لم يزد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة سوى تأكيد على ذلك المشروع ، حيث حققوا لمحمود عباس جميع مطالبه وهي البقاء في الرئاسة ، واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة ، دون أن يطالبوا باطلاق سراح المعتقلين من حماس في رام الله . ومشروع إسقاط حماس ليس وليد اللحظة ، بل بدأ منذ اعلان فوزها في الانتخابات عام 2006 م . ومنذ ذلك الحين والمشروع يكبر اسرائليا وفتحاويا وأميركيا و( عربيا ) . فتجريد حماس ، أو محاولة ذلك ، من المال والسلاح والسلطة ، ولا سيما الشؤون الخارجية ، انطلقت منذ اللحظة الأولى لتسلمها السلطة ، وتطورت إلى أشكال مختلفة حتى وصلت إلى مسلسلات الحصار التي نشاهدها اليوم . ولم يزد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة سوى تأكيد على ذلك المشروع ، حيث حققوا لمحمود عباس جميع مطالبه وهي البقاء في الرئاسة ، واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة ، دون أن يطالبوا باطلاق سراح المعتقلين من حماس في رام الله . وبذلك اختصروا الطريق بمصادرة حق الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في اختيار من يمثلهم . وهي حلقة ضمن سلسلة من الاجراءات والتطورات التي أعقبت فوز حماس في الانتخابات التشريعية ، مثل اعتقال نواب الحركة في المجلس النيابي لاحداث فراغ تشريعي ، وتصفية الحركة سياسيا ، ثم عسكريا عبر انقلاب دحلان الفاشل . وهو ما يتوقع أن يحاول توليه الكيان الصهيوني في مرحلة لاحقة إن لم تجد الاجراءات الحالية من تجويع وضغوط عربية على حماس وقطاع غزة . حرب ضد حماس : لم تمض أيام معدودة على تصريحات شمعون بيريز ، والتي زعم فيها أنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين في وجود حماس ، وكان قد سبقها وأعقبها لقاءات مع محمود عباس ، حتى أعلن الكيان الصهيوني في عدوان جديد على غزة ، وجود أنفاق ، وأنه قام بضربها وقتل 4 من الشهداء في تبرير فاضح لاتفاق الهدنة . وردت المقاومة بضرب عدة معاقل للعدو ،أغلقت على إثرها المعابر بما فيها معبر رفح على الحدود مع الشقيقة الكبرى مصر ، والتي تحولت من شقيقة إلى شقاء للأشقاء في غزة . ولم يكن إغلاق المعابر وضرب الحصار على غزة ، إجراء طارئ أو نتيجة لاطلاق الصواريخ على المغتصبات الاسرائلية ، وإنما استراتيجية أميركية وإسرائلية بغطاء عربي . وهي متابعة لما كشفته مجلة " فانيتي فير " الأميركية قبل عدة أشهر من وجود تنسيق أميركي اسرائلي فتحاوي عربي لاسقاط حماس . ولم يخف الكيان الصهيوني حرصه على اسقاط حماس من خلال الحصار ، لدفع الشعب الفلسطيني للثورة ضد الحركة . لكن هدفا آخر غير معلن ، وهو تجويع وإذلال الشعب الفلسطيني وإعادته لحياة ما قبل القرون الوسطى . فمشكلة الكيان الصهيوني مع الشعب الفلسطيني ومع العرب والمسلمين في المقام الأول . وهو ما نشاهده ، بلا حول ولا قوة ، من مظاهر التجويع والقتل البطئ ، وافتقاد أبسط مقومات الحياة في غزة . وقد توفى العشرات من المرضى ، وتوقفت جميع المظاهر العمرانية ، فضلا عن توقف المصانع عن العمل منذ أكثر من عامين . كل ذلك يجري أمام أنظار العالم ولا سيما العربي والاسلامي ، ولا تكاد تسمع سوى نداءات من الأمين العام لمنطمة المؤتمر الاسلامي احسان أوغلوا أو المرشد العام للاخوان المسلمين في مصر . أما الأنظمة العربية ورغم أنها أعلنت توجيه مساعدات إلى غزة إلا أنها ووفقا لسلوكها في الفترة الماضية مقتنعة كما يبدو بأن ذلك ضروريا لمعاقبة الشعب الفلسطيني وتحديدا أهالي غزة ، لأنهم انتخبوا حماس عام 2006 م، ولأن الحصار وقتل الأطفال والمرضى والعجائز والتأثير على التحصيل الدراسي لطلبة المدارس من خلال قطع الكهرباء والماء والغاز والمواد الغذائية والأدوية ،في اعتقادهم ، سيؤدي إلى الثورة ضد حماس أو عدم التصويت لها في أي انتخابات قادمة . مطبقة ( الأنظمة ) ذلك المبدأ الشيطاني ، الميكافيلي " الغاية تبرر الوسيلة ، حتى وإن كانت وسخة . وبالتالي فإن تكرار الحصار من حين لآخر سيستمر ، حتى يحقق التحالف أهدافه . وهو ما يستدعي من القوى الوطنية الاسلامية التنسيق فيما بينها من جهة ، وبينها وبين القوى الانسانية في العالم لوقف العدوان على