إن معنى العفو التشريعي العام،دون الدخول في التفاصيل والمتاهات الإجرائية المعقدة،هو أن الهيئة الاجتماعية،الموكول لها وبها أمر التشريع،باتت تعتقد أن الفعل الفلاني ليس جريمة،وأن المحكوم به عليه بمقتضاه تُبَرّأُ ساحته،ويعود كما لو أن الجريمة والعقاب لم يكونا .... ولأن تاريخ دولتنا اقترن بالكثير الكثير من القضايا الباطلة التي تمّ فيها استخدام جهازها التشريعي لتجريم المناضلين الأُباة الأحرار منذ تاريخ الاستقلال إلى اليوم،فقد كان مطلب العفو العام ملحاحا منذ عقود،ولا سيما بعد أن اقترفت الدولة محرقة بأتم معنى الكلمة في ...حق عشرات آلاف الشباب من التونسيين،والإسلاميين منهم على الخصوص في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ولكن لم يتسنّ لشعبنا المسلم المسالم الأعزل أن ينعم بتحقيق مطلبه إلا عقب ثورة الحرية التي عرفتها بلادنا منذ جانفي 2011، وقد سارعت حكومة محمد الغنوشي ومن معه إلى سن "عفو عام"،على عجل،بتاريخ 19 فيفري 2011،وكان ذلك بمقتضى أول مرسوم تتخذه "حكومة الثورة'؟،وانطبع بسبب ذلك بكثير من الالتباس والغموض والضبابية، ونصّ كما هو معلوم على أن يقع استكماله لاحقا. .... اليوم،وقد تشكّلت حكومة شعبية حقا،ديمقراطية شرعية حقا،وقد شرعت بعدُ في العمل من أجل تفعيل العفو العام،أو قل من أجل ترميمه،لأنه جاء واهنا واهيا،فإننا نحن المعنيين بهذا القانون،ننوه بما يلي: أولا:نحن جيل قضينا 21 عاما ما بين سجن،وإقصاء وإلغاء،وحتى نفي داخل الوطن من فضاء الحياة العامة،ولقد طالت العقوبة أشخاصنا،وأشخاص أزواجنا وأبنائنا وعائلاتنا،بلا استثناء. ثانيا: إننا نعتقد أن حجم المعاناة والمحنة التي تعرّض لها الإسلاميون منذ 1991 وإلى 2011،لم يسبق أن عرفت البلاد مثيلا لها منذ أن حرقت روماقرطاج في القرن الثاني قبل الميلاد. ثالثا: إن البعض من الأضرار،المباشرة وغير المباشرة،التي تعرّض لها البعض منا،والتي نحتسبها عند الله تعالى ولا نمنّ بها على أحد،هي مما لا يمكن تعويضه أو تلافيه مطلقا،وإلى الأبد،كالفشل الدراسي لبعض أبنائنا وبناتنا،والأمراض النفسية،وحتى العاهات نتيجة الفقر والمنع من التداوي،والانحراف والضياع...بل إن البعض منا قد حُرِم من نعمة الإنجاب ...... رابعا: إننا إذ نتفهّم وضع البلد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي،وإذ نعرب عن استعدادنا لمزيد البذل والعطاء والفداء،في سبيل الثورة والحرية والديمقراطية،فإننا نرفض قطعا أن يتمّ التعاطي مع ملف تعويضاتنا المادية والمعنوية،بطريقة لا تكفل كامل الحق في كامل التعويض في مستوييه المادي والمعنوي،ونعتبر أن ذلك هو حقنا إزاء الدولة والهيئة الاجتماعية عامة،كما نرفض أن يتم التلويح في وجوهنا بالوضع الدقيق للاقتصاد. وسوف لن نقبل أن تكون الحكومة الحالية أو التي تليها هي الخصم وهي الحكم،ونطالب بأن يتم التعاطي مع قضيتنا،التي سوف تظل شاهدة على واحدة من أبشع صفحات تاريخ بلدنا منذ نشأته،بأقصى درجات العدل والحق والإنصاف من مظلمة ليست ككل المظالم. خامسا: نهيب بحكومتنا الشرعية التي انتخبناها،وأيّدناها،ولا زلنا نؤيّدها،أن تشرّك الفعاليات المدنية ذات العلاقة على أوسع نطاق،فيما يتعلق بتفعيل العفو التشريعي العام،ضمانا للعدالة،وتكريسا لمسار الثورة ومسار الديمقراطية. سادسا: نحن نعتقد أن وفاء الحكومة الحالية لأجيال الشهداء والمناضلين الذين طَحَنَتْهم آلة الفساد والاستبداد،وتآمر عليهم الكثير من أطراف الداخل والخارج،هو فوق كونه واجبا أخلاقيا وقانونيا وسياسيا،ضمانة تشهد بصدقيتها،وتُؤَمّنُ حسن تواصلها مع الشعب الذي ائتمنها على حقوقه وحرياته المغدورة المهدورة ... لقد كانت ثورتنا ثورة تاريخية،وعلى غير منوال،ونأمل ،ونعتقد أن حكومتنا أيضا،ستقدّم نموذجا تاريخيا،وعلى غير منوال،في مسألة جبر الأضرار،ورتق الجروح البليغة التي أصابت آلاف العائلات وعشرات آلاف الضحايا،الذين عمّدوا وعبّدوا بدمائهم وأرواحهم مسار الحرية التي ينعم بها شعبنا اليوم،والتي هيّأت الطريق لشعوب أخرى في شرق العالم وغربه. ... المجد والخلود للشهداء... والعزّ والفخار للمناضلين الأباة الأبرار مجموعة من سجناء الرأي ولاية القيروان Salah Mtiraoui