ذكرنا سالفا أن الوضع الراهن في البلاد التونسية ينبئ بخطر محدق. بعد الكلمة التي ألقاها الشيخ راشد الغنوشي والتي أفاد من خلالها أنه سيقع التنصيص على البند الأول من دستور 1959 والذي مفاده "أن تونس دولة مدنية، الإسلام دينها والعربية لغتها" والتي أثارت حفيظة الكثيرين سواء من التيار السلفي أو من حزب التحرير كما استاء لها رواد المساجد وهم ليسوا بقليل. فهم يرون أن هذا البند هو عبارة عن ثغرة دستورية من شأنها أن تتسرب وفقا بمقتضاه قوانين تتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية. موقف أحرج كثيرا نواب المجلس الوطني التأسيسي. وللتعبير عن هذا الغضب، فقد قام حوالي 20 شخصا من الذين ينتمون إلى حركة النهضة بوقفة احتجاجية أمام مقر الحركة ب "مونبليزير" في العاصمة وطالبوا بمراجعة قرار الهيئة التأسيسية وبإعادة النظر في قرار الفصل الأول من الدستور، مما دفع قيادات النهضة وعلى رأسها عامر العريض إلى التوجّه نحو هؤلاء الأشخاص من أجل محاورتهم ورفع الالتباس عنهم. فعدم الأخذ بعين الاعتبار وضع قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وشريعته السمحاء في البند الأول من الدستور خلّف تجاذبات سياسية، هي بالتأكيد لا تخدم مسيرة الانتقال الديمقراطي لا مكانة الدين الإسلامي في المجتمع التونسي. وحتى يخرج نوابنا الأكارم من هذا المأزق ويحفظوا بذلك ماء وجوههم عليهم أن يختاروا أحد الثلاثة حلول. الحلّ الأول هو صعب وصعب جدا نظرا لأن المجتمع التونسي غير مهيأ لتطبيق أحكام الشريعة للفساد الذي ورثناه عن النظام السابق. الحلّ الثاني هو كما ذكرنا هو الإقرار ببند الدستور 1959 مع إضافة أن القوانين التي تسنّ داخل البرلمان لا تتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية. الحلّ الثالث هو أن نقتفي أثر المستعمر الفرنسي الذي تعرّض من قبل لمثل هذا الإشكال، فما كان عليه إلا أن أقام محاكم شرعية تعمل على فضّ النزاعات، حسب الشريعة الإسلامية للتونسيين، ومحاكم تحكم بقوانين وضعية للجاليات الغربية المقيمة في تونس. ولم لا تعمل الحكومة على تأسيس محاكم شرعية لمن يريد تطبيق أحكام الشريعة وأخرى لمن يريد التشبّث بالقوانين الوضعية وأعتقد أن هذا الحلّ هو الأنسب في وقتنا الراهن وفي مجتمعنا هذا بالخصوص. تونس