القيروان.. البرد يتسبب في اضرار بمحاصيل الحبوب والاشجار المثمرة    القصرين.. حجز 2147 قرصا مخدرا بحوزة شخصين على متن سيارة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    أخبار النادي الصفاقسي...اختلافات حول بقاء الضاوي وشواط مطلوب    بنزرت: إلغاء إضراب أعوان الشركة الجهوية لنقل المسافرين المبرمج ليوم الأربعاء 07 ماي    في الصّميم ...«قرش الشّمال» بروح الكبار.. بنزرت معقل النضال وفلسطين دائما في البال    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    لأول مرة في السينما المصرية/ فيلم يجمع هند صبري بأحمد حلمي    إلزام الناشرين الأجانب بإرجاع كتبهم غير المباعة إجراء قانوني    وفاة 57 طفلا والمأساة متواصلة ... غزّة تموت جوعا    هبة يابانية    نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    برلمان: لجنة العلاقات الخارجية تنظر في أولويات برنامج عملها    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    دوار هيشر: 5 سنوات سجناً لطفل تورّط في جريمة قتل    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية والنظام السياسي الإسلامي والاستبداد! (1) بقلم عبدالرحمن الجميعان
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 03 - 2012


المنسق العام لمنتدى المفكرين المسلمين
لا يزال التيار الإسلامي مسكونا بالخوف من كلمة الديمقراطية، لا من حيث التطبيق بل، الخوف الأكثر، من حيث المعنى اللغوي، نظرا لاستجلابها من الغرب الكافر، ثم لكونها عصية على التطبيق في تعامله التنظيمي، ولتخويف مشايخ السلطان منها!
من هنا يرى طرح الإشكالية:
· في ضوء التناظر بين الشورى أم الديمقراطية، وهذا طرح غير مقبول وغير منصف. فالديمقراطية إجراء بشري بحت، بينما الشورى مبدأ عام من مبادئ الإسلام، فلا يقارن ما وضعه الإنسان مع ما شرعه الرحمن!
· في ضوء أن الديمقراطية قابلة للتطور كآليات، وتعاريف، في حين أن الشورى قيمة ومبدأ ثابت على مر العصور وكر الدهور.
· وفي ضوء أن الديمقراطية ليست منهج حياة ولا دين، بل هي إجراءات ونظم تنظم الحياة السياسية، أما الشورى فليس هناك إجراء محدد وضعه الإسلام ولم يجز تجاوزه.
أين كانت الشورى في حياة الأمة؟ لا نبعد النجعة إن قلنا بأن الشورى قد أقصيت عندما صودر حق الأمة في اختيار الخليفة والحاكم في عهد معاوية بن أبي سفيان، عندما ولى يزيد ابنه وصادر حق الأمة بالسيف في أحقيتها في اختيار من تريد، ثم توطد الاستبداد على يد عبدالملك بن مروان.
في عهد الخلافة الراشدة كانت الشورى الأساس الذي يتعامل به الناس آنذاك منذ تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة، وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام بأن أبا بكر لم يصبح خليفة في السقيفة، بل أصبح خليفة شرعياً عندما بويع من قبل أكثر الأمة، بعد السقيفة في المسجد، والملاحظة الثانية أنه ليس من الضروري أن تمارس الأمة جميعها حق الاختيار، فهذا متعذر سابقا والآن. أما سعد بن عبادة وبعض بني هاشم فلم يبايعوا، وهذا كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوضح القضية: ( فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ). وهناك أمر آخر وهو أن أبا بكر رضي الله عنه لم يلاحق من لم يبايعه بل تركهم في أرض الله الواسعة و لم يتعرض لأي واحد منهم بأذى.
نعود إلى كلام الإمام الذي يرسم الصورة جلية واضحة لمعاوية وللأمة في رسالته الشهيرة المنشورة في نهج البلاغة.
