يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي عزت بيجوفيتش الرئيس المفكر في الذكرى الخامسة لرحيله:عبدالباقي خليفة
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 12 - 2008

span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 204,="" rgb(153,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 51,="" rgb(0,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"
span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 51,="" rgb(0,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"" إذا أغفلنا المكون السياسي للاسلام وقصرناه على النزعة الصوفية الدينية ( مجرد طقوس ) فإننا بذلك نكرس صامتين التبعية والعبودية . وفي المقابل إذا تجاهلنا المكون الديني في الاسلام نتوقف عن أن نكون قوة اخلاقية "
علي عزت بيجوفيتش
سراييفو : عبدالباقي خليفة
span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 204,="" rgb(153,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"من النادر في تاريخ الفكر وفي تاريخ السياسة ، أن جمع شخص وفي وقت واحد بين العمل السياسي من موقع القيادة العليا ، والصفة الفكرية المكتسبة عن جدارة . ويعد علي عزت بيجوفيتش رحمه الله من بين القلة الذين استطاعوا أن يتركوا بصماتهم على تاريخ الفكر والسياسة معا . سواء معلمته " الاسلام بين الشرق والغرب " أو ملحمته التي حافظ فيها على استقلال بلاده ، بعد تضحيات جسام . وغير فيها تفكيرشعبه من النزوع للهجرة تحت ذرائع الاستضعاف ، إلى المواجهة من أجل البقاء .
span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 204,="" rgb(153,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"
محمد إقبال في الغرب : يرى البعض بأن علي عزت بيجوفيتش ، هو محمد إقبال الاوروبي ، ولكن الحقيقة هي أن هناك الكثير من التشابه بين علي عزت ومحمد إقبال . كما هناك الكثير مما يختلف فيه الاثنان عن بعضهما ، فكلاهما فارس ولكن بقدرات متنوعة . كلاهما جدير بلقب فيلسوف ، وكلاهما أثر في الأمة ، وكلاهما سيظل من معالم الطريق للاجيال اللاحقة . ولكن يظل إقبال إقبال ، وعلي عزت ، علي عزت . كانت قضية الحرية من أولويات اهتماماتهما ، وسبق عصريهما من حيث غزارة المعلومات الثقافية المؤسسة . وهذا ما يلحظه المرء في كتابات محمد إقبال ، وعلي عزت رحمهما الله . وهناك الكثير من المغالطات حول علي عزت ، الكثير منها بحسن نية ، وهي مقولة " كان يفكر كغربي ، ويحس ويشعر كشرقي " وكأن الغرب بدون مشاعر، أوالشرق بدون عقل . بينما يعلم الجميع أن الشرق مصدر العقل والقلب معا .فالاغريق واليوانيين القدامى ، ممن يتخذهم الغرب كجذور لحضارته وثقافته ، شرقيون ألحقوا بالغرب . كما أن أبا العقلانية في الغرب ، وهو الحكيم ابن رشد من الشرق . أما توما الاكويني المعقد بالطلاسم فهو من الغرب ، وكذلك حكام الحق الالهي ، وباعة صكوك الغفران ، وقتلة غاليليو .
وعلي عزت رحمه الله ، كان ممن ساهم في بيان ما وصفه ب " الطريق الثالث " بين المادية والمثالية . وبين السماوي والأرضي ، وبين الروح والجسد ، وبين مملكة الله ومملكة البشر . مؤكدا على أن الاسلام يمثل الفيصل في الخلاف القائم بين الرسمالية والاشتراكية ، وبين كل العناصر السابقة التي تبدو متناقضة . " وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنسى نصيبك من الدنيا " كما في الآية الكريمة ، و" الدنيا مزرعة الآخرة "، و" إذا قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة فليغرسها " ، كما ورد في الحديث . في حين ظل الجدال قائما على مدى التاريخ النصراني بين السماء الأرض . وقد مثلت النصرانية نقيضا لليهودية ، كما مثلت الاشتراكية نقيضا للرأسمالية . في ثنائية متناقضة لا توجد في الاسلام قطعا . وبذلك قدم علي عزت بيجوفيتش ، الطريق الوسط ، الطريق المستقيم الذي يجمع الحقيقة التي تنازعتها الأديان والمذاهب المختلفة على مدى التاريخ البشري .
