الحوار هو أسلوب للتفاهم بين الأفراد والأحزاب والدول و المجتمعات، قصد التعارف والتعاون، لتحقيق الرقي الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي، وهو خلق حسن يتربّى عليه الفرد ابتداء من محيطه الأسري، ثم محيطه المدرسي وانتهاء بمحيطه المجتمعي، وهو أنجع أسلوب يعتمد في تعليم الكبار، و تربية الصغار فقد ورد لفظ " يحاور" في القران الكريم في الآيات 32 إلى 44 من سورة الكهف للدّلالة على جدال قام بين مالك لجنتين وصاحبه يفتخر فيه مالك الجنتين على صاحبه بكثرة ماله وخدمه، وجاءت هذه الآيات لتبين موقفين متقابلين موقف مادّي صرف ينظر إلى أنّ ما يملكه الإنسان هو القيمة المبررة لمكانته، وعلوّ همّته، في حين أنّ الموقف الثّاني وهو موقف أنساني، يري فيه الصّاحب أنّ ما يملكه الإنسان إنّما هو مستخلف فيه، ومن موقعه كمستخلف فهو مطالب بإنفاقه في ما يعود عليه وعلى أبناء جنسه من نفع وخير. وقد جاء الحوار أيضا كأسلوب في القصص القرآني ليبين به المولى سبحانه وتعالى أهمية الحوار، وضرورته في الدعوة إلى سبيله، باعتباره الطريق الأوْصل لهداية النّاس، اعتمادا على التّفكير المستند إلى العقل، للوصول إلى الحقيقة، في مجال العقيدة دون إكراه للآخرين، وفيه دعوة للانفتاح عليهم انفتاحا كلِّيا قال تعالى "كأنّه وليٌّ حميم" وتحمل الأذى في سبيل ذلك، قال تعالى" وما يلقّاها إلاّ الذين صبروا وما يلقّاها إلاّ ذو حظٍّ عظيم" وبالتالي فانّ الحوار يتطلّب الانْفتاح على الآخر والإصغاء إليه، وإلى أفكاره، ووجهات نظره، ونقدها، وطرح وجهات نظر مخالفة، لها بكل أدب واحترام، ودون تشنج، حتى ينتهي بهم الأمر للوصول إلى رأي واحد متفق عليه، أو حقيقة مشتركة، والحوار بهذا المعنى هو سلوك حضاري، عرفته الأمم المتقدمة في كل مجالات حياتها، فتحقّق لها الأمن، والسلم و الرخاء. ففي البيت عندهم، يتعلم الطفل أدب الحوار وفنونه من أمه وأبيه، اللذان أنشآه عليه، فعندهم تقوم العلاقة الأسرية على التشاور، و الحوار، والاحترام المتبادل، فلا يستبد الأب برأيه، ولا ينفرد الابن بوجهة نظره، ولا الأمّ برأيها، فكُلًّهم منفتحين على بعضهم البعض، يحترم صغيرهم كبيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويستأنس برأيه، ويواجهون مشاكلهم مجتمعين، ومتعاونين، وقد علّمتهم الديمقراطية بما فيها من حرية تعبير، واحترام للرأي المخالف، وتداول سلمي على السلطة، أنّ الحوار هو سبيل الرقي الحضاري. فالتعليم عندهم ينبني على الحوار، بمعنى آخر - فهو تعليم حواري مقابل التعليم البنكي عندنا- لا يكون التلميذ فيه مجرد وعاء للتّلقي، وإنمّا يأخذ و يعطي، يتعلّم ويعلّم، وبذلك ينمّي قدراته الفكرية والإبداعية، ليصبح حكمه على الأشياء والأفعال صحيحا، ويكون فاعلا ومفيدا في مجتمعه، مقدّرا لمصالح شعبه، يحترم القانون ويذود عنه. والمؤسسة الاقتصادية عندهم يسودها الحوار، وتحترم فيها القوانين المنظمة للعلاقات الشّغلية بين العمّال وأرباب العمل، فصاحب العمل يصغى دوما لمشاغل العامل، ويشركه في اهتماماته، ويطرح عليه جميع تصرّفاته حتى يشاركه الرأي والمشورة، فينصلح أمر المؤسسة، ويتحقق الربح، ويصبح بذلك العامل شريكا لصاحب العمل، فكلّما ساهم في رفع الإنتاج وتحسين