الشورى كانت هي الطريقة التي بويع فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ثم بقيت المدينة بلا إمام ثلاثة أيام ثم بويع علي، رضي الله عنه، وهنا أيضاً لم تبايعه الأمة بيعة تامة، بل خرج عليه أهل الشام ثم الخوارج ثم طلحة والزبير رضي الله عن الجميع وعفا عنهم، ولكنه ظل إماما للأمة رغم كل ذلك، ومن خالفه أو خرج عليه فهو مخطئ، والحق كان مع علي رضي الله عنه.
فالشورى لها صورة هنا نظراً لتوسع رقعة الأمة جغرافياً، فلم يتكلم أهل الحل والعقد عن ضرورة بيعة الأمة، بل هذا علي بنفسه يرفض هذا الأسلوب، وهذا مما يدل على أن المهم في مسألة الشورى هو تأصيل المبدأ، وأن رضى أهل العقد والحل الذين كانوا هم (المهاجرون والأنصار)، وهذه مسألة فقهية أوردها الفقهاء في كثير من كتبهم. هذه الشورى لم تتكرر أبداً في عهد الدولة الإسلامية إلا في حالات نادرة جداً، بل أن التوريث هو الغالب في النظام السياسي الذي أصل لها العلماء، وصادروا بموجبه حق الأمة في الاختيار.
هذه بعض الملاحظات المهمة. لكن قبل الولوج في قضية الديمقراطية لا بد من الوقوف عليها وإدراكها وفهمها حق الفهم، لأنها تعين على فهم الديمقراطية والشورى والنظام السياسي وموقعه من الأمة!
(2)
إن تحديد المصطلحات وتعيين المفهوم يعد من أولويات تقارب الفهم، إذ أن ما سبب النزاعات والإشكالات الكبرى في الفكر العربي، كان مرده في غالب الأحايين هذه الإشكالية التي تجعل من المفاهيم ملتبسة وغير محددة، بحيث يفسرها كل منهج بحسب فهمه وآلياته وأدواته المنهجية. ومن هذه المفاهيم، التي تذكي الصراع، مفهوم الديمقراطية والنظام السياسي في الإسلام.
من الحقائق الثابتة غياب الديمقراطية الحقيقية في البلاد العربية، كل ما هو متوفر تجارب ديمقراطية، إما أنها ناقصة، وإما أنها توأد عند ولادتها.
بعض الإسلاميين ومشايخ الدين يبغضون الديمقراطية ويحاربونها، ويشنون عليها الحرب، وأنا لا ألومهم، فالإنسان عدو ما يجهل. لكن المسألة تكمن في عدم الاطلاع الكافي على المفهوم، ومن ثم غياب الفهم الأساسي والصحيح لمفهوم الديمقراطية، واستيعاب ممارساتها ، وآلياتها النافذة والفاعلة. فالكثيرون لا يعرفونها إلا من خلال كلمات لا تفي بالمعنى. أما المعنى الذي يذكر رديفاً عندما تذكر اللفظة، فهو عبارة: ( حكم الشعب بالشعب للشعب)، وهذا اجتزاء وقصور في فهم وإدراك المفهوم العام والممارسات الفعلية للديمقراطية!(1)
الثابت أن علماء السياسة اختلفوا في وضع مفهوم محدد للديمقراطية، فليس هناك اليوم تعريف محدد و واضح للديمقراطية، فبينما هي عند نواف القديمي تقوم على مبدأ عام: ( يتمحور حول عدم مشروعية استخدام العنف في التغيير السياسي ... وتنطوي على مؤسسات سياسية، وتوجب مبدأ فصل السلطات)(2) بينما نجدها في الموسوعة السياسية أنها: ( نظام سياسي اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأي المساواة بين المواطنين، ومشاركتهم في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة)(3). أما النظام السياسي فيختلف عن الأيديولوجية ومنهج الحياة، فهو مجموعة من الأسس والقواعد والأيديولوجيا التي تعتبر محركات للإنسان حول الكون والحياة، والتي تفرض رؤيتها على سلوكه.
