من غبار 11 سبتمبر نزل الوحي على بوش.. قال العراق.. العراق.. العراق.. وظلّ يردّدها حتى انطلت على المبشّرين.. والآن وقد غاص في الرّمال المتحرّكة وأفلست ترسانة الأكاذيب بعد نفاد ذخيرتها ما الذي يحدث.. طوفان الحريق يمتدّ من الشمال الى الجنوب وسط ذعر العساكر والسياسيين على حدّ السّواء.. وليس غريبا أن يمتدّ الحريق الى دول جوار فيها خوف كامن من صراع بين السنّة والشّيعة وفيها ريبة من ردود فعل هؤلاء حيال ما يجري في العراق.. كل البنادق الحليفة أطلقت عياراتها في صدور العراقيين من المارينز الى الكربينياري الايطاليين الى الاسبان.. وحتى أنت يا سلفادور.. هذه هي قوات الخير التي جاءت لتحرير العراق لا لتخريبه.. هذه هي القوات التي جاءت لإحلال السلام.. هذه هي القوات التي تحمل اليمقراطية الى أناس لم يطلبوها أصلا.. الآن نرى التقدم الذي أحرزه بوش وجماعته في العراق.. صدام الآن في سجنه الآمن وشعبه يسحق سحقا.. أما الأذلاّء.. أولئك الذين جاؤوا على ظهور دبابات الغزاة.. أولئك الذين يحملون على جباههم علامة «صنع في الخارج» فإنهم في الأصل يسكنون في الثكنات تحت قبعات المارينز.. فما بالك الآن!!.. كيف يحكمون وهم لا يجرؤون على المشي خمسة أمتار في الشارع العراقي.. وها هو 30 جوان يقترب.. موعد تسليم السلطة.. وليس السيادة.. موعد يعصر قلب ادارة بوش ويشحذ أسنان الراغبين في الانقضاض على ما يشبه السلطة.. وإلى أن يحين ذلك الموعد.. يتواصل الكابوس.. أو الكابوش في الادارة الأمريكية لأن خلف هذا الموعد هناك موعد آخر إسمه الانتخابات الرئاسية.. والحملة تبدأ من العراق هذه المرة. وبعد 30 جوان ماذا سيحدث! إنه الكابوس الآخر الذي يخيم : الحرب الأهلية.. وبعدها يمكن لرامسفيلد أن يؤذّن في الخراب.. فالأجوار كلهم لهم خيوط داخل العراق.. دينية وعرقية وغيرها.. وسيغذي الحرب من لا يريد من الحرب أن تطال أرضه.. ولن تفرغ مخازن الأسلحة ليقتل الاخوة بعضهم البعض وتينع حرب الكانتونات.. ويتفجّر العراق بين الأعراق.. خرابستان.. هذه هي شطارة بوش وجماعته.. تحدّى العالم ليرتكب أكبر خطإ استراتيجي في التاريخ الحديث.. ويدخل العالم في دوامة عنف غير مسبوقة.. بقي سؤال واحد يؤرقني: هل يدري صدام بما يجري الآن في العراق وهو في زنزانته.. أظن أنه تحدّث قبل وقوعه في الأسر عن هذا الكابوس.. ولكن هل يسمع الغالب تحليل سجينه عندما تحدث عن خلطة كيميائية لا يفكّ لغزها إلا العراقيون.. أظنّ أن العرب في المنطقة أيضا لم يفهموا.. احترسوا إذن فالنار قد تلحق طرف جلباب أي كان.. لأن الهشيم في كل مكان.. من العراق الى خرابستان..