ومشكلة العلمانية المعاصرة ولا سيما النسخ الرديئة في عالمنا الاسلامي أنها تعاني من أصلها الغربي ، الذي ولد في هكذا تناقض بين الروحي والمادي ، بين العقل والعاطفة . فانخرطت هي الأخرى في حرب الروحي لحساب المادي ، أو بالأحرى حرب الدين لحساب اللادين ، وفي أحسن الأحوال منع الدين من أن يكون له سلطان على السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وغير ذلك . وحشره في علاقة فردية تحت المراقبة الأمنية . وهذا أحد أسباب فشل العلمانية في عالمنا الاسلامي ، وسط محيط لا يفرق بين المادي والروحي . إذ أن الزكاة والصوم والحج وحتى الصلاة بل الشهادتين تؤكد على العلاقة الوثيقة بين الدين والحياة ، أي الروح والمادة . فالزكاة فرض ديني ( روحي ) وفي نفس الوقت معطى اقتصادي وعنصر اجتماعي . والصوم شعيرة روحية، لكنها تمس الجسد مسا وثيقا ،تؤكد أولوية الروح على الجسد ، حتى وإن كان في ذلك عنتا للجسد الفاني بينما الروح باقية . وكذلك الحج وما فيه من نفقة ومن دور اقتصادي ، ومن تحلل من الملابس ( الدنيوي ) والصلاة شعيرة روحية لكنها تعلم النظافة وتحرص عليها ، وكان القييمون في أحد المعاهد الثانوية يقومون بدورات تفقدية في المبيتات ، لمعرفة ما إذا كان الطلبة قد غسلوا أرجلهم قبل النوم أم لا ، ولا يقتربون من الطلبة المصلين ، وعندما احتج البعض على ذلك قالوا لهم هؤلاء يغسلون أرجلهم عند الوضوء للصلاة . وشهادة أن لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، تؤكد ثنائية الروح والمادي وارتباطهما ببعضهما ، الله الخالق ، ومحمد صلى الله عليه وسلم المخلوق ، البشر . وهي ثنائية ، الارض والسماء والدين والدنيا . وهناك ارتباط وثيق بينهما لا يمكن فصله أبدا ، كما الروح والجسد أو الرأس والجسم . كما فيه كلمة التوحيد ، فصل بين حدود الالوهية والبشرية ، فلا يمكن للانسان أن يكون إلها ، فالله أسمى من أن يتمثل في صورة بشر . والزكاة دين ودنيا ، تزكية للمال وتزكية للنفس " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " وهي أيضا حق مادي للفقراء ، وجزء من الضمان الاجتماعي .
span lang="AR-SA" dir="rtl" 51);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt; color: rgb(255, 0, 0);"المفكر المناضل span lang="AR-SA" dir="rtl" 51);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;": span lang="AR-SA" dir="rtl" 153);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"لم يكن علي عزت ، رحمه الله كاتبا مترفا ، ينظر من الأبراج العاجية ، وإنما مفكر مناضل بكل ما تحمل الكلمة من معنى . فقد كان من بين الثلة المؤمنة التي حوكمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية . كما صدر ضده سنة 1983 م حكما بالسجن لمدة 14 سنة . وقد أوضح علي عزت رحمه الله في كتابه البيان الاسلامي ، الأسس الفكرية لفلسفته ، حيث انتصر فيه للاسلام شريعة وعقيدة ، وللاسلام عبادة ومعاملات . وفي البيان الاسلامي يؤكد علي عزت على أن الاسلام دين حوار وهو ما توضحه الآية الكريمة " قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ، ولانشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأننا مسلمون " وقال علي عزت " يمكن للمستقبل أن يكون أفضل ، إذا أراد النصارى ذلك ، من خلال التفاهم والتعاون فيما نتفق عليه ، من أجل صالح الطرفين والانسانية " . وعن اليهود قال لقد عشنا عهودا طويلة معا ، وظل اليهود في كنف المسلمين محافظين على دينهم وممتلكاتهم ، لم يتعرضوا لمحاكم تفتيش كنسية، ولا لأفران غاز نازية أو تصرفات فاشية . وتابع " قضية فلسطين والقدس ليست قضية الفلسطينيين ، وليست قضية العرب ، وإنما قضية جميع المسلمين في العالم " كما طالب بيغوفيتش بالتفريق بين اليهودية والصهيونية وعدم الخلط بينهما ، باعتبار نقد الصهيونية والممارسات الاسرائلية ، لا سامية ، ومعاداة لليهودية .
