المصطلح والدلالة في أدب »محمد الحبيب براهم« من خلال رحلة في رواية »أنا... وهي... والأرض« تقديم: الأستاذ جمال الدين بوغلاب مرايا، حيث يتزوج النور العتمة حيث تتخفى وقائع الزمان ويتخفى العاصي والجاني والضحية تبحث لها عن سبب يبرر ما وقع والفكرة عاقل ينشد أصل الأشياء والعلل، صبي النشوة نخبا... نخبا، صبي حبا قد جئنا الليلة في »سفر القوارير« من أجلك وليكن ليلنا طويلا، طويلا، لنريح العمر المتشرد المترشد خلف شعاع الغيب المهلك... في ظل الاهداب صوفية قيروانية ما أحلى استرخاءة حزن في ظلك، في ظل المرايا والتصوف والمجون والتجربة التي صودرت قبل ان تكتمل فضاعت متعة اللحظة وخزنت للتوق المعتق ألف علة. هو العمل والابداع اذا تصفحته فقدت ارادة الفعل والموقف إزاءها لم أستطع المغادرة من صلب المغامرة ومحراب »النفس الالهي« في تجربة أبطال الرواية انها تسابيح الروح ونزال العقل الباطني المشرقي مع »النزوة« و»الشهوة« التي تؤكد انسانية الانسان فلا هو بإله ولا هو بشيطان. »عندما يفتض النفس بعد الحرف ويغشى على اللغة ويختن اللسان فأرحل... أرحل مع بركان الانفجار في صدري وألهث معفرا وجهي في أهداب الخيال باحثا عن موضوع لقلمي... وأثداء... سماء الحرف ضنينة...« سأرحل داخل الرواية بوجه يستدل على الوجهة بوحي أبطال الفعل، أبحث للعمل عن تصنيف فلم استطع مغادرة »حدث أبو هريرة قال...« المسعدي والقول وان تعدد قائلوه الا ان علته واحدة: »عقل يرتل حدثا ويختزل أزمنة« إنه ابداع المربي »المتأجج« المنافح في عزة قول عن تجربة بدون اسفاف او برهان فجّ. تلك هي مقدمة المسألة لرواية أنا... وهي... والارض... الرواية كما تراها هي عمل من الحجم المتوسط جاءت أحداثها محفورة على بياض قلب ناصع ل319 صفحة طبعة 2001 وهي الطبعة الثانية او احتفاء أول ببلوغ مولود سن ال23 سنة حيث كانت الولادة في بعدها الفلسفي السقراطي سنة 1978 . وقد جاء العمل من حيث تبويبه المادي في فصل أول »في مقهى عمر« امتد على ست صفحات، والبقية الباقية كانت جملة احداث الفصل الثاني: »حديث الفسقية« وفي محاولة لفهم هذا التقسيم يمكن اعتبار ان الفصل الأول يشكل رسما للملامح المادية لركح الاحداث وتأتي البقية كتداعيات منطقية. كما يمكن اعتبار ان الفصل الثاني ذاته ينتهي حيث يبدأ »حديث المطر« وبهذا تكون مجمل الاحداث والصور اعادة صياغة وتبرير عقلاني ووجداني لاطر العمل المرسومة خلال الفصلين. ويأتي حديث المطر، صور الليل، عينان في الماء، مجنونة الغرب، وبكاء الشرق وحديث الساعة وصراع الشعارات كلها بضاعة وجنون الجنوب ومطاردة في الحي العربي وورقة البطل العزيزة وأيامه التي دارت وهي تمر وتسابيحه المعلقة بحديث الساعة وثورة الثورة وأصل الاشياء والاكوان الطين والنور محاولة للملمة ضياع وصفعة فقاقيع، كجملة لمشاهد مجزأة ومتصلة من حيث المعنى لترسم صورة جيل بأكمله وعصارة اهتمامات مرحلة البناء والتشييد في بحث مستديم عن القناعة بالذات ولها. ولعا وهوسا بالعقل في غير انبتات او سلبية، انها المحاورات من أجل إعادة الصياغة وتطليق للمسلمات، حتى أنني أقر بأن هذه الملاحظات والقراءة للعمل استوجبت مني ثلاث رحلات متعاقبة داخل هذا الرحيل الوحي. (أ) الظرف المكاني: انها القيروان بعبقها التاريخي الذي لم تهز قدسيته احن اللحظة وتلبد الافق وتردد المرحلة. ففي »حديث الفسقية« و»مقهى عمر« تمتزج لحظات الانطلاق العفوي بوطأة المكان وضيقه حيث يشق بطل العمل الذي نمت بيني وبينه اواصر علاقة عقلانية وتعاطف مع ميوله وتطلعاته، هذا الوسط المبلل وقسوة الموقع وادانة المرحلة