تونس - مجدي الورفلي:تتباين آراء المحللين حول تطويع تيار الإسلام السياسي لخطابه بما يلائم الظروف الحالية خصوصاً فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. ويشدد البعض على ضرورة التمييز بين الإسلاميين في مصر وتونس آخذين بالإعتبار موقع مصر الجغرافي من إسرائيل والنقاش في تونس حول إدراج بند يجرّم التطبيع معها. زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يتابع محللون و مهتمون بالشأن السياسي الدولي التحولات التي تشهدها بلدان الربيع العربي وخاصة تفاصيل صعود تيار الإسلام السياسي للحكم ومدى قدرة هذه الحركات الإسلامية على التأقلم مع طبيعة موقعها الجديد وتطويع خطابها بما يتلاءم والظروف الحالية وتقدمها من صف المعارضة إلى المشاركة الفعلية في الحياة السياسية. ويرى البعض أن الشعارات الراديكالية التي رفعها تيار الإسلام السياسي في الماضي القريب بخصوص عديد القضايا، خاصة مواقفهم المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، لن يكون لها أثر لعدة اعتبارات أهمها الضغوطات الدولية وتغير موقعهم مما سيضع التيار الإسلامي بين الإيفاء بخطابه القديم الذي أوصله لسدة الحكم وقواعده من جهة، واحترام الشرعية الدولية ووضع اعتبارات موازين القوى على رأس حساباته السياسية من جهة أخرى. وقال عبد الوهاب الهاني الأمين العام لحزب المجد ل(إيلاف): "بالضرورة سيتغير خطاب الحركات الإسلامية لأنها حركات برغماتية بالأساس، ثم انه قبل وصولها للحكم كانت هناك حوارات بينها وبين الإدارة الأميركية منذ عشرية على الأقل وكلنا نعلم بالضجة التي عمت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة من ضرورة تجريم التطبيع مع إسرائيل في الميثاق الجمهوري تمهيدا لتجريمه في الدستور. ثم نتابع اليوم كلمة رئيس الحكومة ونلاحظ انه هناك فقط إشارة برغماتية لفلسطين كان يمكن أن يقولها أي نظام وبن علي نفسه كان يقولها حيث أهمل عودة اللاجئين والحق في المقاومة وعديد الجوانب التي كانت حركة النهضة والحركات الإسلامية عموما تؤكد وتصر عليها في الماضي القريب". ويتابع الهاني: "أنا آسف لهذا التناقض في الخطاب الواضح، فمنذ ثلاثة أشهر انسحبت حركة النهضة من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد رفض عدد من الأعضاء المصادقة على وثيقة تجرم التطبيع مع إسرائيل، واليوم أصبح زعمائها يقولون انه لا داعي من إدراج هذا البند في الدستور. وهذا التحول أو التناقض مرده الوضعيتين المتناقضتين والمتمثلتين في كون الحركات الإسلامية في حاجة إلى خطاب راديكالي للتعبئة، كما أن حركات سياسية أصبحت تمثل دولة وهي اليوم في الحكم وتجد نفسها مجبرة على إنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي وبالتالي ستضطر للجوء لنوع من الواقعية والبراغماتية السياسية في علاقاتها الدولية". ومن جانبه، يقول المحلل السياسي الدكتور طارق الكحلاوي ل(إيلاف) إن "الحركات الإسلامية شاركت في الصراع العربي الإسرائيلي منذ 1948 وموقفها المبدئي معروف خاصة حركة حماس، والآن أصبحت تحت المجهر وتغير موقعها بعد إمساكها بالسلطة فأتوقع أن يقوم الإسلاميون بمعادلة... ويمكن أن يكون هناك تناقض بين الخطاب الرسمي وخطاب الحزب السياسي وهنا اعتقد أن الحزب سيواصل في نفس التوجه القديم ويعتمد نفس الخطاب وتكون منظمات المجتمع المدني