span lang="AR-SA" dir="rtl" 153);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"
طبيعة الاسلام span lang="AR-SA" dir="rtl" 153);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;": في كتابه " الاسلام بين الشرق والغرب " تلك المعلمة الجديرة بالقراءة وإعادة القراءة ، يوضح علي عزت بيجوفيتش بأن " في الغرب يظل الدين دينا والعلم علما وهذا غير موجود في الاسلام ولا يمكن ايجاده إلا بشكل متعسف ". وينبه إلى حقيقة يغفل عنها الكثيرون ، بل الأغلبية من المسلمين في العالم ، وهي طبيعة هذا العالم الذي نعيش فيه " يتميز العالم الحديث بصدام ايديولوجي نحن جميعا متورطون فيه سواء كمساهمين أو ضحايا " وإذا كان علي عزت قد وجه انتقادات في الصميم للشيوعية ، فإنه لم يغفل طبيعة الصراع فيما بعد انهيار حلف وارسو . فهناك مشكلة في اللاهوت النصراني الذي يعتبر أن مملكته ليست في الأرض . في حين يشير الاسلام إلى أن الدنيا مزرعة الآخرة . وإذا قامت الساعة وفي يد أحكم فصيلة فيليغرسها . أما محاولات البعض إعطاء الحضارة والمدنية المادية الغربية بعدا نصرانيا فهو انتهازية وإسقاط وسرقة مفضوحة . span lang="AR-SA" dir="rtl" 153);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"وكما يذكر علي عزت " إن الحياة الانسانية تكتمل فقط عندما تشتمل على كل الرغبات الحسية والأشواق الروحية للكائن البشري " وهذه هي طبيعة الاسلام ، الطريق الثالث ، بينما span lang="AR-SA" dir="rtl" 153);="" 51,="" rgb(51,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"
" ترجع الاخفاقات الانسانية لانكار النصرانية الاحتياجات البيولوجية للانسان أو لانكار المذهب المادي لتطلعات الانسان الروحية " . إذ أن " الازدواجية هي ألصق المشاعر بالانسان ، ولكن ليس بالضروروة أعظم فلسفة انسانية . على العكس من ذلك كانت كل الفلسفات الكبرى واحدية النزعة . فقد يكشف الانسان خلال خبرته ازدواجية العالم ، ولكن الواحدية كامنة في صميم كل فكر انساني . فالفلسفة لاتقره ، لأن الحياة وهي أسمى من الفكر لا يجب أن يحكم عليها الفكر . وحيث أننا بشر فإننا نحيا واقعيين وقد نستطيع أن ننكر هذين العالمين ، ولكننا لا نستطيع الفكاك منهما ، فالحياة لا تتوقف كثيرا على فهمنا لها " . ويرد علي عزت على ذلك التهريج حول ما إذا كنا نأكل لنعيش أو نعيش لنأكل " السؤال ليس هو ما إذا كنا نحيا حياتين وإنما هو إذا كنا نفعل ذلك فاهمين لحقيقته . ففي هذا يكمن المعنى النهائي للاسلام " . من المهم التأكيد على أننا نأكل لنعيش ، ولكن الاهم كيف نعيش أوالاجابة على سؤال لماذا نعيش . وإلا فإن العيش من أجل الأكل أو الاكل من أجل العيش يصبحان سيان . ويوضح طبيعة الأزمة في علاقة الانسان بالكون انطلاقا من المركزية الاوروبية " الدين كما هو في المفهوم الغربي لا يؤدي إلى التقدم ، والعلم لا يؤدي إلى الانسانية " بينما عرف التاريخ الاسلامي علماء فلك ورياضيات وطب هم في الأصل علماء دين . ويخلص للقول " " في الاسلام الخلاص الداخلي ،أو الفردي ، الذي تدعو إليه الأديان ، وفيه الخلاص الخارجي ، أو المجتمعي ، الذي تدعو إليه النظريات المادية المختلفة " ويتساءل وهو يرد على النزعة اللادينية ونقيضتها الكنسية " كيف يمكن لشئ يمثل جانبا واحدا من جوانب الحياة أن يطبق على الحياة الواقعية بأسرها ، وهي أكثر منه تعقيدا " . ويوجه علي عزت اهتمام المسلمين إلى طرق الترقي الثقافي " لكي نفهم العالم فهما صحيحا ، من المهم أن نعرف المصدر الحقيقي للأفكار التي تحكم هذا العالم وأن نفهم معانيها " ويوضح أكثر "" تبقى الأفكار كما هي تؤثر على العالم ، ليس بمقتضى معانيها المنتحلة وطبائعها الموقوتة ، ولكن طبقا لمعانيها الأصلية وطبائعها الحقيقية " .
