تعوّد آباؤنا الفلاحون أن يعمدوا إلى شجر الزيتون يُلقِّمونه إذا شاخ وهرم ويبست أعواده وتراجع إنتاجه،وامتنع عن التجدد. وقد كان لوالدي رحمه الله سانيتيْن من الزيتون،السّانية الكبيرة،كما كنا نقول،والسّانية الصغيرة. والكبر والصّغر المقصودان هنا هما في العُمر. وأذكر أن السّانية الكبيرة قد يبست ولم تعد تجود علينا بشيء كبير يُذكر. فعمد والدي المرحوم إلى قطع كل أغصانها،ولم يترك إلاّ جذعها،وعُودًا رقيقا صغيرا في طرف الجذع لا يكاد يُرى من بُعدِ بعض عشرات الأمتار. وقد حزنّا نحن الأطفال لذلك الأمر،وخشينا أن تكون سانيتنا قد ماتت،ولكنّ والدي،العارف الجيّد بعمله وبفلاحته،كان يؤكّد لنا أن السّانية ستعود ليس كما كانت وإنما خيرا مما كانت. وقد كانت كما قال والدي،وهي الآن خضراء شابّة متجدّدة كعروس،بين السّواني والحقول. ... ما ذكّرني بهذا الأمر هو حال نخبتنا اليوم. فهي نخبة هرمة،عِلما وعَملا وثقافة وآليات تفكير. ولعلّ المعضلة الكبرى في اعتقادي التي تعطّل عملية انسياب الفعل الثوري التغييري وسلاسته،وتحدّ من نسق سرعته،هي عدم تمثّل نخبتنا لهذه الحقيقة،والتّمنّع اليائس عن الاستجابة لشرط "التلقيم". ولا أعتقد أنّ هذا التمنّع سوف يمنعُ القَدَرَ من الاستمرار في مساره:مسار نجاح الثورة،وبَوارِ سعي خصومها. وما لم تتدارك نخبتنا أمرها،وتستجيب للشرط أعلاه،فلا أرى لها من مصير،سوى التّبخّر غير المأسوف عليه.