الديمقراطية كآليات وأسس نحتاجها في التعامل السياسي، وهي ضد الاستبداد، واليوم لا يمكن أن يرضى الغرب وغيره بالنظام السياسي الإسلامي، ولكن نستطيع من خلال الديمقراطية التوصل إلى نشر الحرية والعدالة والمشاركة السياسية لأنها أسس النظام الديمقراطي، وليس في هذا ما يخالف ديننا الإسلامي، والعدالة أصل إسلامي كبير من أصول النظام الإسلامي.
ومع أن الديمقراطية لم تطبق بحذافيرها، إلا أن ( حماية حقوق الإنسان وصيانة الحرية العامة، سمات عامة مشتركة، تتميز بها نسبياً نظم الحكم الديمقراطي على اختلافها، مقارنة بتدني سجل حقوق الإنسان في نظم الحكم البديلة)(4).
بل إن برهان غليون يذهب إلى أن الديمقراطية قد ( تتحول إلى وسيلة لتعميق الفوارق بين الطبقات وزيادة حجم الفئات المهمشة في المجتمع)(5). بينما يراها سعيد زيداني في إطلالته على الديمقراطية اللبرالية: ( أنها نظام الحكم المجرب الوحيد الذي يقدم البديل العملي للاستبداد والطغيان ... وأنها تقوم على الحرية الفردية والمساواة أمام القانون..) (6).
لكن ماهي مؤشرات الديمقراطية؟ وما العلاقة بينها وبين النظام الإسلامي؟ ولماذا الديمقراطية لا الإسلام؟ ولم ترتبط الديمقراطية بالغرب، والاستبداد بالعصور الإسلامية والعصر الحديث عند العرب المسلمين؟ قضايا سنتطرق إليها لاحقاً.
(1) انظر المسألة الديمقراطية في الوطن العربي -مركز دراسات الوحدة العربية -على الكواري وآخرون ص12
(2) نواف القديمي -أشواق الحرية ص13 ومابعدها
(3)انظر الموسوعة حرف الدال
(4)المسألة الديمقراطية29
(5)برهان غليون منهج دراسة مستقبل الديمقراطة،في المسألة الديقراطية ص241
(6)السابق ص 79
(3) هل يمكن تطبيق الشريعة؟!
سؤال سيظل صداه يتردد سنينا إلى أن يجد مستقره فيقبع فيه محتضناً آلامه وآماله التي طواها عبر سنين الجحود والنكران والظلم والتعسف والقتل والتشريد باسم الدين تارة وباسم الوطنية والقومية تارة أخرى وباسم المصلحة العليا تارات أُخر!
هل يمكن تطبيق الشريعة في ظل هذا الزمن المتغير ذي المجتمع المدني؟
السؤال لا مكان له في واقع الحياة، ولا ينبغي أن يُسأل، إلا أننا نجد من يسأله لسببين: الأول يكمن في الخبث والثاني يتمرغ في الجهل! وكلا الأمرين لا مناص منهما في هذه المجتمعات المريضة. ولنسأل قبل الخوض في القضية، ما الشريعة؟ وما مفهومها اليوم؟ وما أغراضها؟ وما ملامحها العامة؟ وأي شريعة نريد؟
ولكن يدور بخلدي سؤال أود أن أسأله: هل هناك تطبيق للديمقراطية في الدول العربية؟ ما الذي يطبق في هذه الدول؟ أهو العدل والحريات والمساواة وتداول السلطة السلمي وفصل السلطات ونزاهة القضاء واستقلاليته؟ أم شيء آخر غير هذا! إن الإجابة على هذا التساؤل سيمكننا، بلا شك، من الإجابة على التساؤل الأول! إن من يكون عدواً لتطبيق آليات الديمقراطية هو إما جاهل بالإسلام أو مستبد أو لا يعرف للحرية قيمة ومعنى أو ... أو …!