جريمة تجزئة الاسلام : والمفكر علي عزت بيجوفيتش من المؤمنين بأن الاسلام هو الحل لفهم العالم ، والحل للحياة المسقرة وللمجتمع الآمن وللدولة العادلة " الاسلام يعني أن نفهم وأن نعترف بالازدواجية المبدئية للعالم ، ثم نتغلب على هذه الازدواجية " ويمضي قائلا " القرآن حياة ، والاسلام نفسه طريقة حياة كما أنه طريقة في التفكير " لقد " كانت هذه الحياة في نموذجها المجسد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . وقد برهن النبي من خلال تفاعله مع القرآن ، بأن الاسلام وحدة طبيعية ، من الحب والقوة والمتسامي والواقعي الروحي والبشري . هذا المركب المتفجر حيوية من الدين والسياسة يبث قوة هائلة في حياة الشعوب التي احتضنت الاسلام " وبفكر ثاقب ونظرة غير مسبوقة ، من المهم جدا للحركة الاسلامية المعاصرة ، وكل الباحثين أن يتمعنوا فيها جيدا ، لا سيما وهي تنطبق على وضعنا الحالي من تفرق وتمزق وتوزيع سياسي وديمغرافي وغير ذلك " " إن الاسلام لم يكن مجرد أمة وإنما هو على الأرجح دعوة إلى أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .. أي تؤدي رسالة اخلاقية " .
وبعقل المفكر الرسالي الذي تلمس جناية الايمان ببعض الكتاب ، والكفر ببعضه الآخر ، يؤكد " إذا أغفلنا المكون السياسي للاسلام وقصرناه على النزعة الصوفية الدينية ( مجرد طقوس ) فإننا بذلك نكرس صامتين التبعية والعبودية . وفي المقابل إذا تجاهلنا المكون الديني في الاسلام نتوقف عن أن نكون قوة اخلاقية . فهل يهم بعد ذلك إذا كانت الامبريالية تسمى بريطانية أو ألمانية أو اسلامية ما دامت قوة قاهرة للشعوب والأشياء " . ويضيف " الاسلام يعني البحث الدائم عبر التاريخ عن حالة التوازن الجواني والبراني . وهذا هو هدف الاسلام اليوم . وهو واجبه التاريخي المقدر له في المستقبل " . ويتحدث عن اللادينية أو المسيح الدجال كما سماها محمد أسد رحمه الله " بدلا من الدين نجد العلم وبدلا من الفردية نجد المجتمع وبدلا من الانسانية نجد التقدم وبدلا من التنشئة نجد التدريب وبدلا من الحب نجد العنف وبدلا من الحرية نجد الضمان الاجتماعي وبدلا من حقوق الانسان نجد حقوق المجتمع وبدلا من مملكة الله نجد مملكة الأرض " ويتساءل علي عزت " عن ذلك بالقول " هل يستطيع الانسان التغلب على هذا التناقض إما هذا وإما ذاك إما السماء وإما الأرض أم أن الانسان محكوم عليه أن يظل مشدودا إلى الأبد بين الاثنين . هل هناك وسيلة ما يمكن بواسطتها للعلم أن يخدم الدين والصحة والتقوى والتقدم والانسانية ، هل يمكن لطوبيا ممكلة الأرض أن يسكنها أناس بدلا من أفراد مجهولي الهوية بلا وجوه وأن تتمتع بملامح مملكة الله " . ويصل علي عزت إلى التأكيد على الاسلام يحقق التوازن المفقود في حياة الفرد والدولة على حد سواء . ثم يدخل إلى عالم العبادة في الاسلام ليتحدث عن الصلاة ." إن الصلاة في الحقيقة خلاصة الاسلام ككل . إنها شفرته أو صبغته الكودية ، ومرجع ذلك أن الصلاة تجمع بين مبدأيين في إطار واحد . يعتبران حسب النظرة النصرانية متناقضين لا يلتقيان ، أعني بذلك الوضوء والصلاة . هذان المبدآن يذهبان عميقا في بنية الاسلام . إن العقلانية التي ترفض الرؤيا الجوانية والرؤيا الجوانية التي تستبعد المدخل العقلاني ينتهكان مبدأ التوازن في الصلاة . إن أي تطرف آحادي الجانب في هذا الصدد يعتبر هبوطا إلى مستوى الوعي النصراني انتهاكا لمحور الاسلام المركزي . وإذا كان الاسلام يمثل امكانات الانسان الفطرية فلا بد من أن يكون له ظهور ما سواء على شكل ناقص أو شذرات هنا وهناك . حينما وجد متدينون يؤمنون ويعملون أي حيث لا ينسى المتدينون دورهم في هذا العالم " . ويشرح أيضا كيف أن " العلم يعطينا صورة فيتوغرافية دقيقة للعالم ، ولكنها تفتقد لبعد جوهري للعالم .