الفلسطينيين وعلى أهل غزة تحديدا . لقد كان مجدي الدقاق ( النصراني المصري ) وأحد وجوه الحزب الحاكم في مصر ( لجنة السياسات ) مكشوفا ، وكاشفا من وراءه ، ففي أحد مداخلاته التلفزيونية ، مؤخرا ، طالب حماس بترك الحكم . وهو الهدف الحقيقي من الحصار وكل أنواع الايذاء الذي يمارس ضد حماس وأهالي غزة والشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة . ويأتي الحصار مقدمة أو بديلا عن الاجتياح الذي هدد به رئيس الوزراء الاسرائلي المستقيل ، يهود ألمرت حيث ذكر في لقاء له ، قبل نحو شهر ، مع قيادات عسكرية صهيونية بأن ذلك مسألة وقت . وهو ما يجب على الجميع أخذه في الحسبان ،إذ أن فشل الحصار ، ليس نهاية المطاف ، وتكراره ممكن ، وتطويره لعدوان عسكري يبقى قائما في كل الأحوال وهو ما تدركه حماس جيدا . وهناك ملاحظة جديدة بالاهتمام ، وهي أن العرب الذين وصفوا ب " الظاهرة الصوتية " لم يعودوا كذلك بل أصبحوا مضرب الأمثال في الصمت والخذلان " أصمت من العرب " وقد سمعت هذا المثل من مسلمين غير عرب ، وهم يتحدثون عن قضية أخرى فقال أحدهم " أكثر صمتا من العرب تجاه قضية فلسطين " وبذلك يكون هناك تطور ولكنه للأسوأ داخل المنظومة العربية ، المشكلة ( بنصب الشين وكسر الكاف ) غربيا . فهل فقد العرب ، الرسميون ، حتى حبالهم الصوتية فتوقفوا حتى عن الشجب والتنديد والاستنكار . وتحولت قضية فلسطين من تحرير أرض محتلة إلى مجرد الحديث عن قضية انسانية مجردة ، وهذا أحد أهداف الحصار ، وهو خفض سقف المطالب الفلسطينية والعربية والاسلامية والانسانية من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، إلى مجرد قضية انسانية تتعلق بالمواد الغذائية والدواء . ولا يكون للفلسطينيين إلا ما تحت أيديهم حاليا ، فإذا طالبوا بحقوقهم ، ماطلهم الصهايينة عبر مفاوضات لا تنتهي ، وإذا استخدموا السلاح لتحرير أراضيهم ضرب عليهم حصار مطبق يشارك فيه العرب الرسميون ، ويكون الغذاء مقابل ، السلام الاسرائيلي ، وهذه بتلك . لقد نجح الأعداء عبر سياسيين أغبياء في رام الله ، وعواصم عربية قريبة من فلسطين ، من تحقيق أهدافهم من خلال دفع فتح إلى الاحتكاك الأمني والعسكري ، مع حماس وإحداث شرخ في بنية المجتمع الفلسطيني ، يصعب بعده اللقاء مجددا . كما يصعب بعده إجراء أي انتخابات ، ليكون ذلك حجة جديدة للماطلة في حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه ، سواء بالتعلل بوجود حماس في السلطة ، أو بعدم تمثيل محمود عباس لكل الشعب الفلسطيني . أما المفاوضات التي يجريها عباس مع الصهاينة طيلة الفترة الماضية ، والتي قيل أنها ستفضي لقيام دولة فلسطينية قبل نهاية 2008 م ، فقد تبين بأنها كانت لعبة لخدمة أجندة خاصة تتعلق بكل من محمود عباس والمرت وجورج بوش ، وهو ما ذكرته جريدة معاريف الاسرائلية في وقت سابق !!!! كما أن ما وصف بالحوار الفلسطيني ، الفلسطيني ، لم يكن سوى محاولة أخرى ضمن مشروع ، إسقاط حماس ، حيث كانت الورقة المصرية ، مشروعا ناجزا غير قابل للتفاوض . وكان الهدف منه التجديد لمحمود عباس ، فلما سقط المشروع ، لجأوا لآلية غير ديمقراطية وهي تسمية محمود عباس رئيسا ، عن طريق منظمة التحرير ، ومن ثم الانظمة العربية ،ولم يطالب وزراء الخارجية العرب في بيانهم الختامي في القاهرة باطلاق سراحهم مما يضع أكثر من سؤال حول ذلك . وتعيين عباس من قبل المنظمة اجراء غير دستوري وغير شرعي من كل الوجوه . ولم تكن حماس هي من أفشل حوار القاهرة ، وإنما كتبة وبعض أعضاء الحزب الحاكم في مصر ، الذين لم يتوقفوا عن مهاجمة حماس وتبني موقف فتح ، مما أعطى انطباعا بأن شيئا ما يحضر ضد حماس ، وكتب أحدهم " حماس تقاد إلى حتفها في حوار القاهرة " وبالمقابل شنت أجهزة سلطة عباس في رام الله حملة صهيونية ضد مناضلي حماس عشية حوار القاهرة الفاشل ، وبلغ عديد المعتقلين نحو 400 معتقل . وكان العقل العليل لفتح يتصور بأنهم مهما فعلوا لن تتأخر حماس عن حوار القاهرة . أو فعلوا ذلك لتعتذر حماس ويفشل الحوار . ويبدو أن بعض قيادات فتح تعول على السلاح الاسرائيلي ، في مشروع إسقاط حماس ، أكثر من من تعويلها على الأشقاء العرب في عودتها إلى غزة والتربع على جثث الشعب الفلسطيني .