ما علاقة الديمقراطية بالإسلام؟ أو لنكن أكثر تحديداً حتى لا يغضب البعض منا، ما علاقة آليات الديمقراطية بالإسلام والشريعة؟؟؟ سؤال وجيه لا بد من سؤاله، لأن غياب الوعي وتغييب العقل داخل نصوص التراث شكلت هذه العقليات المفروزة التي نراها اليوم والتي تعادي الحرية والعزة والكرامة ومشاركة الشعوب حريتها.
قضايا كثيرة طرحت في هذه الحروف السالفة، ولكن لا يهم ما دام الأمر يخدم ما نريد، فنحن نريد تجلية الصدأ عن هذا الدين وعن هذه الشريعة الغراء التي لم ير فيها البعض إلا قطع الأيدي ورجم الزاني والتعزير والتشويه، ولم ير بياضها ونصاعتها وإشراقتها على العالم بشمسها وحرياتها ومحاربتها للظلم والظالمين والجهل والجاهلين، وهناك من رآها تخلفاً ونكوصاً للخلف، ورأى الرجوع للدين رجعية وانتكاسة للوراء، ورجوعا للخلف، ومحاربة للتقدم والتطوير والتقدم في الصناعة والزراعة والعمل المدني! لماذا يحدث كل ذلك؟ أظن لسببين: يتمثل الأول في التاريخ، والثاني في الحركات الإسلامية!
أما التاريخ فلم ير فيه البعض إلا نزاعات وحروباً أو استبداداً وظلماً وفساداً وتوطيداً لحكم المفسدين مثل فودة والتيزني و آركون وجعيط والقائمة طويلة، وأخفوا عن عمد كل الإنجازات الحضارية وطمسوا كل عمل براق لهذا التراث والتاريخ الضخم!
أما الثاني فلأن الحركات الإسلامية ليس عندها مشروع للدولة، لا تنظيراً ولا تحقيقاً، ولم تستطع أن تصارع هؤلاء المفكرين الكبار ولا مجاراة ما ذهبوا إليه من أطروحات فكرية عميقة، لا فكراً ولا أسلوباً و لا طرحاً إلا من رحم الله، وعلى استحياء!
حاربت هذه الحركات العدالة والحريات من خلال محاربتها للديمقراطية، وما استطاعت أن تجر أرجل هؤلاء لهذا الدين وتبرز مسببات مطالبتنا بتطبيق الشريعة، وأن العاقل من يريد تطبيقها، وصاحب الفكر السديد من ينادي بها، لأنها هي المخلص من ظلم البشرية ومن سواد الدنيا ومن تعاسة وشقاء العالم، لا نقول هذا الكلام إلا من واقع تجربة ويقين بأن دين الله هو الدين العدل والحقيقي الذي ترتع الأمم بخير منه وكرامة وعز!
الديمقراطية والشريعة صراع أم وئام؟ وهل الديمقراطية هي طريق الحركات الإسلامية للشريعة ؟ نتوقف لنواصل النقاش في مقالات قادمة!
(4)
لا يزال سؤالنا معلقا في عنوان المقالة لأننا لم نجب عليه، وهذه المقالة والمقالات القادمة ستكون بإذن الله أجوبة وليس جوابا وحدا لهذا السؤال، وأرجو من القارئ الكريم أن لا يحكم و لا يستعجل حتى تنتهي هذه المقالات ثم نصدر رأينا، أما قبل ذلك فلا!