وأن " الانسان أكثر من جميع ما تقوله عنه العلوم مجتمعة " وهو " مخلوق وقد انصب في وعيه ليس فقط أنه مختلف عن الحيوان ، ولكن أيضا أن معنى حياته لا يتحقق إلا بانكار الحيوان الذي بداخله " .
في الذكرى الخامسة : من الاقوال المأثورة عن علي رضي الله عنه " الناس موتى وأهل العلم أحياء " فكم الملايين يموتون وينمحي ذكرهم بموتهم ، أو يظلون لفترة قصيرة جدا ثم ينتهون . وهناك من يحيا كالعظماء ، وهناك من يظل ذكره بين الناس ككبار المجرمين ،وعلي عزت رحمه الله من العظماء الذين سيظلون مصدرا للالهام ، ومن الأحياء من خلال كلماتهم وكتاباتهم . وفي هذا المعنى تحدث الكثير عن علي عزت وقال عضو مجلس الرئاسة سابقا ، ورئيس حزب العمل الديمقراطي سليمان تيهيتش في الذكرى الخامسة لرحيله " علي عزت بيجوفيتش ،لا يزال حيا في الذاكرة الجماعية للمسلمين ولكل محبي السلام والعدل والديمقراطية " وتابع " ربما لم نفهم ولم يفهم البعض توجهات الرئيس الراحل وبعض مواقفه ، ولكن الزمن أثبت أنه كان يتحلى بحكمة نادرة وأن رؤيته للاوضاع كانت استشرافية لابعد الحدود ، وصحيحة بمعايير المآلات " وأكد على أن " اتباع سياسة الرئيس الراحل ، تقود بالضرورة إلى تحقيق كافة الآمال التي يرغب فيها الشعب والكثير من الساسة ذوي النوايا الحسنة والتخطيط المحكم " وقال رئيس مجلس الرئاسة البوسني ( رئاسة دورية كل 8 أشهر ) الدكتور حارث سيلاجيتش " علي عزت بيجوفيتش كان وسيبقى على قمة هرم معالم الحرية والدفاع عن الدولة " وتابع " خاض معركة نظيفة ، لم تكن فيها معسكرات اعتقال ولا سجون ولاهدم لاماكن العبادة " . وهذه شهادة أخرى لعلي عزت رحمه الله ، فلم يكن مفكر فحسب بل سياسي ظل وفيا للافكار التي حملها ودافع عنها وأورثها للاجيال من بعده . فكثير ممن يملؤون الدنيا ضجيجا يسقطون في امتحان تطبيق النظرية ، أو الفكر والممارسة . وهناك من يبر ذلك بمقولة ساقطة " صحة النظرية وسوء الممارسة " .
وكان الأطباء قد عثروا في فراش الراحل علي عزت بيجوفيتش على ورقة خطها قبل اسلام الروح إلى بارئها ، وهي عبارة عن أبيات شعرية باللغة البوسنية يكشف عنها لاول مرة بعد 5 سنوات على رحيله – رحمه الله – يقول فيها " رسالة إلى نفسك .. لو بلغت هامتك عنان السماء .. سيكون الموت نهايتك .. لو طفت الارض شرقا وغربا سيكون السكون بدايتك .. تستقبل في حياتك ضيوفا كثر ، لكن ضيفا غير مرغوب فيه سيحل عليك .. كل شئ سينته لتبدأ حياتك بعد الموت .. هذا العالم سيموت .. لذلك كن مستقيما .
رحم الله علي عزت وأسكنه فسيح جنانه ، فلم يساوم ولم يتراجع ، وظل صامدا كالطود الشامخ ، حتى لقي ربه . وأختم بكلمة ذات مغزى قالها في span lang="AR-SA" dir="rtl" 0);="" 51,="" rgb(0,="" color:="" ;="" arabic="" simplified="" style="font-size: 14pt;"مذكراته " لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء ، لفعلت ما فعلته من قبل " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.