عندما يتخلى الرجل عن أنانيته يصبح "أمّا" ناجحة! تونس الشروق قد تشاء الظروف أن يجد الأب نفسه مرغما للقيام بدور الأم في رعايته لأطفاله، فيغسل ويمشط الشعر ويراجع الدروس ويطبخ تماما مثلما تقوم به أي أم في العالم... لكن السؤال الذي قد يتبادر للأذهان هو هل ينجح الرجل في لعب دور »الأمومة«؟ وهل يؤثر ذلك على حياته العملية ودوره الاجتماعي كرجل؟ لم نشأ الاجتهاد في البحث عن اجابة وتركنا الأمر لأصحاب الشأن يتحدثون عن تجاربهم الخاصة... يقول السيد م.ت يشغل منصبا هاما باحدى المؤسسات أن زوجته قد توفيت قبل سنة تاركة ثلاثة أطفال ابنين وفتاة كانت هي أصغرهم وعمرها آنذاك عامان. واقع جديد ويرجع (م.ت) بذاكراته إلى الوراء وهو يغالب شعورا بالمرارة اكتسح محياه فجأة وهو يتحدث عن الفراغ المهول الذي خلّفه رحيل زوجته في حياته وحياة أطفاله فقد كان الجميع يعتمد عليها في كل كبيرة وصغيرة. وفجأة وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد. ويضيف قائلا : بعد مضي أشهر قضتها والدتي في بيتي مع أطفالي أصيبت بوعكة صحية ألزمتها الفراش اضطررت الى أخذ اجازة مطولة لرعاية أطفالي. فقد كان عليّ القيام بعمليات الطبخ وتنظيف البيت وتغيير حفاظ ابنتي وغسل الثياب وكل شيء بالاضافة الى الذهاب إلى السوق وجلب كل مستلزمات العائلة. ويواصل : »لم يكن وضعي المادي وقتئذ يسمح لي بجلب معينة منزلية لذلك اجبرت على تعلّم كل شيء وكانت تجربة صعبة للغاية خاصة المطبخ الذي لم أتعود دخوله وما زالت يدي تحمل آثار حروق عديدة أصبت بها. وازداد الأمر صعوبة عندما حان موعد عودتي إلى العمل ورجوع طفلي إلى المدرسة فكنت أستيقظ على الساعة الخامسة صباحا لأحضر فطور الصباح ولمجة الصغيرين، ثم أقوم بحمام للصغيرة وأجهزها لأحملها إلى المحضنة ثم اذهب مباشرة إلى عملي. سباق مع الساعة كان شيئا صعبا للغاية أن يجد المرء نفسه كل يوم يسابق عقارب الساعة من طلوع الشمس حتى غروبها لذا كان عليّ في المساء مرافقة صغاري إلى البيت لأعد لهم العشاء وأذاكر دروسهم وهو ما يعني حرماني من الخروج ومجالسة الأصدقاء مثلما يفعل أي رجل. ويضيف (م.ت) أن كل أفراد عائلته امتنعوا عن تقديم العون له لأنه رفض نصيحتهم بالزواج من أخرى... أما اليوم وقد شارف على التقاعد يشعر (م ت) بفخر كبير بما قام به خاصة وأن ابنيه أصبحا على أبواب التخرج من الجامعة بينما تستعد الفتاة لاجتياز امتحان الباكالوريا هذا العام وهي متفوقة جدا في دراستها. ويقول : »أشعر بأن تعبي لم يذهب هباء خاصة وأن أولادي حنونون جدا عليّ وقد انقلبت الآية وأصبحوا هم من يقوم على خدمتي في كل شيء، وأحمد ا على كل ذلك«. رهان صعب قصة السيد رياض لا تختلف كثيرا من حيث الحيثيات مع سابقه حيث توفيت زوجته قبل عشر سنوات تاركة في كفالته طفلين (10 و8 سنوات) ويقول رياض : »كان الأمر صعبا للغاية بالنسبة لي والصغار أن نجد أنفسنا بمفردنا، خاصة وأنني كنت أجهل كل ما يتعلق بأمور البيت، فقد كان عملي يأخذ مني كل وقتي وما يتبقى أقضيه في المقهى مع الأصدقاء. حاولت مستعينا بمعينة منزلية كانت تأتينا في نهاية كل أسبوع لكنني فشلت لأن رعاية الطفلين كانت تتطلب وجود شخص معهم طيلة الوقت وتحت ضغط الظروف وأفراد العائلة أعدت تجربة الزواج من امرأة تقاربني في السن، كانت مطلقة ولديها طفلة في مثل عمر أبنائي وتم الزواج على أساس أن تعتبر طفلي في مرتبة ابنتها وأنا كذلك بالنسبة لطفلتها. ويضيف : سارت الأمور في البداية بشكل جيد لكني اكتشفت مع مرور الأيام أن زوجتي كانت تقسو على طفلي وتفرّق في المعاملة بينهما وبين طفلتها، حاولت لفت نظرها لكن دون جدوى، وتأكدت من أن شكاوى طفلي المستمرة من معاملتها السيئة كانت حقيقية خاصة بعدما لاحظت تأخرا في نتائجهما الدراسية فأقدمت على القرار الصعب وهو »الطلاق« والقيام برعاية أطفالي بنفسي. أنانية الرجل ويقول رياض أن الأمر كان غاية في الصعوبة لكن تصميمه كان بلا رجعة ليجد نفسه أمام مسؤولية الأبناء والبيت ينظف ويمشط الشعر ويعد الأكل واللمجة ويذاكر الدروس في المساء وكان الرهان صعبا للغاية مثلما يقول لكنه نجح والحمد & ويشعر بالاعتزاز وهو يرى ابنه على دروب النجاح ويؤكد أن علاقته بهما حميمية للغاية ويقول أنه لا يشعر بالندم على ما ضاع من عمره في خدمة أبنائه بل ويرفض الزواج مرة أخرى رغم الحاح ابنيه حيث عاهد نفسه على تأجيل ذلك حتى ينهي طفليه دراستهما العليا... السيد محمد يقول : »أن الرجل بامكانه النجاح في القيام بدور الأم فهو يملك نفس العاطفة والحنان تجاه أطفاله لذلك لا يمكن التشكيك في ذلك. ويواصل أن التجارب موجودة وان كانت حالات استثنائية لأن الرجل لو تخلى قليلا عن أنانيته لأصبح مثل الأم تماما في درجة العطاء«.