ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذا الأمر، حتى لا أدرج ضمن الحملة الظالمة ضد الشيخ غنيم. ويهمني أن أؤكد في البداية أنني ضد هذه الحملة، لأنها حملة فاسدة من جماعة اعتادوا سماع رأي واحد، ويريدون أن تظل تونس حتى بعد الثورة تعبد الرأي الواحد.. فهم يريدون الحرية في اتجاه واحد هي حرية التغريب والتفسخ والعراء. وقد تغير الوضع ولن يعود التاريخ إلى الوراء. لكن هذه الحملة الظالمة ضد الشيخ غنيم لا تمنع المرء من أن يعبر عن رأيه فيما يراه خاطئا. تابعت الحوار بين الشيخ وجدي غنيم والشيخ عبد الفتاح مورو وبعض أساتذة الزيتونة. وفي الحقيقة لم أجد في غنيم لا عالما ولا فقيها. وجدت الرجل حافظ أيات وأحاديث وأحكام، يلقيها على سامعيه، لا يهتم كثيرا صادفت موقعها أم لا. فهو لا يجتهد في فهم مشكلات محدثه ولا في فهم الواقع الذي ينزل عليه بضاعته.. المهم عنده هو البضاعة ذاتها، والمهم عنده إلقاؤها على الواقع ناسبته أم جافته. وليس هذا دور العالم ولا الفقيه. فما يضيفه العالم والفقيه على ما في الكتب الاجتهاد في فهم الواقع والاجتهاد في فهم النص والاجتهاد في تنزيل النص على الواقع. وأغرب ما سمعت من الشيخ غنيم غفر الله لنا وله ردا على إشكالية الحكم والديمقراطية والشورى وهب إشكالية معقدة شديدة التعقيد قوله إن في الإسلام 4 طرق لحل مشكلة الحكم، فإما أن يختار المرء طريقة وصول أبي بكر للخلافة أو طريقة عمر في الوصول للخلافة أو طريقة وصول عثمان أو علي رضي الله عنهم جميعا. ورأيت الرجل يبسط الأمور ويتجاهل تعقيدات الواقع كأن واقعنا اليوم هو واقع الصحابة لم يتبدل ولم يتغير. وبدلا من أن يستنتج الرجل من اختلاف وصول الخلفاء الراشدين الأربعة للحكم أن الإسلام لم يحدد طريقة واحدة لذلك، وهذا هو الواضح من سيرة الصحب الكرام، وأن الإسلام ترك الأمر لاجتهاد المسلمين بحسب ظروف عصرهم. نراه يريد أن يقصر عصرنا وكل عصر على تلك الطرق الأربع لا نخرج عليها ولا نحيد عنها. حين طرح عليه السؤال كيف ننزل هذه الطريقة على الواقع قال غنيم في اقتراب ولكن مع مخالفة واضحة لطريقة وصول أبي بكر رضي الله عنه للسلطة علينا أن نرشح مرشحين وأن يختار الناس واحدا منهم كما اختار الصحابة أبي بكر. ونسي غنيم أن أبا بكر لم ينافسه أحد في ترشحه في سقيفة بني ساعدة، فهل علينا أن نرشح شخصا واحدا مثلما فعل أبي بكر؟ وكيف نختار هذا الشخص لنرشحه ليختاره الناس لاحقا؟ وماذا عن الحالة المصرية كيف نفعل إذا ترشح مسيحي لرئاسة الدولة هل نمنعه من الترشح أم نسمح له؟ كلام غنيم بسيط بل ساذج. فمشكلة السلطة في الإسلام مشكلة معقدة قديما إذ اختلف فيها الصحابة وتقاتلوا في اختلافهم، ولم يلتزم المسلمون طيلة الفترة الأموية ولا العباسية ولا العثمانية ولا غيرها، لا بطريقة وصول أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي للحكم. وتحول الحكم وراثة وملكا عضوضا. وإشكالية الحكم هي اليوم أشد تعقيدا في عصرنا الراهن. وللأسف فإن غنيم يظن أن ما يقوله هو العلم وهو الحق الذي لا حق بعده ولا قبله ولا بجواره. ومع الأسف الشديد يرى بعض الشباب الذي لم يختبر تعقيدات الواقع ولم يدرك تعقيدات السياسة ومشكلاتها الكثيرة في القديم والحديث.. يرون للأسف في كلام غنيم الحق الصافي، وما هو كذلك.