القريبة منه القناة التي يواصل عبرها ويحافظ على قواعده وهويته. لكن هذا لن يكون على مستوى الخطاب الرسمي، وهنا تطرح إشكالية مدى التباين بين الخطاب الرسمي و خطاب الحزب أو الحركة هل سيصل إلى حد التناقض، وهذا ما استبعده حسب المؤشرات إلى حد الساعة". ويتابع الدكتور المحاضر في جامعة ريجنسي بالولاياتالمتحدة الأميركية قائلا: "يجب التمييز بين الإسلاميين في مصر والإسلاميين في تونس، ففي مصر الوضع أصعب بكثير حيث لهم حدود مباشرة مع إسرائيل وهامش المناورة ضيق مقارنة بالإسلاميين في تونس أو الدول البعيدة جغرافيا والتي سيكون لهم مجال اكبر للتركيز على تفاصيل الخطاب. وبالنسبة لتونس مثلا، اعتقد انه سيدور نقاش بخصوص إدراج بند يجرم التطبيع مع إسرائيل ولكن هذا لا يعني شيئا والاختبار الحقيقي يتمثل في الدفع لتجريم التطبيع على مستوى التشريعات التونسية كما هو الحال في لبنان". وخلال لقاء مع (إيلاف) أكد سمير ديلو المتحدث الرسمي باسم الحكومة التونسية وعضو المكتب السياسي لحركة النهضة أن "مواقف حركة النهضة المتعلق بالقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ثابتة وهي قضية مبدئية وليست سياسية يحتكم فيها للبراغماتية أما فيما يخص تيار الإسلام السياسي في كل من المغرب ومصر فحسب المعلومات المتوفرة فطرح إمكانية تغيير الحركات الإسلامية لخطاباتهم و تعديلها لا تستوي". وتابع المتحدث الرسمي باسم الحكومة ل(إيلاف): "بالنسبة لموقف الحكومة من القضية الفلسطينية فقد عبر عنه رئيسها ويتمثل في كوننا نعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية ونساند حق الشعب الفلسطيني في دولته". أما منصف بن سالم، عضو المكتب السياسي في حركة النهضة ووزير التعليم العالي في الحكومة الحالية، قال ل(إيلاف): "نحن لن نغير مبادئنا و لسنا من الذين يتحركون على أساس المصلحة ونقول كلمة الحق وما نؤمن به مهما كان موقعنا وبالتالي اعتبر أن الشعارات التي كنا نرفعها فيما يخص القضية الفلسطينية لن تتغير وسننصر فلسطين مهما كلف الأمر والضغوطات الاقتصادية والسياسية علينا ". ومن جانبه أكد احمد الكحلاوي رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة الصهيونية ل(إيلاف): "بالنسبة لتيار الإسلام السياسي ومواقفه بخصوص عدد من القضايا العربية وخاصة علاقتهم بموضوع الصراع العربي الصهيوني ككل أنا لا أرى انه يجب التعميم، فهناك من يلتزم بالموقف المبدئي من القضية الفلسطينية ووجود الكيان الصهيوني كحركة حماس وهناك من غير مواقفه بسرعة كان يطلق عليه حزب النور الذي أكد رئيسه أنهم سيقبلون بما يقبل به الشعب الفلسطيني. أما الإخوان في مصر، نجدهم منقسمين بين تيار يلتزم بنفس موقف حزب النور وتيار لا زال يتبنى المقاومة وتحرير فلسطين، ولكن عموما إلى الآن لا يمكن الجزم بان تيار الإسلام السياسي ككل سيعدل في خطاباته ومواقفه من الصراع العربي الصهيوني او سيلتزمون بمبادئهم بعد وصولهم للحكم". وفي سياق متصل زار راشد الغنوشي في أوائل شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" مما أثار سيلا من الاتهامات لحركة النهضة باعتبار أن هذا المعهد يوصف من طرف العديدين بأنه "احد أهم أدوات البروباغندا الصهيونية في الولاياتالمتحدة". واستنادا إلى وسائل إعلام محلية وعالمية فقد أكد الغنوشي أنه "لا يوجد في برنامج سياستنا ما يشير