بالمكان وكأنها محاكمة مضمنة لما أتاه الاستعمار من محاولة عزل للمكان ودلالاته الحضارية المتصلة بالعمق التاريخي للمدينة ومرجعية الفكر من أجل تأمين السيطرة وكأن احاطة المكان بهذا الحجم من الصعوبات اشارة ما الى المطلوب من أجل المكان بداية والهوية دلالة. (ب) ظرف الزمان: لمن يصعب عليه من ابناء الأجيال الجديدة محاصرة الاحداث وادراجها في خانة وقتها يمكن اعتماد القرائن للتوصل بها الى المرحلة وان كنت في غنى عن ذلك ولكن هي الممهدات يذكرني في الامر بالاجيال القديمة حيث حينما كنت تسأل احدهم عن تاريخ مولده يطفق سردا لاحداث الحروب والجوائح، وهذا من ذاك، فالمرحلة متصلة بفيضانات القيروان وهي عشرية الستينات حيث عرفت البلاد »فشل« تجربة التعاضد ونحن أعالي الساحل التونسي وقراه ومنها الوردانين، لها تاريخ وحكايا مع المرحلة. ولئن كانت هذه العشرية عنوان صناعة الحدث فان عمق التجربة وصياغة رحلة أبطال الرواية تأخذهم الى بعد »أنشتاين« حيث اللامكان بالمكان واللازمان دون القطع مع زمن علة صياغة الحدث. وهي لعمري نقطة قوة تحسب للعمل تجربة لاسرة تربوية قادرة على ان تستوعب الازمنة وان تعيش لنا تجربة نختبر بها واقعنا من خلال مواقعنا من أجل ان نترك شيئا للحظة القادمة ومعلما يدل على أننا مررنا من هنا حيث احداث التجربة. الدلالات أ) دلالات العنونة: »أنا... وهي... والأرض...«. لماذا؟ وماذا أريد من صيغة العنونة؟ الأنا ضمير المفرد المخاطب المتكلم، الراوي و»هي« الغير معلومة جنسا هي الفكرة في تفردها هي الانثى مطلقا، وحينما تكون بصدد سياق على هذه الوتيرة يمكن للقارئ ان يتوقع السياق التالي: أنا... هي... نحن... أو الهو... بمعنى الآخر مفرد أكان ام جمعا او »النحن«. ولكن تأتي »الارض« وهو ما يجعل للعنوان دلالات وجودية فلسفية، ألسنا ازاء صياغة وولادة جديدة وتنشئة للحدث من علله واسبابه الاولى؟ أليس العملية شبيهة بالخلق الأول »آدم وحواء« والاستخلاف في الكون بعد الاقصاء من الجنة. أنا وهي والارض بعث آخر وولادة اخرى لانسانية الانسان في المكان وكأنها النشأة الأولى بهذه الارض البكر من أجل كون آخر بمفردات زماننا. ب) دلالات الصورة: تتأمل اخراج الراوية فتتصدرها صورة »أنثى« ال(هي) وذكر ال»أنا« بأجسام محلقة وأياد تلامس كوكب الارض الذي تكتنفه زرقة المطلق ونور الامل رغم ما في المستوى السفلي من قسوة »تشقق« المكان ان اردنا هذا المعنى أو »شجرة« أصلها ثابت وفرعها حيث العالم العلوي كون المفاهيم وجواهر الاشياء دون اعراضها، بل هي »النهر« او »المنبع« الاصل بروافده السخية، حيث تنضم زرقة السماء الى زرقة الماء لتخلق أدوات أمل في صناعة وصياغة انسان مهما استخفت به التجارب والشعارات. (ج) دلالات العبارة: أبحث للوليد عن هوية أعرق تاريخا من جدران البلدية وأمر في تجوالي المخمور بالفلاح يزرع فحولته في الأرض ويحيل الحصى والشوك والغبار، وأجد لوليد الرحلة ما لم أجد وأعلم أنني وإن لم يرضعني »كوثر« الشعر أو يطعمني »زمزم« النثر فكلي ايمان بان يثارة الحرف لن تصاب بالنزلة الصدرية ما هللت في الكون صلاة البعد الآخر، ولاعتقادي بان دلالات المعنى كدلالات اللفظ متنوعة ومتناقضة من قبيل »يساقون الى مكانهم المفضل... ينفر... تضطره... يهرع... تأتي للدلالة في نفس الصورة على اختلاف السياقات واضطراب النفس تجاه المسألة. هذا واكتفي بما ورد من أجل ان تتاح فرصة أكبر لتقديم العمل الذي تحتاجه ناشئة اليوم تلاميذ وطلبة جامعات، في مفتتح هذه السنة الدراسية الجديدةو أمنّي النفس بأن أكون قد لامست الهدف وأوصلت المراد.