لا أفهم هذه الأصوات التي تتمنى غروب شمس شارون، وتحلم بذهاب بوش! لا أفهمها لأنها تعوّل على ايجاد حلول خارجية، لمشاكل العرب ومآسيهم، وتنتظر هبة من السماء أو من الناخبين الاسرائيليين والأمريكيين، حتى تقلّ عندنا درجة الاختناق، ويتوفر لجونا السياسي شيء من الأكسيجين، وتنشرح ولو قليلا صدورنا المثقلة! وإذا كنا نعلق على الخارج كلّ مشاكلنا، ونجعل منه مشجبا لكل خيباتنا، فليس من المعقول أيضا أن نعلّق عليه أحلاما وأمانيّ وتطلعات! ومن قبل راهن العرب على الأصدقاء، وعلى صراع الشرق والغرب، وعلى حرب باردة كانت عليهم برد وسلام، وها هم لا ييأسون من مواصلة لعبة القمار، ويكتشفون جوادا يمكن الرهان عليه، تمثل لهم في شبح الرأي العام الاسرائيلي والأمريكي! الأول قد يكون سببا لتخليصهم من هيجان شارون، وازدرائه بهم، واحتقاره إيّاهم.. والثاني قد ينجيهم من اندفاع بوش، الذي يفعل ما يفعل باسم الرب، ويسند أول من يسند صديقه رجل السلام العبري! ومادام العرب على يقين أنهم يتعرّضون دوما لمؤامرة خارجية، فلا شكّ أن الحلّ عليه أن يأتي من وراء البحار، وعبر المحيطات، وعلى بعد آلاف الأميال. أما كيف؟ فإن المسألة لا تتعدّى التمنّي، ولا تتجاوز الآمال، أن يهدي اللّه الصهاينة فيتخلّصون من السفاح، وأن يتم نوره على «الأمريكان»، فيجعلون بوش خلال الانتخابات القادمة، في خبر كان! وهكذا يكفي اللّه المؤمنين شرّ القتال، ويزيدهم من فضله بلا حركة منهم أو جهدا أو حتى مجرد سعي! لا أفهم هذه الأصوات التي تتمنّى تحقيق حلم مزدوج، وتراهن على فهم جديد للعلاقات الدولية، ثمّ تكتشف حلولا بمثل هذا السّخف، لا تغني عن استحقاقات أخرى لا بدّ من الاقدام عليها، ولا تسمن من وهم فتجعل منه حقيقة! لا تعيش الشعوب على التمنّي، ولا تزدهر أحوالها بضرب الرّمل، ولا يتغيّر ما بها بالسّحرة والمنجّمين الذين أصبحنا نراهم في كلّ الفضائيات، تحت تسميات تطلق على السّحرة لقب المحللين، وعلى المنجمين صفة الاختصاص، لتتحوّل شاشات التلفزيون ذاتها الى مزارات تطرد فيها العفاريت، ويفكّ فيها المعقود، وتعيد للعاجز القدرة على الإنجاب! أما عن بوش وشارون، فإنهما في أقصى الحالات، مجرّد مرآة ينعكس عليها عجز وسخف عربي مزدوج، وأمّا عن الرأي العام في بلديهما فإنه قادر على أن ينجب مثيليهما، وحتى أسوأ!