كلية الآداب.. لا تريد أن تهدأَ.. تمور كالمرجل.. لا تهدأ.. كلية الآداب.. تستذكر الثورةَ دوما.. مخافة أن تمضيَ في حتم الزمان... كلية الآداب.. معقل العقل والعقلانيّة.. ومختبَر البيان والبرهان.. كلية الآدب.. فضاء الحِجاج والقراءات العلميّة الجريئة.. كلية الآداب.. منبت الحيرة وبركان القلق.. كلية الآداب.. مولد العشق والكتابة.. ومسكن الأشواق تنسخ الحاجةَ.. وموقد الحيرة.. حيرة مسلمة في الميراث والزواج والمثلية الجنسيّة.. كلية الآداب.. مرتع التدريب والتجريب.. ومربع تحديث الإسلام سدًّا لطريق أسلمة الحداثة... كلية الآداب.. مهاد للعناد والمكابرة.. كلية الآداب.. عميد طلبته خصومه... "عَقَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُقَّكَ"... الطلبة... "ما هكذا تُورَدُ يا سعْدُ الإبِلْ" شباب حشرتهم ماكينة الاستقطاب السياسيّ المقيت في زاوية الاتهام... فهُمُ الخصوم وعليهم مدار الاتهام.. تعرج بهم الخطى باتجاه غاية يحجبها الغموض فتظلّ دربة على حلم سوريالي لا يقبل به منطق التاريخ وقد نسخته الثورات آل بفضلها الفعل للشعوب.. ولا وصاية على أمّة عرفت طريقها إلى كونها... العميد.. "رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ".. السيد عميد كليّة الآداب الموقّر نراه يدير صراعا دونكيشوتيًّا ضدّ قوى افتراضية دفاعا عن قيم افتراضية حتى ينحت اسمه في دفاتر الذين مرّوا من تجاريب الجدل الهابط.. مخافة أن يأتيَ عليه النسيان كما نُسي الذين من قبله... وقد حسبوا أنّ لبِناتهم ترجمان لنبوّات حداثة تنسخ شموس الزياتين القديمة... دارت رحى الصراع.. وكلّما مرّ يوم ازدادت حدّة المعركة بين الطرفين وتعذّرت سبل التواصل كأنّ بين العميد وطلبته ثأرا قديما.. أهو ثأر حداثة يعتنقها الشيوخ ضدّ سلفيّة يعتقدها الشبابُ؟ سلفية لا يرى لها خصومها موقعا سوى خلف جدران السجون وداخل الزنازين الانفرادية؟.. وإن جرى الحديث في شأن منتسبيها فلن يجوز حديثا حقوقيّاً من تلك الأحاديث المشتقّة من قيم الحداثة الكونيّة... يجني السلفيون الأهوال ليكسب بعض مضاربي الحقوق الأموال... مصائب قوم.. ولو أعانوهم على البرّ لبرّوا.. قامت الثورة فقفز العميد التليد إلى الركح السياسي وقد كان طوال العهد مغمورا.. مأمورا... قفز إلى سدّة الأمر في غفلة من الجميع ليتردّد اسمه بين من انتُجِبوا ذات ليلة حالكة التدبير في غفلة من شعب لا يزال تحت خدر الثورة اللذيذ.. استراح المارد قليلا ليترك لبعض العناكب مجالا ليقظة أوهامها... ترك العميد كليته وجاء ليكون له في الميدان اسم كخلق الله الثائرين... لم ير الثورة وما سمع بدواعيها.. أُتِيَ به لمّا اتخذ بعض المضاربين للثورة نادياً.. لتحقيق أهدافها.. ولقد علمنا بعد حين أنّ اختصاص التاريخ قد ساقته إليه حتمية التاريخ ترجمها للمريدين بمشهد راقص على إيقاع نجمة قطبية طلب كهنتها بها توحيد غبار ذرته رياح التاريخ وصار أثرًا بعد عين بمحض التاريخ.. ورَدْمَ هوّة ظنّوا التغافل عنها من شيم الكرام.. ولمّا سقطت الأقنعة وتميّز الغثّ من الثمين وردّ الشعب الأمتعة إلى أحجامها قبل الفورة وبارت سلعة الملوَّنين الواهمين.. بدت أشواك الطريق تأتي متوَقَّعَ الأذى.. وبادر المغلوبون بالشعب إلى إشعال حرائقهم هنا هناك.. "نلعب وإلاّ نحرّم".. عاد السيد العميد إلى مربّعه الأوّل.. "كما كنتَ".. مأمورا ولا فعل.. وبين عشيّة وضحاها نبتت السلفيّة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية.. نبتت الشياطين في فردوس الملائكة.. وظهرت الظلامية في مختبَر التنوير.. شهادة على فشل بيداغوجيّ مريع من العميد الرشيد وأعوانه وأقرانه وقرّاء عنوانه... وتناسلت الوقائع داخل الحرم الجامعيّ.. وفشل العميد الحكيم في وصف العلاج.. ومن قبل كان قد فشل في التشخيص.. بعض الأطبّاء لا يريدون للمريض الشفاء عشقا له ربّما أو حرصا على جيبه.. ربّما.. وسيدنا العميد أطال عمر الأزمة حتّى أوقع العَلَم.. أوقع النجمة والهلال وجميع مكوّنات الرمز الذي سالت لأجل رفعته الدماء.. وسالت النفوس.. شبّ الحريق بين يدي العميد.. وقد رأينا عود الثقاب بيده.. ولكنّه أنكر فعل القدح... وسمعنا طبول الحرب يقرعها الوطنيون الديمقراطيون الحداثيون العقلانيون جدًّا على اللاوطنيين اللاديمقراطيين السلفيين حَدًّا.. وبدأ النواحُ.. وعلا العويل.. وظهر علينا العميد السعيد في ثوبي النائحة والثكلى.. حتّى لقد وقف بعض بنيه الصرحاء داخل قلعته المحصّنة وقال لمتَّهميه المفتَرضين: اجمعوا قرآنكم وانصرفوا.. لا قرآن لنا غير قرآن الشعب.. ترى هل يقبل الشعب لغوَ الصبيان؟ أهو العَلمُ مقابل القرآن.. كذا يكون الإرجاف .. والتلبيس.. نورالدين الغيلوفي