ماذا يقرأ التونسي؟ بل هل مازال المواطن التونسي يقبل على القراءة أصلا؟ من هذا السؤال انطلقت «الشروق» في جولتها بين مجموعة من المكتبات الرئيسية في باب البحر وهي المكتبات الأكثر اقبالا من الطلبة والأساتذة والمهتمين بالكتاب بشكل خاص. معدلات توزيع الكتاب ضعيفة جدا، اذ ان مبيعات الكتاب التونسي عموما محدودة جدا بل أنها لا تتجاوز نسخة في مستوى المعدل العام، وهو رقم يكشف عن أزمة حقيقية في سوق الكتاب الذي تحولت فيه الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والشباب والترفيه هي الجهة الوحيدة التي تقتني الكتاب حتى تساعد الكتّاب والباحثين على مواصلة نشاطهم الأدبي وحتى لا يصيبهم الاحباط واليأس والكآبة. فهل يعقل في بلد فيه أقل نسبة أمية في العالم العربي أن لا يتجاوز معدل توزيع كتاب نسخة في سنتين؟! وهل يعود هذا الى ارتفاع أسعار الكتاب؟ الأحداث السياسية السيد كمال الحمايدي مسؤول في احدى المكتبات الكبرى والعريقة في العاصمة يقول ان معدل القراءة تراجع بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة ولا يبرر هذا التراجع بارتفاع الأسعار لأنه يعتبر ان سعر الكتاب معقول لكن المشكلة في العقلية التي لم تعد تهتم بالكتاب كمصدر للمعرفة وعن قراءات التونسي يقول السيد كمال الحمايدي ان العواصف السياسية التي هزت العالم في السنوات الاخيرة : تفكك الاتحاد السوفياتي سسبتمبر العولمة سقوط بغداد... دفعت الى الواجهة الكتب ذات الطبيعة السياسية المرتبطة بأحداث معينة وهذه النوعية من الكتب يقبل عليها المواطن التونسي رغم ارتفاع سعرها أحيانا وهذا يعني ان ارتفاع الثمن ليس عائقا دون اقتناء الكتاب. ويؤكد السيد كمال الحمايدي ان الأساتذة ورجال التعليم بشكل عام هم الأكثر اقبالا على الكتاب الى جانب الطلبة والعاملين في الاعلام والأطباء. أما عن حظ الأدب التونسي من اهتمامات المواطن التونسي فيرى السيد كمال ان الشعر التونسي لا يقرأ ولا يجد اي اقبال على عكس القصة والرواية والدراسات النقدية فهذه الانماط من الأدب تلقى اهتماما كبيرا من المواطن التونسي. انتهت القراءة بألم كبير يقول السيد بدر الدبوسي وكيل احدى المكتبات الكبرى في العاصمة ان القراءة تكاد تكون انتهت في اهتمامات المواطن التونسي ويضرب لذلك مثلا بكتب محمد عابد الجابري التي كانت تنتهي في الثمانينات بمجرد وصولها في حين الآن يكاد لا أحد يطلبها او يسأل عنها. وعن علاقة هذا التراجع بأسعار الكتاب يقول بدر الدبوسي بأن هذا ليس صحيحا رغم ان المقدرة الشرائية للمواطن تراجعت فإن تراجع الاقبال على القراءة يعود لأسباب أخرى تتعلق أساسا بتغير الزمن وولادة وسائط جديدة للمعرفة وهذا ينذر بكارثة مؤلمة بالنسبة للكتاب. وبالنسبة للكتب الاكثر مبيعا يرى بدر الدبوسي ان الكتب الموازية للبرامج المقررة هي الاكثر مبيعا سواء في الجامعة او المرحلة الثانوية ويرى ايضا من خلال تجربته ان الاقبال على الأدب التونسي في القصة والرواية والدراسة والشعر ليس مقياسا لتقييم سوق الكتاب. ويقرّ أن الدكتور هشام جعيط هو الاكثر مبيعا ليس في تونس فقط وانما حتى في العالم العربي ربما نظرا للطبيعة السجالية لكتبه. ولا يخفي بدر الدبّوسي ألمه لتراجع الاقبال على الكتاب. التراجع الكبير خمسة وثلاثون عاما قضاها السيد فوزي الهلالي في واحد من أكبر محلات بيع الكتب القديمة في العاصمة.