحدود وإذا كان فرنسا ضربت على سي الطاهر اضربوا معاه... وعند دخولنا وجدنا معتمد بنقردان في انتظارنا وحملنا إلى مدنين (بالأمين) وكان مع 8 مقاتلين سلموا كل واحد منهم 20 ألف فرنك وعدت إلى العاصمة مباشرة إلى وزارة الداخلية.. وسلّمت منزلا في جهة المنزه... ويذكر عم الطاهر أن الديوان السياسي للحزب قد اتصلوا به وقالوا له : نحن على اطلاع على أحوال جماعتك من المقاتلين القدامى وهم مازالوا تاعبين ياسر (حوالي 70 مقاتلا) وقالوا لي : نعطوك وأنت تتصرّف قلت لهم لا أعطوهم أنتم.. وفي خاتمة التسجيل أخرج عم الطاهر عددا من الوثائق المتبقية عنده وأصرّ على أن يتمّ طبع الختم الموجود لديه والذي يحمل الطاهر لسود الخريجي اليزيدي القيادة الثورية لتحرير شمال إفريقيا. إضافة وتصحيح تلك القصة الكاملة للبطل الكبير الطاهر لسود نقلناها حرفيّا كما جاءت على لسان صاحبها الذي فارقنا منذ 20 مارس 1996 ومازال ذكره متواترا بين الدارسين والباحثين والمهتمين بتاريخ تونس الحديث وبأطوار حركة التحرير الوطني فماذا أضافت هذه الشهادة؟ وماذا صححت من أحداث وكيف يقرؤها أخصائيو التاريخ خاصة وقد حملت في طيّاتها ذكرا لشخصيات على غاية من الأهمية من أمثال الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وجمال عبد الناصر وأحمد بن بلّة.