إلى إلغاء إمكانية قيام علاقات مع إسرائيل كل ما في الأمر هي الوثيقة السياسية التي انبثقت عن لجنة بن عاشور أمضتها أحزاب (من بينها النهضة) لكن الدستور يجب أن يتداول السياسات الطويلة المدى التي تهم تونس، والصراع الإسرائيلي العربي ليس من جملة هذه المسائل، واليوم لا يوجد حزب لا النهضة ولا حزب آخر يقترح إدماج مثل هذا الفصل في الدستور الجديد. الدستور الجديد لم يكتب بعد والبلد الوحيد الذي سيذكر اسمه فيه هو تونس". وردا على ما نشر اتهم الغنوشي جهات صهيونية في مركز واشنطن بتلفيق هذه التصريحات وقال انه حضر ندوة واتفقت معهم أنها لن تكون للنشر ولكنهم خالفوا وعدهم وحرفوا المضمون. وتجدر الإشارة إلى أن حركة النهضة انسحبت في وقت سابق من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد معارضة بعض القوى والشخصيات في الهيئة المصادقة على عقد سياسي بين الأحزاب التونسية ينص على تجريم التطبيع مع إسرائيل. تكتيك سياسي وأكد محمد القوماني الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية واحد رواد تيار الإسلام التقدمي في تونس ل(إيلاف) أن "الإسلاميون كانوا طوال سنوات من أهم القوى المتصدية للهيمنة السياسية والغربية والآن هم يتقدمون نحو السلطة وموقعهم الجديد سيغير كثيرا في خطاباتهم، فمثلا فيما يخص الصراع العربي الصهيوني اعتقد أن تيار الإسلام السياسي لن يعدل في عقيدته المتمثلة في كون فلسطين ارض مغتصبة ويجب تحريرها، ولكن مثلما هو الأمر في إدارة الشؤون المحلية لأي بلد سيضطر الإسلاميون إلى اعتماد خطاب أكثر مرونة وإعادة ترتيب أولوياتهم". ويتابع القوماني: "سواء كانت حماس في فلسطين أو النهضة في تونس سيضطرون لاستعمال خطاب براغماتي يضع في اعتباراته الشرعية الدولية وموازين القوى والعلاقات الخارجية، بمعنى آخر سيعتمدون نوعاً من التكتيك السياسي الذي لن يغير في عقيدتهم لكن عمليا سيتعاملون مع القضايا العربية وخاصة الفلسطينية بأكثر مرونة و يتركون مساحة اكبر للتفاوض مع الغرب مما سيجعلهم يعانون من اتهامات بازدواجية الخطاب، مثلا بين خطاب رئيس الحكومة الحالي في تونس الشهير و المتعلق بالخلافة والذي أكد فيه أن تحرير فلسطين سيبدأ من تونس و تصريحات راشد الغنوشي في واشنطن هوة واسعة". ويؤكد الأمين العام لحزب الإصلاح و التنمية ل(إيلاف) قائلا " حركة النهضة أصرت على إدراج تجريم التطبيع مع إسرائيل في وثيقة العهد الديمقراطي وحرضت كثيرا ضد الأطراف التي رفضت هذا المقترح وفي رأيي أن النهضة استعملت هذه القضية كورقة سياسية في مواجهة خصومها آنذاك لكن حينما يكونون في السلطة يتطلب الأمر ما يطلق عليه طمأنة القوى الغربية فيؤكدون أن هذه القضية وتجريم التطبيع مع إسرائيل لا يستحق هذه المنزلة وان كانوا عقائديا يؤمنون بعكس هذا، نحن سننتظر اكراهات الوضع الدولي والإقليمي والذي سيؤثر بالتأكيد في كل خطابات التيار الإسلامي ومواقفهم المعلنة سواء في مصر أو تونس أو المغرب" ويرى القوماني خلال حديثه ل(إيلاف) انه "يمكن العودة لخطاب حركة حماس الذي تزحزح بعض الشيء وبدا يتأقلم مع الأوضاع الدولية فما بالك بالحركات الإسلامية غير المعنية بصفة مباشرة وبعيدة عن قلب الصراع. ومن المفترض أن تتغير السياسة الخارجية للدول العربية التي وصل وسيصل فيها الإسلام السياسي للحكم حيث طالما انتقدت هذه الحركات الإسلامية