بادئ ذي بدء أود أن أضع بعض الأصول التي أقرها الدين و أصبحت من ضروريات هذا الدين، منها مثلا:
1- المرحلية والتدرج: في أي سياق؟
فالمرحلية والتدرج في تطبيق الأحكام. المرحلية في قيام الدولة، هي من أساسيات الدين، فلقد كانت المرحلية من أهم صفات تكوين المدينة في العهد المكي ثم المدني، وحتى الأحكام والحلال والحرام ما نزلت دفعة واحدة بل تمرحلت، كتحويل القبلة وتحريم الخمر، بل كان تحريم الربا في حجة الوداع، مما يدل على أهمية هذه المرحلية وفقهها في تطبيق الدين. لكن الشريعة اكتملت، وصار الحلال بين والحرام بين. ومع ذلك فالظروف التي تمر بها الأمة منذ مئات السنين لم تعد تسمح بتطبيق آلي للشريعة دون تحقيق قدر كاف من التأهيل والوعي لدى العامة يسمح بتنزيل الحكم الشرعي دون عوائق يمكن أن تهدم أية جهود في هذا السبيل. وهذا فهم أورده الفقيه المجدد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عندما دخل عليه ابنه عبد الملك يوما: « ما لك لا تنفذ الأمور، فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق؟!»، أجاب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قائلا: « لا تعجل يا بني. فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة. وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة»، وهذا فقه وبصر في أمور الشرع والدين لا يفقهه إلا من سبر غورها وغاص في جمالها ونصوصها العظيمة. ومرة قال لميمون: « لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل إني لأريد الأمر من أمر العامة فأخاف ألا تحمله قلوبهم فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا »، فهي النسبية والتدرج والتمرحل في الوعي وليس في سلامة الحكم الشرعي، إذا كنا نريد لأحكام الله السيادة والهيمنة، وهي قضايا من الأهمية بمكان ، ولا ينبغي المرور عليها مرور الكرام والتلفظ بها لمجرد الألفاظ، بل لابد أن تجد لها مكانا مناسبا في الخطاب الدعوي والإسلامي اليوم.
2- تحقيق مقاصد الشريعة:
قامت الشريعة للحفاظ على الكليات الضرورية الخمس التي فصلها علماء الأصول وخاصة الشاطبي في كتابه العظيم « الموافقات»، ومنه تنطلق الشريعة لتفريع الأصول وفق هذه الكليات الخمس، فالعدل والمساواة ودفع الظلم وتفعيل الحريات، والمحافظة على ثروات الأمة وغيرها كلها مما جاءت به الشريعة وبتفصيلاته، فإذا تحقق شيء من ذلك؛ فذلك جزء من الشريعة عظيم قد طبق، وإذا لم نستطع أن نطبق الشريعة كلها، فلنطالب ولو من باب الديمقراطية المقبولة عند الجميع والغرب بخاصة، بالعدالة والمساواة وتداول السلطة وهكذا، أفلا نكون بهذا الفهم قد قطعنا شوطا كبيرا في تطبيق الشريعة والقرب من دولة الإسلام!؟ فالعدل مقصد عظيم من مقاصد هذا الشرع، لا بد من التوجه إلى تطبيقاته في مجتمعاتنا والمناداة به، لأن الظلم دمار للمجتمع والدولة، فهذه القضايا أسلحة في أيدينا نستخدمها ونصر عليها ونريدها، بل ونحج بها أعداءنا!
نقف هنا لأن هناك أمورا لا بد من ذكرها، سنتناولها في مقالة قادمة باذن الله.
(5)
ذكرنا في مقالة سالفة طرفا من بعض القضايا الرئيسية والمهمة في باب الفهم العام لتطبيق الشريعة وقيام الدولة، واليوم نستأنف القول في هذا ونكمل المسيرة، فنقول مما لم نذكره:
3- توسع الاجتهاد بقدر حاجات الناس وتوسع المدن: كلما اتسعت رقعة الدين اتسعت رقعة الجغرافيا وزادت حاجات الناس وقضاياهم، ويقال إن نصوص الشرع متناهية ولكن قضايا الناس لا تنتهي. ففي كل يوم يخرج أمر، وتكون قضية، أفنقف وننتظر الوحي، فإن الوحي لا ينزل ؟ لهذا فتح الإسلام باب الاجتهاد لأصحاب ملكة الاجتهاد كي لا يقفوا أمام هذه الأمور، ويجعلوها حجر عثرة في تطبيق الشريعة بل لابد من تحريك العقول في أمر تطبيق الشرع في كل زمان ومكان، ومن قرأ الغياثي، وفتاوى علماء الأندلس والمغرب بعد محو الدين في الأندلس أدرك كم هذه الشريعة عظيمة! وكم نحن ينقصنا الوعي والفقه بنصوصها ووعينا في تطبيقها، وأننا أضعنا أزمانا طويلة ونحن نسبح في خيالات من الفكر والتحريم والطوباوية اللامعقولة!
