بإسم الذي لا حول ولا قوة إلا به أبدأ في كتابة هذه السطور عنكم ، و بحبر القهر المزمن و المشتعل ناراً في الصدور أخط لكم شوقاً و سلاماً و محبةً على هذه الأوراق ، وإن كنتُ أعلمُ علمَ اليقين بأنها لن تصلكم إلا إذا طارت مع الرياح وحطت على الأسلاك الشائكة التي تحيط بكم من كل الإتجاهات ، فهذا قدركم الذي خطه الصهاينة لكم تعذيباً وعقاباً على وقفات البطولة التي اخترتم القيام بها دفاعاً عن فلسطين التي سكن عشقها في أرواحكم وأجسادكم ، فطوبى لكم أيها الثائرين الخالدين ، طوبى لكم وأنتم تصنعون من الموت المفروض إرادة الحياة المتمردة على السجان وقضبانه . من باحات السجون ، ومن فوهة الزنازين ، تنقل لنا وسائل الإعلام بعض المقاطع المصورة لكم فنسارع للنظر إلى ما أباحَ نَشرهُ وعرضهُ عدوكم المجرم ، وعندها ومن خلال ما نراه على الشاشات الملونة نحاول أن نقترب منكم لنرى عيونكم وما تحمله بداخلها من مخزون الأمل بحتمية الإنتصار ، ونحاول أن نتلمس أجسادكم النحيلة على أمل الخروج بدرس جديد عن عنفوان القوة الكامن بداخلها ، هذه القوة التي لن يعرف قيمتها ومقدارها إلا الذين عاشوا ومروا بالتجربة التي تعيشون أنتم تفاصيلها اليومية من وسط المؤبدات والسنوات الطويلة التي حكم بها عليكم ظلماً و إستبداداً خنازير وقردة التاريخ الإنساني المعاصر . و لكن نبشركم أيها الأبطال أن بعض " الأحرار " في الخارج من أصحاب القرار ومن الذين وجدوا في إضرابكم عن الطعام فرصة سانحة وثمينة قد قرروا إختبار " رجولتهم " فأعلنوا أنهم لن يستمروا بالمفاوضات مع القاتل نتنياهو حتى يتم إخراجكم من السجون وذلك طبعا من باب التضامن معكم ، المفاوقة العجيبة أنهم يزاودون عليكم ، فأنتم بالأمعاء الخاوية تطالبون بتحسين الأوضاع ، وهم ينادون بتحريركم لأنهم طبعا أدرى منكم بمصلحتكم ! وبما يناسبكم ! أليسوا في موقع أولي الأمر الذين يجب طاعتهم من داخل سجون الصهاينة ومن خارجها ! ألا ترون أن هؤلاء " الأحرار " في حاجة ماسة وشديدة إلى بعض الحياء والخجل ، ولكن من أين لهم ذلك ؟ في الوقت الذي تحولوا فيه إلى ملوك للضعف والخذلان ، فهل هي الوقاحة يا ترى ؟ فحتى على أوجاع جوعكم يتطاولون ، ويتبجحون ، ليداروا على عوراتهم التي قد يعجز عن تغطيتها كل ورق التوت الذي على الأرض ، فتبا لهم ولهذا التضامن الذي يختبئون وراء جدرانه التي هي أوهن من جدران بيت العنكبوت ، فيا أيها الرجال لا تلتفتوا لهم ولا تراهنوا عليهم وعلى تصريحاتهم العارية والمكشوفة . أما بعد ، وبأعلى درجات الإختصار الممكنة فلا بد من أن نعرج على من راحوا يتباحثون في أمر تحريركم مع أمير الغاز ، لأن الحيرة التي تتملكنا في اختيار طريقة توجيه العتب واللوم لهم تكاد تقتلنا ، فأدب الكلام يمنعنا من السقوط في مستنقع الألفاظ والمعاني الجارحة الخارجة والشاذة عن روح الأخلاق والفضيلة ، ولكن يكفينا القول لمن يستمتعون بهذا الغاز بأن رائحته تكاد تودي بنا وتخنقنا ، فالهواء الصالح للتنفس وغازهم الكريه لا يلتقيان ولا يجتمعان في داخل المكان الواحد فأي تضامن هذا الذي تبحثون عنه عندهم . وفيما تتوالى الأيام و مع دخول الأسبوع الثالث على إضرابكم فمن المهم أيضا أن نزف لكم البشرى بأن بعض القادة " الأحرار " طبعا قد التقوا وإجتمعوا وتباحثوا مع الأمين العام للجامعة العربية بغية الإتفاق على نقل " ملف " قضية إضرابكم إلى الأممالمتحدة وجمعيتها العمومية ومجلس أمنها ، فماذا تطلبون منهم بعد وقد أصبحتم في نظرهم مجرد ملف ؟ ولكن ما عليكم فالمطلوب منكم مواصلة الإضراب ومكابدة ألم الجوع و الحرمان ، وهم بطعبية الحال كفيلون بعرض ملفكم على كل محافل العالم لحشد الدعم والتضامن مع قضيتكم ، فكلوا تضامن ، وإشربوا هنيئا مريئا من هذا الحشد . فيا أحمد ، ويا مروان ، و يا عبدالله ، ويا كل الأبطال المحبوسين في سجون ومعتقلات وأقبية القهر ما عليكم ، ولا نريد منكم سوى الإستمرار وعدم التوقف ، فنحن سنأكل ونشرب ونلهو بالنيابة عنكم ، وسوف نغني لصمودكم أجمل ما في الدلعونا والميجانا من أبيات وفقرات ، ومن طلوع الشمس وحتى مغيبها سنقف احتجاجا أمام الصليب الأحمر والأزرق والأخضر و نعدكم أن لا نترك لونا من دون الإجتماع أمام سيادته حتى نشرح له قضيتكم ، وسوف نحاصر جميع مكاتب ومقار هيئة الأمم ونمطرها بوابل من زخات الشجب والتنديد ، وسوف نملأ السماء بالبيانات المنمقة والمعدة خصيصا لكم ، و سنقيم لكم في كل عاصمة عربية خيمة إعتصام و تضامن تليق بجوعكم و عطشكم . أخيراً و ليس بأخر ، فإياكم و المراهنة على غضب الضفة و ثورتها و انتفاضتها ، فقد أصبح ذلك في حكم الممنوع و فاعله يعاقب و بأمر السيد الرئيس ، إياكم أيضا و المراهنة على أسر خنزير صهيوني جديد ، فكل قطعانهم التي تسرح و تمرح في الضفة هم بمثابة ضيوف أكارم عند سلطة أبو مازن و أجهزتها الأمنية ، و كذلك إياكم و المراهنة على نادي الأسير فقد أعلن إفلاسه ، كثيرة هي العنوانين التي كان من الممكن أن تراهنوا عليها ، و لكنها تساقطت و تلاشت في زمن تبادل الرسائل بين المحبين ، وهنا أجد نفسي مضطرا لوضع نقطة القهر الأخيرة حتي ينتهي هذا المقال ، فهذا القلم و صاحبه يذوبان خجلاً أمام ألآم جوعكم ، و عظمة التحدي التي سيكتب عنها شعبنا وقواه الوطنية اسطورتهم القادمة و التي لابد أن تنفجر مقاومتها قريبا فلا محالة من ذلك .