خطابات الرؤساء العرب واتهمتهم بالعمالة، ومن المفارقات أنهم اليوم محملون على تغيير سياسيتهم وتطويعها وإلا سيتسببون بأزمات مع القوى العظمى تكون لها انعكاسات اقتصادية وسياسية. فعلى سبيل المثال، جزء من المواجهات التي تخوضها إيران سببه مواقفها ودعمها للمقاومة الفلسطينية وعدائها لإسرائيل، وبالتالي، هذه المواقف مكلفة جدا ولا نعرف إذا كانت الحركات الإسلامية قادرة على تحمل العواقب في حال تمسكها بخطابها القديم ووعودها بتحرير فلسطين كليا". وفي نفس السياق، يقول محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري ل(إيلاف) " تيار الإسلام السياسي أصبح تراعي موازين القوى حيث سيتغير خطابها النابع من موقفها الحاسم فيما يخص القضية الفلسطينية وإتباعها للاءات الثلاث إلى خطاب ينبع من النظر إلى إسرائيل كدولة معترف بها وبالتالي خطاب هذه الحركات الإسلامية سيتغير وسيتعارض مع من يدعونه من مبدئية، فحركة النهضة مثلا في تونس استعملت مسالة التطبيع كورقة سياسية في وقت سابق واليوم المسالة غير مطروحة بتاتا ومن هنا نستشف أن لدى الحركات الإسلامية قدرة على تطويع خطابها حسب موقعها وإيجاد تأويلات سياسية ودينية له". ويضيف الكيلاني إن "القوى العظمى لن تسمح لأي نظام عربي، بما فيها الحركات الإسلامية بالتخمين في حل صدامي مع إسرائيل وبالتالي فالأمر تجاوز طمأنة الأنظمة السياسية الغربية ليصل إلى حدود الالتزامات، ومن هنا اعتقد انه خلال السنوات المقبلة ستختفي الشعارات التي تهتف بتحرير القدس وإلغاء إسرائيل من الخارطة الجغرافية". وفي سياق متصل، استنكرت حركة النهضة في وقت سابق دعوة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم يهود تونس للهجرة إلى إسرائيل، ووصفتها بأنها "غير مسؤولة" مؤكدة أن يهود تونس هم مواطنون مثل غيرهم من التونسيين". ترويض او تفاعل؟ وبخصوص العلاقة بين الحركات الإسلامية و الأنظمة السياسية الغربية يرى الدكتور طارق الكحلاوي المحاضر في الجامعة الأميركية من خلال إفادته ل(إيلاف)"ان هناك علاقة تفاعلية حيث أن هذه الأنظمة الغربية عدلت من مواقفها من الإسلام السياسي بعد ضغوطات طيلة سنوات خاصة من طرف المنظمات غير الحكومية والمنتمين للتيار الإسلامي المتواجدين في الدول الغربية، ومن هنا نستطيع تحليل كيفية قدرة الأنظمة الغربية على تغيير خطاب الحركات الإسلامية حيث أن الإسلام السياسي سيتعامل بمرونة أكثر معهم كلما غيروا مواقفهم منهم". وفي المقابل، قال عبد الوهاب الهاني الأمين العام لحزب المجد ل(إيلاف) " القوى الغربية لها بعثات دبلوماسية وهم في حوار منذ 10 سنوات مع الطرف الإسلامي حسب تقارير ويكيليكس وكان هدفهم عقلنة مواقفهم أو حتى ترويضهم وإقناعهم بضرورة الالتحاق بكتلة الاعتدال العربية لكن الغرب يدرك جيدا أن الحركات الإسلامية في حاجة للتعبئة للمحافظة على موقعها وقواعدها والأيام المقبلة ستكشف لنا هامش المناورة لدى الإسلاميين و مساحة الصبر لدى القوى الغربية". وكشفت وثائق صادرة عن السفارة الأميركية في تونس، ضمن تسريبات ويكيليكس عن علاقة جيدة تربط بالمنتمين لحزب النهضة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي بالبعثة الدبلوماسية الأميركية حيث انه كانت هناك زيارات متبادلة بين الطرفين وتشديد قادة النهضة ( زياد الدولاتلي خاصة ) على تمثيلهم الإسلام المعتدل.