ملاحظات حول نمو الاقتصاد التونسي بقلم : أحمد فرحات حمودي حقق الاقتصاد التونسي خلال العشرينية الأخيرة معدل نمو في حدود ال5 في المائة، هلل له الفريق الحكومي والصحف الرسمية وشبه الرسمية وبعض أحزاب "المعارضة". وصلت حد وصف ذلك بالمعجزة الاقتصادية، واعتبره بعض المناوئين الحاقدين على النجاحات التونسية غير كاف. وأمام هذا التباين في المواقف والقراءات وبعيدا عن التشنج يمكن الإقرار بأن القراءة المتأنية لمعدل النمو المحقق ستفضي إلى أربع ملاحظات: أولا أن هذا المعدل ليس الأعلى خلال خمسين سنة من دولة الاستقلال فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي (معدل تطور الناتج الداخلي الخام) خلال عشرية الستينيات 4,9 بالمائة ما يعني تقريبا نفس المعدل. أما خلال عشرية السبعينات فقد بلغ المعدل السنوي لتطور الناتج الداخلي الخام 7,4 بالمائة. وخلال عشرية الثمانينات تجاوز معدل النمو الاقتصادي السنوي 4 بالمائة. ثانيا أن هذا المعدل غير كاف حيث أنه لم يستطع تقليص نسبة البطالة التي ظلت تراوح 14 بالمائة من قوة العمل حسب الإحصاءات الرسمية فإذا أضفنا إلى ذلك 300 ألف عامل يعملون في الحظائر العمومية بصفة موسمية وبأجور لا تتجاوز نصف الأجر الأدنى الفلاحي المضمون يصبح بين 22 و23 بالمائة من قوة العمل يعانون البطالة والبطالة المقنعة بالإضافة إلى أن هذا النمو لم يستطع فك شفرة بطالة أصحاب الشهائد من خريجي الجامعات والمعاهد العليا. ثالثا أن هذا النمو الاقتصادي هو نمو هش يتأثر تأثرا شديدا بعوامل خارجية مناخية وسياسية بالأساس ولنا في نسبة النمو الاقتصادي المحققة بين سنتي 2001 و2002 والتي لم تتجاوز 1,8 بالمائة بعد أن كانت قد بلغت سنة 2000/2001 4,8 بالمائة وذلك بسبب تراجع منسوب الأمطار موسم 2001/2002 من جهة وبسبب أحداث 11 سبتمبر التي أثرت أيما تأثير في مداخيل القطاع السياحي من جهة ثانية. إلى ذلك لم يساهم هذا النمو الاقتصادي في الحد من الفوارق بين الجهات ولم ينجح بالنتيجة في الرفع من مستوى الاندماج الاقتصادي فالجهات التي تساهم بالقسط الأكبر في النمو هي نفس الجهات إذا ما استثنينا جهة سيدي بوزيد من خلال الفلاحة السقوية. ولم تنجح الإجراءات التحفيزية التي أقرّتها الحكومة في دفع المستثمرين إلى الاستثمار في بعض المناطق المهمشة لغياب بنية تحتية متطورة (طرقات سيارة، سكك حديدية، مطارات...). رابعا أن الخيارات الاقتصادية التي أفضت إلى هذه النتائج بغض النظر عن نجاعتها من دونها ليست إلا توصيات صندوق النقد الدولي في إطار ما يعرف بمخططات الإصلاح الهيكلي والتي صارت بموجبها الدول تتنافس قصد جذب الاستثمار وما يفرضه ذلك من تقديم حوافز مالية وخفض للضرائب وترويض النقابات العمالية وهو ما يعبر عنه بكل وضوح هالمت موشيه رئيس شركة نيستلي في المنتدى الاقتصادي المنعقد في دافوس " فبالنسبة للحكومات أمسى كسب السبق في المنافسة مع بلد الجوار أمرا مصيريا". بهذا النحو أمست الحكومة خادما مطيعا يمتثل بأمر السوق وفقدت السياسة سلطانها على الاقتصاد. لا جدوى إذن من الحديث عن هوية الحكومة أو الحزب أو الشخص المسؤول عن هذه النتائج الاقتصادية. إن الدولة المستسلمة للسوق بهذا الشكل ليس لها القدرة على تحقيق توزيع أكثر عدالة لثمار النمو حتى وإن حققت نسب نمو اقتصادي أعلى. أحمد فرحات حمّودي