بالأمس أحيى الشعب الفلسطيني الذكرى الثامنة والعشرين ليوم الأرض. ومثل كلّ أيام الشعب الفلسطيني وكل مواعيده التاريخية فإن هذه الذكرى التي تؤرّخ لانتفاضة فلسطينيي 48 وتمسكهم بأرضهم وبهويتهم الفلسطينية، لم تخل هي أيضا من استمرار تدفق دماء الشهداء. هذه الذكرى تهلّ هذه الأيام وقد حققت فيها المقاومة الفلسطينية، باستمراريتها وبصبر أبناء ومناضلي فلسطين، ما كان فلسطينيو 1948 (أي الذين ظلوا تحت «السيادة» الإسرائيلية بعد إقامة الدولة الصهيونية قسرا سنة 1948). يتمنّون تحقيقه وهي الوحدة الفلسطينية الصمّاء، ليس فقط بين أبناء الشعب الفلسطيني في غزةوالضفةالغربية بل أيضا بين كل أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وفي أراضي 48 والشتات أيضا. لقد كدت الأحداث الجسام التي مرّت بها القضية الفلسطينية وكذلك الأمة العربية عموما أن الشعب الفلسطيني الذي يواصل الصمود منذ أكثر من نصف قرن هو مدرسة نضالية إنسانية وإن القمع الإسرائيلي لا يزيد المجاهدين الفلسطينيين سوى تمسك بحقوقهم رغم التضحيات الجسام، التي قدموها ويقدمونها كل يوم تمسكا ب»الأرض» وحفاظا عليها. الشعب الفلسطيني يحيي هذه الذكرى وهو أكثر إصرارا على مواجهة مؤامرات خطيرة تستهدف أرضه تحديدا فهذا شارون يكاد ينتهي من بناء جدار عازل يغتصب أكثر ما يمكن ممّا بقي من أرض فلسطين ويدمّر كل ما أمكن له تدميره خارج الجدار ليمنع أي إمكانية لإقامة كيان فلسطيني حقيقي كما يستهدف قيادات الشعب الفلسطيني عبر قوائم الاغتيالات الرسمية. وبعد اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين رغم عجزه يعلن الإسرائيليون صراحة أن الرئيس الفلسطيني نفسه على قائمة الاغتيالات... أمّا على المستوى السياسي فإن التراجع في خريطة الطريق، ليس سوى «إنجاز» محدود أمام الأهداف الحقيقية التي يرغب الإسرائيليون في تحقيقها وهي إنهاء الأمل في إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية على المدى القصير أو البعيد وخاصة منع عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في الشتات من خلال محاولات الالتفاف إسرائيليا وأمريكيا على القرار الأممي رقم 194 الذي يضمن حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.. تلك هي الأهداف الاستراتيجية لكل الحكومات ا لإسرائيلية المتعاقبة وإن اختلفت لغة التعبير عن هذه الأهداف من تشكيل إسرائيلي إلى آخر. إنهم ليستهدفون كل أرض فلسطين ويرون بين تشتت العرب طريقا سالكا لتحقيق أهدافهم تلك، وربّما يخطر ببالهم اليوم، في ضوء ما تعرفه الأوضاع العربية والفلسطينية من تردّ إنهم يسيرون على طريق تحقيق تلك الأهداف. ولكن صبر الشعب الفلسطيني وتمسّكه بوحدته الوطنية وبجهاده الخلاق يسير بكل هذه المؤامرات إلى الفشل. ألم يخطّط الإسرائيليون لاغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين ولكنهم بذلك عجّلوا بظهور مئات بل آلاف من الفلسطينيين الذين يستلهمون من الشهيد شجاعته، وإصراره على التمسّك بالنضال وبالثوابت الفلسطينية. تلك هي معركة الأرض... معركة الشعب الفلسطيني