الإنتاجية نابه نصيب منها، وبالتالي لا يطغى أحد على أحد، وبحكم عملي وقربى من مواقع العمل ومواقع القرار، أدركت أهميّة الحوار وتشريك العامل في القرارات التي تهمّ التصرّف المالي للشركة، أو انجاز برامجها، وتقويم أعمالها، فكلّما كان الحوار موصولا بين العمال ومشغّلهم، إلاّ وتحسّنت أحوال المؤسّسة، وحسن أداء عمّالها، وتطوّر نشاطها وإنتاجها، وكلّما انقطع الحوار بين العمال ومشغّلهم، وحلَّ محلَّه الاستبداد بالرأي، إلاّ وساد الشّركة أو المؤسسة الانخرام، وتقلّص إنتاجها، وعرفت الخسائر ولقد عاش تلامذتنا فى فترة العهد البائد فى مدارس اختفى منها الحوار، فلا حوار بين إطارها المدرسيّ المربي وإطارها الإداري من جهة، ولا بين إطارها المدرسيِّ المربي وإطارها الإداري والتلميذ من جهة أخرى، فصار بذلك العنف هو سيّد الموقف، وأصبحنا نسمع بين الحين والآخر بتلميذ يعتدي بالعنف على أستاذه، أو على مدير مدرسته، أو أستاذ يعتدي بالعنف على تلميذه أو تلميذته. وكذلك شهدت جامعاتنا كل أساليب العنف من جهات مختلفة، وفي اتجاهات مختلفة، وفرض الرأي على الجميع بقوة البوليس، وغاب أسلوب الحوار في فض المشاكل بين الطلبة فيما بينهم، وبينهم وبين إدارتهم، أو بينهم وبين مدرسيهم. وسادت مؤسساتنا الاقتصادية مظاهر القهر والتفكك، وتسلّط الأعراف على العمّال، وانعدم الحوار الاجتماعي بين العمال وبينهم وبين منظمتهم الشغلية من جهة، وبين منظمة الأعراف ومنظمتهم من جهة ثانية. وصارت مؤسساتنا الاجتماعية والثقافية والرياضية قلاع مفرغة غاب عنها الحوار، فسيطر عليها الوصوليون والانتهازيون الأشرار، فتعطّلت بذلك أهدافها وأدوارها، ونهبت أملاكها وأموالها. وعرفت الأسرة التّونسية تفكُّكا رهيبا، وانخراما كبيرا فى علاقات أفرادها، وسادت لغة الحسم بينها، وغاب منطق الحوار في فض مشاكلها، فانتشرت فى المجتمع بكثرة ظاهرة الرشوة، وظاهرة الطلاق لأتفه الأسباب، فأصبح الرجل متسلّطا على المرأة، يعتقد أنّه السيّد في البيت، فالرأي رأيه، والكلمة الأولى والأخيرة كلمته، والمشورة مشورته، وما على المرأة إلا أن تسمع وتؤمرفتطيع، وهي التى تعمل لتعود إلى البيت متأخرة، ومتعبة، ومنهكة لتطبخ، وتغسل، وتعتني بصغارها وتنظف، ولا تجد العون من زوجها بحجة أنه هو الرجل وهي المرأة، يجلس سيادته على الأريكة يقرأ الجريدة ويتصفحها، أو يشاهد التلفاز ويستمع إليه، ولا يولى لها بالا، تناديه فلا يسمع لها كلاما، مقطّعة بين المطبخ والأطفال، لا يرفق لها بحال، فان طالبته العون، صاح و"تسردك"، وان سكتت المسكينة مرضت وذلّت، فهلاّ فهم هذا الزوج أنّه ليس خيرا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم، فرسولنا كان معينا لزوجاته، كان يخصف نعله، وكان يخيط ثوبه، وكان ينظف فناء بيته، ما عاب لهن طعاما قط، وكان يشاورهن في كل أموره، علّمه ربه سبحانه وتعالى مشاورتهن، وأخذ رأيهن في أصغر الأعمال وهو فطام الأطفال، فكيف بالأعمال الهامة للمجتمع والأسرة، وبالمقابل أصبحت المرأة ناشزا لا تقيم لزوجها وزنا، ولا ترعى له حرمة، تهينه في كل الأوقات و الأحوال، مهما أبرها أو قصر، لا تنشد ودّه، ولا تستدر عطفه وحبه، ولا تبدى له رغبة، ولا تصون له حرمة، إذا تكلّمت شتمته، وإذا ضحكت هزّأته.