* بقلم : عبد الرحمان مجيد الربيعي عندما استمعنا إلى ماذكر أنه اتفاق بين فرسان الفلوجة وقوات الاحتلال الأمريكي وقد قرأها في التلفزة أحد أعضاء لجنة المفاوضات أصبنا بالخيبة الكبيرة، فبنود هذا الاتفاق هي بمثابة إطفاء لجذوة الأمل التي قدمتها هذه المدينة بقتلها أكثر من تسعين من جنود وضباط الاحتلال في معركة واحدة عدا الجرحى وطائرات الهليكوبتر. جاء في البنود : تسليم الأسلحة الثقيلة تسليم المقاتلين وهوّنوا الأمر بأنهم سيحاكمون في محكمة عراقية (هل هناك محكمة عراقية حقّا؟). ثمّ اكتشفنا أن هذه البنود مجرد أوهام فمن نذر دمه لوطنه عليه أن يخوض معركته حتى النهاية (قدمت المدينة أكثر من سبعمائة شهيد خلال أقل من أسبوع). ولذا لم نستغرب هستيريا البنتاغون وما ورد على لسان رامسفيلد من وصف للمدافعين والمقاومين الأشراف انهم (أوغاد) وأنهم (قتلة) هكذا ! نحن في الزمن المقلوب جيوش الغزاة (ديمقراطية) والمدافعون عن وطنهم (أوغاد) بلغة رامسفيلد. ثم بدأت الخفايا تنكشف ففي الوقت الذي رفضت إحدى كتائب الجيش التي شكلها المحتلون مقاتلة مواطنيهم ولم تذعن لأوامر الجنرالات الأمريكان. في هذا الوقت تساهم ميليشيات الزعيمين الكرديين الطالباني والبارازاني في مقاتلة من هم أبناء وطنهم (أو من المفترض أن يكونوا هكذا) ونرى البارازاني الذي وصله الدور الأبجدي ليكون رئيس مجلس بريمر لهذا الشهر بتغيير قاموس الاحتلال ووصفه للمقاومين بالقتلة. كما نراه يرفض حل «البشمرغة» التي وصفها بأنها تمثل الشرف الوطني (أكيد أنه لا يقصد العراق الموحد) بل المدن التي اقتطعوها من الجسد العراقي. وكل الذي بدا منه ليس بمستغرب فقد رأينا «البشمرغة» الادلاء المتفانين في خدمة الاحتلال وهم يقدمون المعلومات لضباط الاحتلال قبيل احتلال بغداد ويصفون الجيش العراقي ب»العدو». ومن الخفايا التي تكشفت ان «البشمرغة» الكردية ليست وحدها من ساهمت في محاصرة الفلوجة وقصفها بل ومعها ميليشيات العائدين بدبابات الاحتلال ليكونوا حكاما للعراق فأفسد المقاومون عليهم حلمهم وقد اعترف ناطق باسم إحدى هذه الميليشيات (المؤتمر الوطني) بأن «الوفاق» و»المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» وكلها تنظيمات تطغى عليها الصفة الطائفية بأن الميليشيات المذكورة قد قاتلت مع الأمريكيين في معارك الفلوجة وهي الميليشيات نفسها التي تحارب ظاهرة السيد مقتدى الصدر لأنها استقطبت نسبة كبيرة من العراقيين وخاصة الشبان منهم وفي مناطق ظنوا انها المجال الذي يعملون على جعل سكانه مؤيدين لهم. لقد حملت إلينا أنباء صبيحة الأربعاء الموافق ل21 أفريل سقوط مروحيتين في ضواحي الفلوجة وهذا معناه أن هذه المدينة رغم كل تضحياتها مازالت واقفة وفرسانها يعرفون جيدا أن الحرب التي تشنها عليهم أمريكا وبعدها بريطانيا هي حرب (فاقدة لشرعيتها الأخلاقية) على حد تعبير أسقف كانتربري الذي كان من أبرز معارضيها وأن أمريكا قد تستعمل معهم «السلاح الحاسم» كما وصفه البيت الأبيض وجنرالات البنتاغون والتعبير يحيل إلى استعمال ما ابتكرته عقلية الدمار والإرهاب الأمريكية ولا شيء يمنعهم أو يردعهم عن محو الفلوجة بمن فيها وما عليها من الخارطة. ان تجار الحرب هم اليوم في أعلى حالات هيجانهم لا سيما أن الذين صدقوهم أو جاروهم قد بدأوا ينتبهون إلى انهم قد غرّر بهم.. وشعوبهم ستحاسبهم إن لم يتداركوا الأمر وينسحبوا. وكان أول فأس ينزل ليمهّد ما ظنوه بناء محكما ما فعله السياسي الإسباني العمالي الشاب زاباتيرو رئيس الوزراء الجديد وحذا حذوه قادة هندوراس والدومينيك والبقية تأتي. ان هناك فرقا كبيرا بين مرتزق طارىء أو عضو مأجور في ميليشيا حتى وان حملت إسما عراقيا «مع الأسف المر» وبين الذين اكتووا بذل الاحتلال وعاره وأقسموا على أن يطردوه ويطاردوه مهما كان سلاحه فإن مسحوا الفلوجة من الخارطة تبقى القائم وبعقوبة، تبقى كربلاء والنجف والكوفة، تبقى البصرة والموصل والناصرية، يبقى دجلة والفرات ويبقى النخيل. يبقى الضمير الوطني العراقي العربي الأصيل الذي لن تقضي عليه جيوش الاحتلال ولا ميليشيات العملاء المذعورة ولعل ما يبعث على الاستغراب عندما يقلب المتابع كتاب الأحداث في العراق ويكتشف أن للزعامات الكردية أدوارا تآمرية على الوطن وتعود إلى مئات السنين. حتى غزو هولاكو لبغداد وسقوطها كآخر عواصم الدولة العربية الإسلامية ثم بتواطؤ منهم وكانت لهم مساهمتهم غير المشرفة فيه.