4- الإسلام لا يحارب كل جديد ولا كل مستورد:
ومن الأمور المهمة في هذا المجال إدراك أن الإسلام لا يقف ضد التطوير ولا ضد استيراد الأمور النافعة للأمة أبدا، ففي عهد النبي صلى الله عليه آله وسلم اقترح سلمان الفارسي رضي الله عنه حفر الخندق لأنهم كانوا في فارس يفعلون ذلك، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم دون تردد، ومع ابن الخطاب رضي الله عنه أيضا شيء من ذلك في تدوين الدواوين، ووضع الأسماء ورصد المواليد وعد الأنفس! ونحن نعيش في عالم متناقض غير مستقر في كل يوم جديد، لا بد من وضع رؤية عامة لفهم الدين وفقه الدولة ومقاصدها في هذا الزمن.
5- مفهوم الشريعة الواسع:
فليست الشريعة معناها الحدود، فذلك فهم ضيق جدا للشريعة، بل الشريعة تشمل كل مظاهر الحياة، من عبودية الفرد لربه إلى واجبات الخليفة وحقوق المواطنين، والعلاقات الدولية وغيرها، كلها تشمل الشريعة، وليست هي النصوص فقط بل أيضا الممارسات السياسية والاجتماعية التي لا تعارض أصول الدين، ولهذا جعلت سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم التي لم تخالف أصلا ولا نصا من ضمن الشريعة السمحة.
6- مسألة الحدود:
والحدود هي الجزء الأخطر. والواضح في الشريعة مع الأسف، وهي الأمر الذي يدندن حوله كل من يرفض الشريعة، ولا بد من توضيحها للعامة والخاصة من قبل متخصصي الشريعة والعلماء وفقهاء القانون.
الحدود من أواخر الأحكام التي أنزلت، لذا فهي من جهة ذروة سنام الأحكام الشرعية وليست كل الشريعة، ومن جهة أخرى علامة سيادة الشريعة. ولهذا نقول أن الحدود تجد طريقها للتطبيق في ظل استقرار الشريعة وتمكنها من الناس في قلوبهم وفي واقعهم، وهذا هو المهم؛ أن يكون للشريعة المساحة الكبيرة في التطبيق العملي لا القولي، فلا بد من كسوة كل فقير وسد حاجة كل معوز ومسكين، ولا بد من استقرار العدل والمساواة وتوسيع نطاق الحريات، وستر المجتمع وحمايته من الرذيلة والشهوات، وإصلاح الإعلام، وغيرها من أمور، ثم يأتي بعد ذلك دور تطبيق الحدود في هذا المجتمع الذي ارتضى تطبيق الشريعة ورآها عيانا ورأى فضلها، فمن يسرق والدولة قد أعطته أو زنى والدولة وفرت له سبل النكاح فلا بد أن هذا العضو مريض، ويحتاج إلى علاج، ولا علاج له إلا بالتطبيق الفعلي للحدود حتى ينزجر الناس ويرعوي كل صاحب فتنة وشر.
والحدود ليست مبتغاة لذاتها، بل هي مطلب لشيء آخر وهو استقرار الشرع، والعدل ونظافة المجتمع والدولة، ولهذا قيل: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وكما قال عمر: « لَأنْ أخطئ في العفو خير لي أن أخطئ في حد»، لأنها آخر المطاف وآخر الدواء الكي.
هذه أمور لا بد من فقهها ووعيها حق الوعي، قبل الولوج إلى الحديث عن تطبيق الشريعة وموقف الديمقراطية من الشرع!
22/1/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.