قدّم المخرج السينمائي محمد دمق عشية امس الاول، الاربعاء 14 افريل في قاعتي السينما بالمنار الاول، شريطه الجديد «دار الناس» وهو ثاني شريط سينمائى طويل له بعد «الكأس» الذي اخرجه عام 1986 . وحضر العرض الى جانب الصحفيين وبعض العاملين في الحفل السينمائي عدد من ابطال الفيلم مثل لطفي الدزيري والمغني محمد الجبالي، ومحمد كوكة... كما حضر الصحفي محمد محفوظ بوصفه كاتب السيناريو الأصلي للفيلم. ** «دار الناس» والفيلم في الواقع من تأليف محمد محفوظ... وقام المخرج محمد دمق بإعادة صياغة السيناريو الذي تدور احداثه في تونس وتحديدا في العاصمة في بداية الثمانينات وهي فترة شهدت فيها البلاد اشدّ ازماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما ادى الى حدوث غليان كبير في الشارع التونسي من نتائجه اندلاع ما عرف وقتها بثورة الخبز في جانفي 1984 . وسط هذه الظروف العصيبة تبدأ قصة الفيلم برسوب هادي (لطفي العبدلي) للمرة الثالثة في امتحان الباكالوريا. وتتزامن مأساة الشاب مع احالة والدة (لطفي الدزيري) على التقاعد، وتحوّل العائلة لحراسة «فيلا» «سي المنصف» (عبد الرزاق الحمامي) مشغل والدة.. وهناك يكتشف الشاب اليائس، عالما آخر: ثراء، ومجون، وحفلات صاخبة... ويقع في الاثناء في غرام فتاة من بنات الأثرياء سرعان ما تتعلق بشقيقه «رؤوف» (محمد الجبالي) العائد من اوروبا... ومع رؤوف يكتشف «هادي» مرة أخرى العالم على حقيقته البشعة. وينتهي الفيلم بمعركة بين الشقيقين واستفاقة هادي من الحلم.. ** تميز ولكن.. ويبدو الفيلم من خلال هذه الاحداث مختلفا وربما متميزا عن كل التجارب السينمائية التونسية التي الفها الجمهور... فالمخرج هنا تجاوز حدود المدينة العتيقة، والحمام واجترار السير الذاتية وكل ما هو نرجسي في سلوك وتفكير السينمائيين... ولعل من اهم المميزات التي اتى بها المخرج كسره للحاجز الذي كان يفصل هذه الفترة من تاريخ البلاد وهي فترة ثرية جدا على المستوى الدرامي يمكن تناولها على عدة اصعدة... ولكن بقدر ما كان المخرج جريئا في ازالته لهذا الحاجز واستحضار جانب من الذاكرة الجماعية، المأساوية كان الطرح سطحيا بلا عمق درامي، اذ لم تكن علامات ودلائل هذه الفترة الساخنة جدا حاضرة في الفيلم ما عدى بعض الاشارات القليلة والنمطية... وحتى الشخصية المحورية التي يمثلها «هادي» (لطفي العبدلي) في الفيلم تبدو ضعيفة جدا واحيانا لا تتماشى مع منطق الاحداث... «فهادي» في الفيلم شاب سطحي بلا عمق همه الوحيد السهر والمجون ومعاكسة الفتيات... وهذه الشخصية لا يمكن ان تعكس تلميذ الباكالوريا في بداية الثمانينات... كما لا يمكن ان تعكس عقلية التلميذ الثائر والمتميز القادر او حتى المستعد للتغير والتطوّر... وينسحب الرأي على اصدقاء «هادي» بوصفهم يعيشون نفس الظروف. ** لماذا محمد الجبالي؟ واثر هذا البناء السطحي وغير المنطقي احيانا للشخصيات على اداء بعض الممثلين وفي مقدمتهم لطفي العبدلي الذي لم يخرج من شخصية الشاب المرح... اما المغني محمد الجبالي فيطرح اكثر من سؤال حول سبب اختياره لأداء دور رؤوف، فهناك اكثر من ممثل محترف يمكن ان يقوم بهذا الدور... ولا ندري اذا كانت نية المخرج دعائىة وتجارية لغرض استقطاب الجمهور... وهنا نعلم انه لا يغني في الفيلم.. وعمل ما قدّم المخرج محمد دمق في «دار الناس» فترة ساخنة جدا من تاريخ البلاد، ولكن في حكاية بسيطة جدا لا تتماشى في الواقع مع حرارة المشهد التاريخي.