ستواجه حكومة الجبالي اختبارا صعبا منتصف السنة القادمة (2012) التي ترفع فيها تونس تحديات هامة سواء كانت ظرفية أو هيكلية.وستخضع الحكومة الانتقالية، بعد أن تحصلت على ثقة المجلس الوطني التأسيسي، إلى تقييم صارم بعد أن "دعا الرئيس المنصف المرزوقي إلى هدنة سياسية واجتماعية بستة أشهر وهي مهلة ضرورية لاتخاذ الإصلاحات اللازمة وتقييمها بعد ذلك". ويسلط الخبير الاقتصادي حسني نمسية الضوء على أهمية هذه الهدنة بالنسبة للمرحلة القادمة وضرورة اعتماد ثقافة التقييم والمساءلة مستقبلا. سؤال: هل يمكن لهذه الهدنة أن تضع حلولا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل القريب؟ جواب: اعتقد أن فكرة إرساء هدنة اجتماعية تمتد لأشهر تعد "أمرا جيدا" نظرا لأنها ستعيد الثقة للمستثمرين الخواص وستمكن الإدارة والقطاع العام من الاستعداد لإدخال إصلاحات عميقة وإرساء مناخ يشعر فيه المواطن بالأمن. لكن في المقابل لابد من الإشارة إلى حجم التحديات التي تواجهها البلاد وهذه الفترة لن تكون كافية لامتصاص نسبة البطالة ولو جزئيا أو التقليص من نسب الفقر ومحو الأمية والحد من الإقصاء الاجتماعي. س: وباعتبار التحديات الكبيرة التي تواجهها تونس خلال السنة القادمة والتي تتسم بصعوبة الظرف العالمي، فما هي الإجراءات المقترحة للتوقي من الانعكاسات المحتملة لهذه الصعوبات؟ ج: فعلا ان الظرف العالمي، الذي يتسم بالانكماش، يمثل بالنسبة لتونس عائقا خارجيا إضافيا له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني باعتبار ما يواجهه من تقلبات داخلية. ولابد من الاعتراف أن دفع النشاط الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في ظل مناخ يتسم بكثرة الاحتجاجات وتعطل وحدات الإنتاج. وقد أبدى حمادي الجبالي، في برنامج حكومته أكثر اهتماما بإصلاحات هيكلية وتنموية تتنزل في إطار مسار تغيير مستمر. وأدعو في هذا الصدد إلى إصلاح القطاع العقاري واعتماد سياسة ناجعة في هذا المجال تحفز على الاستثمار من خلال تيسير مهمة الباعثين وتذليل الصعوبات التي تواجههم عند إنشاء مشاريعهم ولا سيما تشعب الإجراءات الإدارية ومركزية القرار. س: باعتبار ان سنة 2012 ستكون سنة تقييم بالنسبة للحكومة، ماهي أبرز المؤشرات التي يجب أن يرتكز عليها هذا التقييم والأطراف المستهدفة من هذه العملية؟ ج: ان رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الحكومة كانا قد أعلنا عن الشروع قريبا في تنفيذ إصلاحات هيكلية ستشمل كل القطاعات. ورغم أن هذه الإصلاحات تبدو وشيكة فان الحكومة لم تعد برنامجا واضحا ورؤية دقيقة للوضع الحالي وللتوجهات والأهداف المستقبلية وهو ما من شأنه أن يجعلها أمام قرارات عاجلة قد تزيد من صعوبة الوضع في البلاد. وأدعو إلى أن تكون سنة 2012 سنة لتقييم البرامج والسياسات المتخذة منذ سنوات والوقوف على مدى نجاعة الهياكل العمومية. فمن الضروري إرساء ثقافة التقييم التي ظلت غائبة في نظام بن على بسبب مركزية القرارات. ويتعين أن يستهدف هذا التقييم، البرامج التي تستقطب أموالا هامة من ميزانية الدولة على غرار برنامج تعليم الكبار وبرنامج التنمية الجهوية وآليات الإدماج المهني وبرامج التنمية الفلاحية وبرنامج التأهيل. كما يجب أن يشمل كل القطاعات بهدف إعداد أسس عمل شفافة للحكومات القادمة وتأطير برامجها التنموية للسنوات القادمة. س: ستشهد سنة 2012 انطلاق بعض البرامج على غرار "برنامج دعم القدرة التنافسية للمؤسسات وتسهيل النفاذ للأسواق" والذي سيتمم برنامج تعصير الصناعة. فهل ستكون، هذه البرامج بديلا لسابقاتها أم انه يتعين مراجعة كل السياسات الاقتصادية المعتمدة؟ ج: يجب أن يقع تقييم البرامج الحالية بطريقة موضوعية قصد تطويرها وإعادة توجيهها وملاءمة مضامينها أو وضع حد لها ان لزم الأمر. فمن أهم نقائص المقاربة الاقتصادية المعتمدة سابقا هو عدم تشريك المنتفعين بها في صياغتها. فلا يمكن ضبط سياسة صناعية في مكاتب وزارة الصناعة من دون تشريك الفاعلين والمستثمرين الصناعيين كما أن برنامج دعم القدرة التنافسية للمؤسسات وتسهيل النفاذ للأسواق الذي تمت صياغته كبرنامج قائم بذاته منذ أكثر من سنة لم يأخذ في الاعتبار المناخ الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه المؤسسات في الظرف الراهن. كما يتعين ان تكون أهداف هذا البرنامج مواكبة مع مقتضيات الظرفين الوطني والدولي بهدف الاستجابة أفضل لحاجيات المؤسسة التونسية.