عندما بادرته بالسؤال عن قراءات التونسي سألني بألم : هل مازال التونسي يقرأ؟! السيد فوزي الهلالي يرى ان معدل القراءة تراجع ويلاحظ ذلك خاصة من خلال الشباب اذ ان الطلبة لا يقبلون الآن على القراءة ولا يقتنون الكتب وحتى عندما تستمع الى مكالمتهم الهاتفية صدفة في الشارع لا تفهم منها إلا المواعيد الغرامية. ويضيف السيد فوزي الهلالي : يحزّ في نفسي أن التونسي لا يقرأ، تلاحظ هذا عندما تدخل البيوت التونسية فمن النادر ان ترى كتبا في بيت الجلوس وحتى اذا وجدتها كثيرا ما تكون للديكور فقط. ويقول السيد فوزي الهلالي أنه لم يبق من المهتمين بالكتاب الا بعض الشيوخ والكهول وهم قلة الذين يقصدونه بانتظام لاقتناء كتب. وعن نوعية القراءات يقول السيد فوزي ان القصص والروايات العاطفية مطلوبة من الفتيات خاصة والكتب المدرجة في البرامج الرسمية والموازية في المرتبة الثانية الأدب العالمي (مسرح شعر رواية) أما الأدب التونسي فالاقبال عليه محدود جدا. من خلال هذه الجولة نلاحظ ان هناك اجماعا على تراجع القراءة بشكل ملحوظ لكن ما العمل؟ المؤسسة التعليمية السيد فوزي الهلالي يرى ان الحل هو زرع قيم وتقاليدالقراءة وشراء الكتب في العائلة والمؤسسة التعليمية يقول : لابد ان يضطلع المربون في مختلف مستويات التعليم بدورهم في التحسيس بقيمة القراءة الى جانب العائلة... وليس صحيحا ان المسألة تتعلق بالقدرة الشرائية لأن المكتبات العمومية تعير الكتب مجانا ومع ذلك قلة الذين يقصدونها. المشكلة في التربية أساسا، الطفل أرض عذراء تنبت ما تزرعه فيها لذلك لابد من برامج خاصة لمطالعات الطفل. وفي نفس هذه الرؤية يقول بدر الدبّوسي ان المطالعة لابد ان تكون برنامجا متكاملا ومتواصلا في التلفزة والاذاعة والصحف والعائلة والمدرسة والجامعة والمعهد.. لابد أن ينظّم برنامج تحسيسي تشترك فيه مختلف الوزارات والمؤسسات والمنظمات حتى يستعيد التونسي عادة القراءة. ويرى السيد كمال الحمايدي ان التلفزة والاذاعة والصحف مطالبة بدور أكبر في التحسيس بقيمة الكتاب. الحلول إن الحلول الممكنة لأزمة القراءة كثيرة وأولها تخصيص أيام تحسيسية دورية على مدى السنة بأهمية القراءة ودور الكتاب في خلق أجيال متوازنة مفتوحة الآفاق تنظر الى المستقبل بكثير من الثقة. فأزمة الاجيال الجديدة أن معارفها مقتصرة على ما تتلقاه في البرامج الرسمية في حين تشكو من قصركبير في مستوى التكوين الثقافي العام...وهذا نتيجة طبيعية لغياب عادة القراءة. فهل يكون معرض تونس الدولي للكتاب مناسبة لإقرار مجموعة من الاجراءات والحوافز في مجال الكتاب والقراءة تحديدا؟ نورالدين بالطيب