يا لها من وثيقة تاريخية أطلق عليها الصحفي الأمريكي بيتر بينار في افتتاحية على صفحات ( ذي نيو ريببليك ) نعت : اليقظة من الكابوس، بينما وصفت امرأة عراقية اسمها فاطمة وضع الناس في العراق على صفحات واشنطن بوست بأن الثلث مات و الثلث هاجر و الثلث في كف عفريت، أما نيويورك تايمز فتقول : حين يأتي أهل القتلى للتعرف عليهم في ثلاجات المستشفى يتعرفون على الشيعي لأن رأسه مقطوعة و على السني لأنه راح ضحية تفجير! و للعلم فقد ثنى هنري كيسنجر على التقرير التاريخي قائلا: أصدق ما فيه أن النصر مستحيل و الهزيمة مرة ! و يأتي التقرير اليوم ليقلب المعادلة الرديئة التي أعلنها صقور المحافظين الجدد منذ أربع سنوات وهي أنهم هم يشكلون حزب المنتصرين و أن حزب ترومان ( أي الجمهوري) يشكل حزب المهزومين! و يتفق عقلاء الولاياتالمتحدة من الضفتين الديمقراطية و الجمهورية بأن بيكر و هاملتن رجلا حماية مدنية بعثهما الدستور الأمريكي لانقاذ الولاياتالمتحدة من حريق فيتنام ثان، و من أن تتحول بغداد الى هانوي أخرى ....... العالم لم ينس! وحدهم العرب الليبراليون لا ذاكرة لهم ! لقد سقطت حجج الحرب الجائرة واحدة تلو أخرى، فبعد أن كانت الغاية المعلنة هي تدمير أسلحة الدمار الشامل التي خزنها صدام حسين لغزو العالم! ولم يجد لها لا مفتشو الأممالمتحدة و لا قوات التحالف أثرا، تحول الهدف الى جر بلاد الشرق الأوسط الكبير الى جنات الديمقراطية بالسلاسل، انطلاقا من الجنة العراقية، فصنعوا من العراق جحيما حطبه العراقيون الأبرياء العزل، و زبانيته المارينز في سعير أبو غريب، و لهبه الاف مليارات الدولارات التي تلقيها الولاياتالمتحدة في حمم البركان، و ثمنه من الضفة الأخرى الاف التوابيت العائدة الى مطارات أمريكا بالقتلى، و الاف الفارين من الخدمة العسكرية اللاجئين في كندا و السويد و سويسرة من مستنقع الجنون والرعب. هذا بالاضافة الى قوافل الارهاب المجهول الهوية و الخارجة من رحم الفوضى لتنتشر على العالم الامن تزرع الخراب و تحصد اليباب. ان الدستور الأمريكي تحرك هذه المرة لينقذ أمريكا من العراق و ربما لينقذ العراق من أمريكا. فالدستور هو المنظم للسياسة وهو الراعي للمؤسسات و السلطات، وهو الذي قرر في النهاية وضع حد للتخبط الأمريكي الرسمي في العراق. و عبارة التخبط طالما ذكرناها في تحليلاتنا على الصحف العربية و جاء تقرير بيكر- هاملتن ليستعملها عديد المرات في معنى انعدام الرؤية و غياب التخطيط و ضباب المصير. و فرض الدستور فرضا على بوش و بطانة المحافظين تغيير الخطط و مواجهة الحقائق و تبديل السياسات و الاستعداد للخروج من المأساة. و تراجع بوش عما كان أعلنه في المؤتمر الصحفي الذي انعقد في عمان مع نوري المالكي حين قال بلهجة THE JOB الواثق: " ان الجيش الأمريكي باق في العراق حتى ينتهي الجوب فأي جوب هذا الذي ينوي بوش انهاءه بالعراق؟ بعد أن ثبت في تقرير بيكر-هاملتن بأن الذي بصدد النهاية هو أمن العراق و خير العراق و مستقبل السلام في الشرق العربي و كذلك سمعة أمريكا في العالم و مصالحها القريبة و البعيدة في المنطقة! و أعتقد بأن روبرت فيسك لم يبالغ في صحيفة الغارديان منذ يومين حين عقد مقارنة بين الكذابين الكبار في تاريخ الانسانية الحديث أمثال هتلر الذي أعلن انتصار ألمانيا النازية عام 1945 و بريجنيف الذي صفق لفوز السوفييت في أفغانستان عام 1988 و بين الرئيس بوش الذي يريد مواصلة الجوب ! أمام رئيس حكومة عراقية يتخبط في اصدار اذن بالقاء القبض على حارث الضاري و في اعلان حالة منع الجولان التي لم تمنع السيارات المفخخة من الجولان في أي مكان ! الذي لم يقله العرب الى حد الساعة، رغم فداحة الساعة، هو ماذا سيعملون و كيف سيوحدون المواقف و ينسقون التحرك استعدادا لمستقبل مجهول؟ و بالتحديد ماهو رد الفعل العربي على رسالة بيكر-هاملتون الموجهة اليهم أيضا بالبريد المضمون؟ فالعراق أمانة بين أيدي العرب أجمعين بعد أن ثبت بأن الأيدي الأمريكية لم تحسن المحافظة على الأمانة و لم تردها الى أهلها الا أطلالا منهارة و أثرا بعد عين! ان الرأي الأكثر حكمة و الأبعد عن الارتجال هو أن يدعو القادة العرب قبل فوات الأوان الى مؤتمر دولي حول مصير العراق الذي هو في الحقيقة مصير المنطقة، بمشاركة جميع القوى الدولية و الاقليمية باشراف منظمة الأممالمتحدة التي ظلت الى اليوم تندد بالانفراد الأمريكي العاجز، فتعود القضية العراقية الى سالف الاهتمام الأممي الأقرب الى العدل و المترجم عن ضمير الانسانية بعيدا عن المؤامرات التي يحيكها بعض المحافظين الجدد المتحالفين جهارا مع المخططات الصهيونية العنصرية. العراق بين أيديكم و أمانة في أعناقكم فلا تفرطوا فيه فتفرطوا في مستقبل أوطانكم.