إليكم أولا هذا الاقتباس: "إن السبب في أن العرب إذا تغلبوا على الأوطان أسرع إليها الفساد ،فهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خُلقا وجِبِلَّةٍ ، وكان عندهم ملذوذا لما فيه من الخروج عن رتبة الحكم وعدم الانقياد للسياسة ، وهذه منافيه للعمران ، والغاية عندهم الرحلة والتغلب ، وهو مناقض للسكون الذي به العمران ، فالحجر للأثافي ، ينقلونه من المباني ويخربونها عليه ، والخشب إنما حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم ، ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم ، فيخربون السُقُف عليه .فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران " من كتاب مقدمة ابن خلدون ص 178-179 " ما دفعني لاقتباس النص السابق هو ما جاء في الصحف الإسرائيلية قبل شهرين من أن صحفيا إسرائيليا اسمة سمحا يعقوفيتش تحوَّل من صحفي إلى منقِّبِ آثار، فاكتشف مسماري صلب المسيح في القدس !!!!! وقبلها بأيام اكتشفوا أيضا خاتما فخاريا منقوشا عليه شعار الكوشير الحلال، الذي كان مجلس السنهدرين اليهودي يختم به الأطعمة الحلال!!!! تذكرتُ كيف تمكن الإسرائيليون من إقناع معظم سكان المعمورة بأن أرض فلسطين كانت ملكا خالصا لهم ، وأنهم هم النسل الحقيقي لليهود الأولين، وأن السلالة والدم اليهودي ما يزال نقيا فيهم منذ ألفي سنة، على الرغم من أن كاتب تاريخ الحضارة ول ديورانت قال ساخرا: "اليهود هم أنقى الأجناس غير النقية"!!! وما أزال أذكر أن كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي كانوا يمزجون بين القيادة العسكرية والآثار، فقد اكتشف الفريق يغئال يادين قلعة مسادا، أما موشيه دايان فلم يُبقِ تلةً أو جبلا إلا نبشه بحثا عن آثار الأجداد!! أما نحن العربَ فنحن بلا منازع أعداء ألدَّاءُ لكل الآثار القديمة، فكل حاكم من حكامنا واظب خلال التاريخ ليحظى بلقب( القائد الأوحد)، ولأجل تثبيت اللقب وإدامته بدون أن يصنع إنجازاتٍ تؤهله له، فإنه يعمد إلى وسيلة رخيصةٍ، وهي تدمير وطمس وبيع تراثنا الأثري في السوق السوداء!!! وقد شاهدنا كيف تصبحُ الآثار العربية، وقت الأزمات، غرضا للنهب والسرقة والتدمير في العالم العربي، كما حدث في العراق ومصر وليبيا وغيرها! وما أزال أذكر منطقة أثرية في غزة مسحتها جرافات جنرالات العسكر الفلسطينيين في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبنت فوقها قصورا ومنتجعاتٍ خاصة، وكانت المصيبة ليست مقصورة على التجريف ومحو التاريخ الوطني، بل كان التخريب مطلوبا لإسرائيل، فقد عجز باحثو آثارها عن إيجاد أي أثرٍ عبري في المكان، فقد كانت المنطقة تحوي آثارا رومانية فقط، مما يدحض زعم جنرالات إسرائيل، لذا فإنهم- ولا شك- سعدوا بتجريفها وإخفائها عن أعين الباحثين والمنقبين!! وما يزال التدمير المنظم والسرقات للآثار العربية قائما حتى اليوم، وما زالتْ آثارنا العربية النادرة تدخل ضمن مقتنيات المتاحف في الدول الأخرى ، فإذا أراد الباحثُ العربيُ أن يجد المخطوطات النادرة ، فعليه أن يسافر إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول ليجد فيها ما يريد، إن الدول العظيمة هي التي تحترم تاريخها،وتقتني آثار الدول الأخرى التي اعتادت أن تبيع تراثها!! إن ما يجري في كثيرٍ من دول العرب، هو انتهاك للتاريخ العربي، وتدمير لحلقات هذا التاريخ لمنع التواصل بين الأجيال!! كما أن العبث بآثار فلسطين على وجه الخصوص، يعتبر جريمة نكراء في حقنا جميعنا لأنه يُفقِدُ نضالنا الفلسطيني أهم حلقاته وأساساته، ويحوله من نضال مقدس مشروع، إلى نزاعٍ إقليمي ضيِّق!!